صراع أم تجاذب..!!؟
الانسان من حيث التكوين والخلق مبنيا وفق امكانات تحددها مجموعة من السلطات او المحركات ، هذه الاخيرة تكاد تخرج عن سياق إرادته الفردية لترتبط بالارادة الجمعية التي تؤلف وعي البشر وتحيط جميع تصوراتهم ، ومن ثم تتحدد هناك الاطر والانظمة التي تحكم هذا السلوك او ذاك حسب طبيعة المجتمع وما يحمل من تراكمات واحداث تاريخية ومعرفية وامكانات راسخة الجذور سواء تلك المؤصل فيها وعي العنف وجميع ترددات الذات البشرية التي لاتعرف التسامح مع الذوات الاخرى او تلك التي تنتمي الى وعي الحرية والتمدن والايمان بالانسان كقيمة عليا سامية ، فالثقافة من حيث تركزها لدى الانسان تؤدي الفعل الحضاري الذي يعمل على عدم تشظ الانسان الى بؤر ومراكز تحد من سيطرته على مجمل مايحيطه من افعال واحداث وامكانات تقوده الى مجموعة من الاشكال والصور المختلفة والمتناقضة فيما بينها ، وهكذا وفقا لرسوخ الثقافي داخل المجتمع وقدرته على تأسيس الشروط التي تساعد على تأصيل الحضارة والفهم الانساني الافضل القائم على الحوار واللقاء والتكامل مع المختلف أكثر من تأسيس قابليات للرفض والاقصاء ، ومن ثم ممارسة التطرف والعنف إزاء الافراد عموما.
وسأنطلق من هنا؛ للتماهي في وضع الثقافة الوطنية الفلسطينية الراهنة؛ التي تحملنا بعطاء المثقف الوطني الفلسطيني وريادته إلى فضاءات عربية وعالمية جديدة. فالثقافة الوطنية ومبدعيها على مر الاجيال قديمها ووسيطها وجديدها، حملت، وحملوا جميعا راية الدفاع عن الهوية والشخصية الوطنية، وحموها بسياج ابداعاتهم، واغنوها يوما تلو الآخر بعطاءاتهم ونتاجاتهم. كما كانت الثقافة الوطنية وروادها على مر سني التاريخ المعاصر منذ ما قبل نكبة العام 1948 واثناءها وما تلاها الحصن الحصين، الذي ذاد عن الشعب والارض والقضية والهوية الوطنية. لان المشروع الكولونيالي الصهيوني شاء، ومازال يسعى القائمون عليه لتبديد وتصفية القضية الوطنية، والغاء الحقوق السياسية للشعب العربي الفلسطيني، بهدف إسقاطه من الخارطة الجيوبوليتكية في المنطقة. لكن الثقافة الوطنية كانت، ومازالت بالمرصاد لكل طغاة العصر والاعداء من مختلف بقاع الارض، وخاصة دولة الابرتهايد العنصرية الاسرائيلية وحماتها في الغرب الرأسمالي عموما والاميركي خصوصا.
فروح وحاجة الثقافة الوطنية الفلسطينية؛ تظل عطاء متواصل، وفعل دائم، وانتاج متجدد على مدار الساعة غير منقطع. وبالتالي يكون المطلوب من القائمين على المؤسسات الثقافية أكانت رسمية أو أهلية؛ إعادة نظر جدية في آليات التعامل مع المثقفين والثقافة الوطنية. لا سيما وان عملية الخلق والابداع للمثقفين والفنانين والمبدعين من مختلف المشارب والوان الطيف الثقافي والفني والمعرفي، هي عملية متواصلة مستمرة لا تنقطع بغياب أحد أو انقطاع أحد عن الإنتاج الثقافي المعرفي. فكل إنتاج ثقافي داخل فلسطين التاريخية وفي الشتات يشكل منارة مضيئة لكل الفلسطينيين.
الثقافة الوطنية والقائمون عليها، عليهم مسؤولية الارتقاء بدور الثقافة والمثقف، وتعميق عملية التأصيل لها في المجتمع الفلسطيني، لمواجهة التحديات المطروحة على الشعب الفلسطيني، وخاصة التصدي للإحتلال الذي يمثل أُس كل الجرائم والظلم التاريخي الذي طال الشعب العربي الفلسطيني، ومازال يرتكب ابشع الانتهاكات واعمال البطش وارهاب الدولة المنظم، وهو المنتج، والداعم لعملية التمزيق والانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني، بهدف تصفية القضية الفلسطينية. وتعتبر الثقافة الوطنية هي الجامع لكل الفعل الثقافي والفني والمعرفي ومطالبة ومعنية بالتصدي بقوة للإحتلال ، من خلال اعادة الاعتبار لوحدة الارض والشعب والقضية والنظام السياسي الديمقراطي التعددي، لدفع الاهداف الوطنية خطوة نوعية للامام. لاسيما وان الشعب الفلسطيني امام استحقاقات سياسية هامة، ما يضاعف من مسؤولية المثقفين والفنانين وعموم المبدعين الفلسطينيين في الوطن والشتات لدعم القضية الفلسطينية.
ولتقوم الثقافة الوطنية وروادها بالدور المناط بهم؛ كما يقع على القائمين على الثقافة الوطنية الفلسطينية، تقديم الدعم غير المحدود للثقافة، والكف عن سياسة قطع اليد. تلك السياسة الخاطئة والخطيرة وغير المتبصرة، والتي أدت وما زالت تؤدي الى طغيان ثقافة الظلام المعادية للثقافة والمعرفة والمعادية قبل كل شيء لقضية الشعب الفلسطيني العادلة، وساهمت من حيث يدري القائمون عليها او لم يدروا بالوصول إلى نتائج وخيمة مست بالمشروع الوطني.الفلسطيني
إلى من لا يعرف او يعلم فإن دعم الثقافة الوطنية الفلسطينية، وتعزيز دورها التنويري شكل، ويشكل محور الرحى في النهوض بالمجتمع والشعب الفلسطيني في مجالات الحياة المختلفة، بدءا من مجابهة الانقسام وصولا الى وأد الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الاهداف الوطنية في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، وما بينهما من اهداف اجتماعية واقتصادية وقيمية، يقف على رأسها محاربة الفساد واللصوصية وكل عمليات القهر والاستغلال الاجتماعي والثقافي والوظيفي.