
قصفٌ منفردٌ

على مقام الرَّصْد!
مِنْ حَلْمَـةِ الشِّعْرِ آيـَاتُ الشَّجَا شَجَرُ | تِلْكَ الحَـيَاةُ بِمـا تُـرْدِيْ وتَـبْـتَـذِرُ |
فـي طَلِّها شَـرَرٌ، مِنْ جَمـرِها مَطَـرُ، | ضِـدٌّ بِـضِـدٍّ، وبالأَضْـدَادِ تَبْـتَـكِـرُ |
وما الحَيَـاةُ؟ سِوَى ثَدْيَـيْنِ مِنْ حَجَـرٍ | يَسْقِـيْكَ مـاءً ونـارًا ذلـكَ الحَجَـرُ |
لا تَسْـتَـقِـرُّ على حَـالٍ حَـبائِـلُـهـا | إِنْ أَمْهَـلَتْ أَمَـلًا في مَهْلِهـا النُّـذُرُ |
لَـوْ صَحَّ في هذهِ الدُّنـىا لنا نَـسَــبٌ | في الرَّاحِلِيْنَ، لَـما جِـئْـنا وما عَبـَـرُوا |
نَحْنُ بَنُوْ التُّرْبِ، لا أَسـبابَ نَـجْمَعُها | في راحَـتَيـْنا، سِوَى الأَوهامِ نَـدَّخِـرُ |
نَحْنُ بَنُوْ الـمَوْتِ، لا أَسفارَ تَـجْمَعُنا | في رِحْلَتـَيـْها، سِوَى التَّاريخِ يُسْتَطَـرُ |
**** * *
إِنَّ الحـيـاةَ كَـرُؤْيَـا حالِـمٍِ خَطَــرَتْ | تَستيقـظُ الـرُّوحُ مِنْها حِـيْنَ تَنْحَسِـرُ |
يَـجْـرِيْ، مِعَـنًّا مِفَـنًّا، لا خِطَامَ لَـهُ | يَهـْذِي بِأَنـْجُمِها العُـلْـيَا ويَـنْـبَـهِـرُ |
بَـيْـنَـا يُـؤَمِّـلُ فـي الآتِـيْ ويَـرْقُـبُـهُ | يَمْضـِيْ ويَـتْـرُكُـهُ لِلنَّاسِ تَـعْـتَـصِـرُ |
ليس الفَقِـيْدُ فَقِيْدَ الـمَوْتِ مُضْطَجِعًا | إِنَّ الفَـقِـيْدَ فَـقِـيْدُ الحُـزْنِ يَـنْصَهِـرُ |
ونَحْنُ إذْ نَنْـدُبُ الـمَوْتَـى ونَذْكُـرُهُمْ | فـإِنَّمـا فَـقْـدَنـا نَـبْـكِـيْ ونَـدَّكِــرُ |
فاكْتُبْ نَهـارَكَ مِنْ أَنـْفاسِ بَـارِحـَـةٍ | وارْكَبْ مَعَ اللَّيْلِ نَجْمًا سَوْفَ يَنْكَدِرُ! |
**** * *
مُهْـرِيْ تَطِـيْـرُ بِوَجْـهِ الشَّمْسِ غُـرَّتُـهُ | يُوَجِّـهُ الرِّيْـحَ أَنـَّى شَـاءَتِ الفِكَـرُ |
والمُهْرَةُ / الشَّهْقَةُ الصَّهْباءُ، تَعْـزِفُـهُ، | ولا عِنَـانَ ، سِوَى ما أَمْـلَتِ البُكَـرُ |
الرِّيْـحُ نَــاءَتْ بِـأَضواءٍ تُـوَزِّعُـهـا، | مَعْزُوْفَـتَيْ عُـمُرٍ، يَعلُوْ ، فَـيَـنْـكَسِـرُ |
إذْ يُـزْهِـرُ الفَـرَحُ المَـخْـبُـوْءُ في دَمِـهِ | وجَـمْـرَةُ السَّاعَـةِ الشَّقْراءِ تَـنْـهَمِـرُ |
يَهْــوِيْ على رَفَّــةِ الأَوتَـارِ بُـلْـبُـلُـهُ | وتَسْـتَـمِـرُّ بِـناعِـيْ حَـيِّـهِ الـمِـرَرُ |
يَهْمِـيْ قَنادِيْلَ في عَيْنَيـْكِ ، كاهِـنَـتِيْ، | مِنْ شُرْفَةِ الأَنـْجُمِ الخَرْسَاءِ تَنْحَـدِرُ |
يَـذْوِيْ ويُزْهِـرُ والأَشجـارُ حُجَّـتُـهُ | مَن لِـيْ بِحُجَّـتِـهِ العَذراءِ تَعْـتَذِرُ؟! |
**** * *
يـا بِـنْتَ شَمْسِ زَمَـانٍ لا أَرَاهُ بِهــا | شَـذَا الدِّنَـانِ يُنَادِي : ها هُوَ السَّحَـرُ |
آنَ الرَّحِيْلُ بِنا، استَيْـقِظْ، فِداكَ فَـمِـيْ | هذا القِطَـارُ بِقَـلْـبِيْ ما لَـهُ عُـمُـرُ |
مِنْ جُلَّـنَـارِ شِفاهِـيْ، الشَّهْدَ تَرْشُفُـهُ | كُلُّ العَصافيرِ، وافَتْ رِيْشُها العُصُـرُ |
انْهَضْ بِيَ، ابْنَ أَبِـيْ، وارفَعْ لِواءَ دَمِيْ | قد آنَ أَنْ تَشْتَـفِـيْ مِنْ ثَأْرِكَ الدُّهُـرُ! |
**** * *
يَـنْمَـاثُ قَلْبِيْ على أَثـْـبَـاجِ هاتِـفِـها | في ذاتِ وَجْدٍ بِغُصْنِ الرُّوْحِ يَشْتَجِـرُ |
بِـيْ زَهْـرَةٌ لم تُجـَاوِزْ عُمْـرَ لَـيْـلَـتـِهـا، | رَيَّـا بِعُمْـرُ اللَّـيَالِـيْ ، والدُّنَى زَهَـرُ |
أَيا حَـبِـيْـبَـةَ شِعْـرِيْ ، شَـفَّهـا ظَمَـأٌ | مِنْكِ عُـرُوْقُ سَمَائِـيْ ، والمَدَى مَطَـرُ |
القَحْـطُ يَـشْرَبُ مِنِّيْ كَـفَّ بَـارِقَـتِيْ | كَـأنَّ قَـفْـرَ دَمِـيْ دَيْـمُوْمَـةٌ شَـرَرُ! |
ويا غَـزالَـةَ مِـحرابِـيْ الجَـدِيْـدِ ، أنا | فـي ذِمَّـةِ اللُّغَـةِ الإِشْـراقِ أَنـْـتَـظِـرُ |
صَلِّيْ بِأَمْسِيْ لِيَوْمِيْ، شَطْرَ وَجْهِ غَدِيْ، | أَنـْـتِ الإِمَـامُ الذي تَأْتـَمُّـهُ السُّـوَرُ! |
**** * *
يُـحَلِّـقُ الشَّـوْقُ ، حَتَّى لا سَـماءَ لَـهُ | مِنَ السَّماءِ، وما في الأَرْضِ مُـنْـهَمَرُ |
فإِنَّ حَـرْفَـكِ مِـنِّيْ سَـرْمَـدٌ أَزَلٌ | وحَرْفَ غَيْرِكِ مِنـِّيْ النَّـأَيُ والحَـذَرُ |
وأَنـْتِ أَوْطَـفُ أَنـْوائِـيْ وأَنـْوأُهـا | مِنْكِ ابْتِدائِيْ .. وفِيْكِ يَنْـتـَهِي الخَبَرُ |
لا أَسْكُبُ الشِّـعْـرَ إِلَّا كُنْتِ جَذْوَتَـهُ | أو أَكْتُبُ النَّـثْرَ إلَّا ثَغْـرُكِ الدُّرَرُ |
سُبْحَـانَ مَنْ سَـيَّـرَ الأَفْـلاكَ في شَفَـةٍ | حَتَّى تَعَـانَـقَ فيهـا الشَّمْسُ والقَمَرُ |
أَرْيٌ وصَـابٌ هُما مِنْ ثَغْـرِ صاحِـبَـتي | لا سَيْـفَ بَيْنَهما ، لَوْ يَصْدُقُ النَّـظَـرُ |
قالُـوا مُراهَقَةٌ ما قُلْـتَ! قُـلْتُ لَـهُمْ: | مَنْ ماتَ بِالعِشْقِ حَيٌّ، والهَوَى قَـدَرُ |
سَافِـرْ بِـبَدْرِكَ فـي أَشْـهَـى مَغارِبِـهـا | إِنْ لَم يَكُن لَكَ في إِشْراقِها سَفَـرُ! |
**** * *
قِفْ بالـمَسِيْحِ، حَمامًا يَنْهَمِيْ عَـبَـقـًا، | لَمْ يُمْـهِلُـوْهُ يُـرَوَّى خَفْـقُـهُ العَطِـرُ |
غُصْنُ الشَّبَابِ تَدَلَّى- هكذا زَعَمُوا- | على الـنَّهــارِ ، ودَالَ القاتِـلُ الأَشِـرُ |
ثَـلاثـةٌ وثَلاثـونَ ارْتَـوَتْ عَـطَـشًا | يا وَيْلَ هذا الضَّمِـيْرِ الذِّئبِ كَمْ يَزِرُ! |
يا أُمـَّـنا، مَـرْيَمَ العَـذراءَ ، مَعْـذِرَةً: | لَوْ عاشَ قُربانُنا، ما هُـنِّـئَتْ سَقَــرُ! |
**** * *
وقِفْ بِطَـهَ ، سَمَـاءً مِـنْ غَمـائِمِـهِ | للنَّـاسِ وارفَــةُ الأَهـدابِ تَـبْـتَـدِرُ |
كَمْ حَارَبُوْهُ، وأَلْـقَـوا فـي سَحـائِـبِـهِ | مِنْ آسِنِ الجَهْلِ بِئْـرًا صَفْوُها الكَدَرُ |
ذاكَ اليَـتِيْمُ الذي أَلْـقَـى بِعَرْصَـتِـهِـمْ | رِيْشَ الطَّواوِيْسِ تَتْرَى، فارْعَوَى الفَخَرُ |
ومَـرَّغَ العِـزَّةَ القَـعْـسَـاءَ صاغِـرَةً | واسْتَلَّ صَارَمَ «لا» في وَجْهِ مَنْ كَفَرُوا |
تَـألَّـبُـوا زُمَـرًا مِـنْ كُـلِّ دَاجِـيَــةٍ | دُونَ الصَّبَاحِ .. ألا يـا بِئْسَتِ الزُّمَـرُ |
كَمْ مَـخْرَقُوا، وبَغَوْا ، والنَّاسُ سَابِلَةٌ، | مَنْ قالَ «لا» ، أَنـَفًا، أَهْوَتْ بِهِ الحُفَرُ |
حتَّى أَتاهـا الفَتَى الصَّمْصَامُ ، نَاجِـذُهُ | لا يَقْتَرِيْ الخَسْفَ، لَوْ في حَلْقِهِ البَشَرُ |
لكنَّ «ظُلْمَ ذَوِيْ القُرْبَـى» أَعَـقُّ دَمـًا | والظُّـلْمُ في شِرْعَةِ الأَعْـرَابِ مُشْتَهِـرُ |
**** * *
واليَوْمَ ، كُلُّ ابْنِ نَغْـلِ الأُمِّ مُنْـخَـرِقٍ | يَحْثُـوْ الرَّغامَ بِجَـفْـنَـيْـهِ ويَـنْـشَطِـرُ |
فَمِـلَّـةُ الغُـلْـفِ مَـاضٍ مـا لَـهُ أَبـَـدٌ | ومُـذْ أَبِـيْ جَهْلِها واللَّـيْل يَـنْـثَـجِرُ! |
ما كانَ في ذا الوَرَى قَـطُّ، ولَنْ يَجِـدُوا | مِثْلَ الذي- شَرَفًا- أُوْلُوْهُ أو أُمِرُوا |
دارُوا بِهِ، فَلْـتَـةً، شَوْطَيْنِ، فاشْتَجَـرُوا | ثُمَّ اعْـتَلَوا صَهْوَةَ البَالِـيْ ومَنْ غَبَرُوا |
عَدُّوا «النُّجُوْمَ»،إلى أَنْ صاحَ عارِفُهُمْ: | «صَلُّـوا لِعَنْـتَرَةَ العَبْسِيِّ واعْتَمِرُوا!» |
...تَـبَّتْ يدا العُجْمِ طُـرًّا في تَـآمُرِهِمْ: | «كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَـمَّا عافَتِ البَـقَـرُ»! |
**** * *
مـاذا يَقـولُ الذي أَنـَّى أَدارَ فَــمًـا | ذَاقَ المَرارَ ، وأَدْمَتْ طَرْفَهُ الغِـيَـرُ؟! |
مـاذا يَقـولُ الذي فـي كُـلِّ جارِحَـةٍ | نَصْلٌ يَـرُوْحُ بِجَنْـبَـيْـهِ ويَـبْـتَكِـرُ؟! |
إذا اسْـتَـفَـاقَ رَأَى أَبـْنـَاءَهُ سَـلَــبًا | وإذْ يَـنَـامُ يَـرَى الآبـَاءَ تُـحْـتَـضَـرُ |
فـي كُـلِّ وَجْهٍ لَـهُ وَجْـهٌ يُـطَـالِعُـهُ: | أَمْسٌ ضَرِيْـرٌ، وشَمْسٌ ما لَها بَصَـرُ! |
**** * *
غَـنَّـيْتُ، عَيْنِـيْ طُيـُـوْرٌ لا جَـناحَ لَها، | كَيْ أَبْعَثَ الطَّيْرَ مِنْ صَوْتِيْ فَـتَـنْـتَشِرُ |
والطَّيْرُ مِنْ أَبْكَمٍ ، لا مَـاءَ فـي فَمِـهِ، | ومِـنْ أَصَمِّ الفُـؤادِ لـيس يَـزْدَجِـرُ |
تلكَ السَّنابِلُ كَسْلَـى، والنَّـشِيْدُ غَـفَا، | كأسُ النَّبيذِ انْطَفَى ، واسْتَنْوَقَ القَمَرُ! |
**** * *
يا عِطْـرَ قِيثارَتِـيْ، عَفْوًا ، فلستُ أَرَى | هذا المَقَــامَ يُدَاوِيْ نَـبْضَ مَنْ قُـبِرُوا |
قالـتْ : سَـيَأْتِـيْ زَمـانٌ آخَـرٌ وفَـمٌ | يَـصُـوْغُ شَـدْوَكَ فِيْـهِ فِـتْيـَـةٌ أُخَــرُ |
لا يَـبْـتَـنِيْ الشِّعْـرُ مِنْ أَحلامِهِ فَلَكـًـا | إنْ لَـمْ يَـدُرْ بِشِـبَاكِ العُمْرِ يَنْـتَظِـرُ! |