سياستنا اللغوية!
ليعذرني الشوقيون –نسبة إلى أمير الشعراء شوقي- فأنا حافظي الهوى نسبة إلى الشاعر الفحل حافظ إبراهيم ، فلكم أطربتني قصائده ومنها قصيدته الشهيرة التي درسناها عن اللغة العربية ، فلقد أبدع وأجاد حين صور العربية في صورة امرأة محبطة مقهورة ، أتهمها قومها -ظلما و بهتانا- بالعقم وهي في عز شبابها ، فلما أثبتت لهم أنها ولود ودود ،ونثرت ما في بطنها فإذا هن عرائس جميلات ، بحثت لهن عن أزواج أكفاء فلم تجد من يستحق بناتها الجميلات ، فقررت وأدهن! متخلية بذلك عن مشاعر الأمومة ، وهو ما يصور حالة اليأس التي انتابتها نتيجة لعقوق أبنائها، ثم قررت أن ترفع شكواها لأجدادها ، فتجاهلت الأحياء ممن حولها ظنا منها بأنهم يتآمرون عليها ، فاختارت أن تخاطب آبائها من الأموات في جزيرة العرب ، ولنستمع لها وهي تشكو حالها قائلة:
سَقَى اللهُ في بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمَاً
يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتي
، فلهولاء حديثي اليوم حول الذمة التي في أعناقهم للعربية ، وهذا قدرهم في جزيرة العرب المباركة ! ، رضوا أم أبوا! .لم تنل قضية حقها من النقاش كم نالت قضية تعريب العلوم عامة والطب خاصة ، ولم يتوفر لكسب قضية من حيثيات كما توفر لقضية تعريب الطب ومع ذلك فلا زالت تراوح مكانها! لأسباب يعلمها الله! ، فلقد توافرت في قضية التعريب الأبعاد الكفيلة بإنجاحها ، توافرت لها كل عوامل النجاح وحيثياته ، فدين الأمة يدعو لتبنيها، وتاريخها مرتبط بها ، وإرثها الثقافي وهويتها الحضارية لا تنفك عنها ، بل إن السياسة مرتبطة بها ، فلماذا تتعرض العربية لكل هذا الجحود والنكران؟!.
ولنبدأ بالبعد الديني الذي يؤكد على مشروعية المحافظة على العربية والمناداة بالتعريب ، فالعربية هي لغة القرآن ، الكتاب السماوي الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو دستور المسلمين المحفوظ الذي رضيه ربهم لهم وأتم به النعمة عليهم ، وكفى بذلك فخراً، وهي اللغة التي أختارها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين)) ، وهي لغة الأمMother tongue لأكثر من مليار من المسلمين –من غير الناطقين بها- فضلا عن العرب ((النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)) ، بل إنهم يعتقدون بأنها لغة أهل الجنة ، فأين المهرب من الإقرار بفضلها على سائر اللغات؟! ، وهل يشك أحد في أنها خالدة مخلدة إلى قيام الساعة؟!.
وقبل أن أكمل ولعلمي بأن تهم الظلامية والرجعية والانغلاق في زمن العولمة والانفتاح جاهزة للانطلاق ، فلعلي أؤكد على قناعتي التام بأهمية تعلم أكبر قدر ممكن من لغات العالم الحية وبالذات لغات الدول المنتجة ، سواء أكانت غربية كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية ، أو شرقية كالصينية واليابانية وغيرها ، و لا أرى أن نقتصر على الانجليزية فقط على أولويتها وأهميتها ، إذا فلا تعارض بين التعليم بالعربية وبين تعلم لغات أخرى تعين على الإطلاع والانفتاح على حضارات العالم القديم والحديث ، وهو ما فعله العلماء المسلمون في صدر الدولة الإسلامية حيث عمدوا إلى ترجمة كتب الفلسفة والطب ، واحتفوا بكتب من سبقهم بصرف النظر عن معتقده ، فلم يقوموا بحرقها أو رميها كما فعل غيرهم ، إلا أن الأمر توقف عند هذا الحد ، فلم يتلثغوا بلغات الرومان والفرس و اليونان في مجالسهم ولم يكن ذلك على حساب العربية ، أي هو عكس ما نفعله نحن اليوم! .
لم يكن هذا الفهم لدى الخلفاء والعلماء المسلمين في صدر الإسلام حكرا عليهم بل هو عين ما تفعله كل الأمم التي تحترم تاريخها وحضارتها ، وتعتز بهويتها كما رسمتها هي لنفسها لا كما يريد لها الآخرون ، فلا يمكن لأمة عزيزة تحترم نفسها أن تقدم نفسها لأمم الأرض إلا إن كانت ذات هوية ثقافية أصيلة تميزها عن غيرها ، ويأتي في مقدمة ذلك اللغة ، ومن هنا فإن الأمم والدول تختط لنفسها من السياسات ما يحقق لها سيادتها ويبرز هويتها المستقلة ، فهناك سياسات للدول في مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد والتعليم ، لا بد أن تكتمل بسياسة لغوية ، فتسعى الدول جاهدة إلى اعتماد لغتها كلغة عالمية في المؤتمرات والمحافل والمنظمات الدولية –يتحدث بعض أخواننا وأخواتنا بالانجليزية في منتديات اقتصادية وفكرية لإبهار نفر من الحاضرين وكان الحديث بالانجليزية معجزة حضارية!-، بل إن الكنديين في مقاطعتي مونتريال وكوبيك يصرون على التحدث بالفرنسية على الرغم من أن معظم مقاطعات الديار! الكندية تتحدث الإنجليزية ، وفي ظني بأن بعض مقاومي التعريب في بلاد العرب سيرمون هؤلاء المصرين على استخدام الفرنسية في كرة أرضية يتحدث ربع سكانها بالانجليزية بالعنترية وبإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء في قرن العولمة!، لجهلهم المركب بأهمية اللغة.
لقد أدرك الساسة أهمية اللغة وأثرها على تشكيل هوية الأمة ، فهذا داهية فرنسا الرئيس فرانسوا ميتران –وهو من أشد الرؤساء إيمانا بالفرنسة!- يحث الأمة الفرنسية على التمسك بثقافتها ولغتها الفرنسية في زمن مد الإنجليزية قائلاً:" لن يحترم أحد ولن يستمع إلى أمة تتكلم عن ثقافتها وتقدم نفسها للعالم بغير لغتها" ،ثم أنظر إلى ماوتسي تونج وهو يوحد أمته الصينية فيعتمد لغة بكين كلغة رسمية لأمة يقارب عدد سكانها ربع سكان العالم؟! ، وهذا الزعيم الفيتنامي هوشيه منه يأمر أساتذة الجامعات ومسوؤلي التعليم ..بفتنمة... شاملة للتعليم وإلغاء لغة المستعمر الفرنسي الذي أستعمر فيتنام 80 عاما ، فيتردد الأكاديميون-كعادتهم!- في القيام بالمهمة فيأمرهم الرئيس بالقيام بواجبهم الوطني ويشحذ هممهم ، فيعكف الجميع على ترجمة المصطلحات العلمية من الفرنسية إلى الفيتنامية ، فتكون النتيجة ترجمة مليوني مصطلح علمي خلال عامين ، ولا عزاء للكسالى والمتقاعسين! ، ثم لنتأمل في تجربة دولة مجاورة وهي السودان التي صدر فيها القرار السياسي في عام 1990 باستخدام اللغة العربية في تدريس المواد العلمية في الجامعات والمعاهد السودانية ، وتم إنشاء هيئة عليا للتعريب فيها، فتميزت التجربة بالنجاح التام طبقا لتقرير عام 2002م ، بل تفوق خريجي الجامعات التي اعتمدت التعريب ، فكان القرار السياسي هو الشرارة لكل تلك التحولات آنفة الذكر .
ورفعا للحرج في عصر النظام الدولي فلا بأس من التذكير بأن منظمة اليونسكو قد أكدت على أهمية تدريس العلوم باللغات الوطنية في كافة الدول التابعة للمنظمة الدولية ، بل إن أحد منظماتها (منظمة الصحة العالمية) قد خصصت ميزانية لتعريب الوثائق الصحية في دول شرق المتوسط ، وتبنى تلك التوصيات مجالس وزراء الصحة العرب ، وساهمت مؤسسات عربية كثيرة بجهد مقدر مشكور منها مؤسسة الفكر العربي برئاسة سمو الأمير خالد الفيصل ، وقمت مؤسسات أخر جوائز للمشتغلين بالعربية وعلومها ، ومع ذلك فإن هناك فجوة بين حساب الحقل والبيدر!.
إن هناك مؤشرات واضحة على انحسار العربية واجتياح الانجليزية أو- قل سونامي تغريب العلوم- مما يشكل خطرا على هوية بلادنا ، فبلادنا هي موئل الإسلام وعرين العروبة ، أهلها عرب أقحاح ، وقادتها وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عروبيون حتى النخاع ، لا يترددون في التذكير بالهوية الإسلامية العربية لبلادنا ، ولا يألون جهدا في دعم لغة القرآن والأجداد ، فيقدمون الجوائز للباحثين فيها من مؤسسات وأفراد ، ويسنون الأنظمة بوجوب استخدام العربية في المخاطبات الرسمية ودور التعليم ، بل وحتى في تسمية المواليد والمحال التجارية ، ومع ذلك فإن المشكلة تكمن في تطبيق متراخ وضعيف!.
إن ما نلحظه اليوم من مظاهر ضعف مستوى تعليم العربية في المدارس والزهد الشديد في تعلمها من قبل الناشئة مؤشر خطير له أبعاده ، يقابل ذلك توجه نخبوي للتعلم باللغات الأجنبية مما يفوت على بقية أفراد المجتمع حقهم المشروع في تكافؤ الفرص في التعلم والتعيين في الوظائف المرموقة ، بل أن العجيب أن هناك جامعات ومعاهد في بلادنا- خاصة وحكومية- قد أعلنت بأنها تتجه لتعليم مناهجها- التي كانت تدرس بالعربية- بالانجليزية ، وأنها لن تسمح بتعيين أعضاء في هيئة التدريس إن لم يكونوا من خريجي جامعات غربية أو يتحدثون الانجليزية-بطلاقة زعموا!- . إن ما يحدث من رفض بعض الجهات لشهادات جامعية عليا صادرة من جامعاتنا هو أمر يندى له الجبين ، ولا يحدث على حد علمي إلا في البلدان التي تحس بالنقص والدونية ، فإن كنا لا نعترف بشهاداتنا فلم لا نغلق الجهات المانحة أو نعرضها للتقبيل! ، بدلا من إضاعة المال والوقت والجهد؟!.
أما إن تحدثنا عن شوارع مدننا الكبرى ، فحالنا معها كما قال القائل :
ملاعب جنة لو سار فيها
سليمان لسار بترجمان
فكل لغات أوروبا موجودة على لوحات المحلات والمخازن التجارية ،و لو كتب لسيبويه أن يقوم من قبره لمات كمدا من ساعته وهو يقرأ كلمات"يللا" و "خليك" و"مزمزها" و"نبيبسي"و..،ويسمع أحفاده يرددون "أيزيي" و"واوو" ، مهازل لا بد أن تتوقف حفاظا على هويتنا واحتراما لإرثنا التاريخي ، إننا في هذه البلاد ورثة العربية بل إننا العصبة من الورثة –بتعريف علم الفرائض- ، نحتاج إلى وضع سياسة لغوية عليا تساعد أجيالنا على التخطيط لمستقبلهم ، وقد يكون من آلياتها إنشاء هيئة وطنية عليا للترجمة والتعريب ، وتأخذ بأيدي شبابنا بعيدا عن مهاوي الدونية وأعراض الشعور بالنقص والاستلاب ، وأكمل في المقال القادم بحديث عن تعريب الطب .
مشاركة منتدى
28 كانون الأول (ديسمبر) 2009, 10:02, بقلم دكتور سمير
بسم الله الرجمن لرحيم أما بعد السلام عليكم ورحمة الله
أبدء كلمي بهده الخاطرة
في غابة صغيرة بعيدة عن ضجيج المدينة أجتمعت اللغات : العربية . الفرنسية. الإنجليزية
قالت الإنجليزية:
أنا أم العلوم بيا عاصرتم النجوم
عرف العالم بي النور وأنطفأ عصر الظلم
قالت الفرنسية:
أما أنا علمتكم التمدن والتحضر وقدمت لكم الحرية
بحملتي في مصر قرء الإنسان وتعلم سلوك الأكل والسير
قالت عربية:
أسكتن فططأن رئسهن من الخجل
فوثبة في ثقةوقالت:
أنا أم اللغات بل لغة الرحمن
حوريات يتكلمن بي وأسود الله تزر بي
هده أنا من لي