طيور بيضاء صغيرة
بقلم: ناتاشا أيّاز
ذات مساء في يوليو. منذ سنوات، في حديقة الورود، يداه على فستان امرأة.
لن أنسى أبدًا كيف بدتا - يدا عازف بيانو، يدان تسكبان الكحول على جروحي كما لو كان ماء مقدسًا - عالقة هناك في لحظة الخيانة. تمنيت أن يسقط رأس المرأة بمهارة من عنقها إلى العشب. ليكون بمثابة كأس فوز لمعاناتي. وقفت خلف شجيرة الورد وراء الجدار الحجري في سانتينو، أشهد تقطيع أوصال طفولتي. كانت الورود وردية، وليست حمراء. لون أنف هر صغير، أو صدر دجاج بارد. كان جسد المرأة يخترق القيود حتى تجعّد الحرير، وأصبح لونه أصفر مثل شراب "الليمونسيلو". على الرغم من غضبي الطفولي، اقتربت أكثر، والشوك يضغط على أصابعي، وقلبي يذوب في فخذيّ. وعندما بدأ والدي يرفع الفستان الأصفر ببطء، التفتُ وركضتُ على الطريق المؤدي إلى منزلنا.
حدث ذلك مرتين قبل ذلك: كنت شاهدًا. مرة في وقت مبكر من نفس الصيف، ومرة أخرى في الصيف الذي قبله. دائمًا في حديقة الورود، كان والدي يتتبع خصور نساء غريبات. في كل مرة، كنت أفكر في أمي: وهي تمسح يديها على تنورتها البرتقالية، رائحة الكزبرة تفوح منها، ضاحكة على جملة في إحدى الروايات الكبيرة التي كانت تقرأها. فكرت في كيفية لمس والدي لوجه أمي، أصابعه تتتبع خط فكها، وكأنها ترسم أراضي مألوفة. كان هناك شيء في تلك اللمسة مختلف عن تلك التي كانت بينه وبين النساء في الحديقة، رغم أنني لم أستطع تحديد ما هو.كنت صغيرة جدًا على فهم تعقيدات الامتلاك. كنت أفكر في كيف أن فم أمي سينحني إلى شكل "أو" مصابة، وكيف أنها قد لا تعود أبدًا لتحتفظ بذقني وتقول لي: "أنت تشبهين والدك كثيرًا"، ولم أستطع أن أخبرها عن الحديقة. كنت قلقة من أنها، مثل الطيور البيضاء التي كنت أجدها أحيانًا ملقاة على شرفتنا، تلك التي كانت أمي تسميها جنودها الصغار، ستموت. كنت أخشى أن وجهها، الذي كان أقرب إلى وجه الأخت منه إلى وجه الأم، سيذبل قبل عينيّ بعقود. في ذلك الوقت، فهمت، ربما من خلال إحدى الحكايات الخيالية قبل النوم، أن المعرفة يمكن أن تغير المظاهر. كنت أعرف أن العقل يمكن أن يؤثر على الجلد، وأن الحزن يظهر في الأعراض. بدأت أبحث عن دلائل لخداع والدي في جسده. طفح جلدي مستمر أو جفن عيون مترهل. أي عيب صغير كان سيكفي، لكنه بقي جميلًا كما كان دائمًا. من رأسه إلى أخمص قدميه، كان والدي كاملًا.
في آخر مرة رأيته فيها في الحديقة، سمعت خطواته تتبعني بينما كنت أركض على المسار. لدي نظرية أن الرجال يمشون بخطوات ثقيلة. لا يهتمون بإزعاج السكون لأن السكون لم يخطر لهم كأمر مهم. النساء، في نظريتي، يمشين بخطوات خفيفة، أصابع قدميهن تلامس الأرض. هذا التعميم مبني بالكامل على والديّ. عندما كبرت، بذلت جهدًا لأفكر في أمي كلما لامست قدماي الأرض. أصبحت خطواتي خفيفة كالثعلب في الغابة، احترامًا لأمي ودافعًا متآمرًا للانقضاض على والدي. كنت أتخيل نفسي الشرطة السرية لنظام أمي. في تلك الليلة الصيفية، فررت من المشهد حافية القدمين، حاملة حذائيّ، واحدًا في كل يد. أمسك بي والدي من ياقة قميصي عند قاعدة شجرة صنوبر حلبي ونظر في عينيّ، مشيرًا بإصبعه في وجهي.
– "لن تقولي لها شيئاً. أنتِ لا تعرفين ما رأيتِ."
أومأت برأسي. لم أخبره أنني قد أمسكته مرتين من قبل، وأنني قررت بمفردي ألا أخبر أمي، وأنني كنت آمل أن يتحول شعره الأسود إلى أسلاك ويسقط. جعلني أرتدي حذائي. مشينا إلى المنزل معًا. عند عتبة باب منزلنا، سحب زهرة وردية واحدة وقدّمها لأمي مع انحناءة. شمّت الزهرة، ابتسمت، ووضعَتها في كأسٍ أزرق على حافة النافذة. في منتصف الليل، تركت السرير لأرمي الورد عبر النافذة ثم أغلقها بإحكام. وعندما جاء الصباح، كان هناك طائر، جسمه كقطرة حليب، ميتًا خارج الزجاج مثل نذير شؤم.
لم أخبر أمي بما كنت أعرفه. عندما حزم والدي حقائبه بعد عام ليعيش في بلد آخر مع ذات "فستان الأصفر"، ليختفي عنّا للأبد، أخذتني أمي من ذقني. وقالت:
– "لم نفقد شيئًا"
في الأسبوع الماضي، بعد خمسة عشر عامًا من رحيل والدي، تلقيت نبأ العثور عليه ميتًا في حمام أحد الشاليهات في جبال الألب. كان ذلك بسبب اعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد. قضيت اليوم في تنظيف شقتي وتنظيف يدي.في كل غرفة، أغلقْتُ النوافذ لكي أخفف من الرائحة المفاجئة للورد، التي كانت تصر على البقاء عبر الزمن مثل الحقيقة.
(تمت)
الكاتبة : ناتاشا أياز/ Natasha Ayaz كاتبة باكستانية-أمريكية، فازت بمسابقة Narrative للقصة الربيعية لعام 2023، خريجة كلية بارد، حيث تخصصت في الفنون الكتابية. حصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة كورنيل، حيث تدرس الكتابة الإبداعية.