السبت ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم حسن بن علي الزهراني

الإفصاح عن هوية الكاتب حق للقراء!

درجت بعض الصحف العربية على نزع الألقاب العلمية عن كتابها وكاتباتها ، فيكتب اسم الكاتب مجردا من حرف " الدال" أو الألف و الدال" أو سواهما من الألقاب التي تسبق أسماء الكتاب في الكثير من صحفنا المحلية ، كما انتهجت نهجا خاصا بها في عدم نشر صورة الكاتب ، والاكتفاء بتذييل المقالة في الكثير من الأحايين بكلمات هلامية فضفاضة على شاكلة "كاتب سعودي" أو "باحث في ..." أو "مفكر..." أو "ناشط..." أو "خبير في..." ، أو دون أي تعريف كما يحدث في كتاب الزوايا والأعمدة .

فالقائمون على تحرير هذه الصحف يرون أن من مصلحة القراء – وأحيانا الكاتب والصحيفة- أن تكون العلاقة بينهم وبين كتابهم علاقة مجردة من الأمور الشخصية ، منعا لأي تحيز أو تأثر بشخصية الكاتب أو الكاتبة ، فيتركون للقراء النظر في محتوى المقالة بصرف النظر عن هوية الكاتب .
أعلم كغيري بأن هذا النهج عرف تنتهجه الكثير من كبريات الصحف العالمية ، وهو نهج سائغ لا غبار عليه! من الناحية المهنية الاحترافية ، إلا أنني –أظن- بأنه يشترط للأخذ به شروط قد لا يتوفر بعضها في حالتنا المحلية ، وفي نظري أن من أهمها كون كتبة تلك الصحف من الشخصيات المعروفة في بلدانها.

ولعلي أضرب مثلا في هذا الصدد بـ "توماس فريدمان" كاتب النيويورك تايمز ، فمعظم قراء تلك الصحيفة يعرف أين ولد فريدمان وأين نشأ ، ويعرف خلفيته الثقافية ومسيرته العلمية والعملية ، بل إن بإمكان من لا يعرف شيئا من سيرة أولئك الكتاب أن يتوجه إلى مواقعهم الإلكترونية الشخصية أو إلى مواقع تلك الصحف ليتعرف عن كثب على كل سيرهم الشخصية إضافة إلى نتف من حياتهم العائلية والشخصية ، وهو ما نفتقده في الكثير من صحفنا وللأسف الشديد ، بل إن البعض من الصحف يمعن في أخفاء شخصية الكاتب فلا يترك بريدا الكترونيا له ولا عنوانا للتواصل بينه وبين القراء ، فتصبح العلاقة بينه وبين القراء علاقة فوقية ومن جهة واحدة ، على شاكلة بعض خطباء الجمع الذين ينصرفون بعد أداء الصلاة من باب الأمام ويتوجهون مباشرة إلى سياراتهم تاركين المصلين لتفسير ما قالوا سلبا أو إيجابا ، ولا يراهم المصلون إلا في الجمعة القادمة ، وهي ظاهرة اجتماعية سلبية يمكن رصدها في كافة شرائح المجتمع ، ظاهرة تناقض إدعاء الكثير من المتصدرين لهموم ومشاكل الناس مع ممارستهم الفعلية ، فيطالبون المجتمع والجهات الرسمية بسماع صوتهم بينما يصرون على عدم الاكتراث بسماع آراء الناس فيهم وفيما يطرحونه ، فيقطعون قنوات التواصل بينهم وبين قراءهم.

وقبل أن يتسرع البعض في استنتاجات لا أقصدها ، فلا بأس أن أوضح قبل المضي قدما في مقالتي هذه وحتى لا يغضب مني أصحاب الفضل والمعرفة فأؤكد بأنني لا أتحدث عن مشاهير الكتاب وعلية المؤلفين والمفكرين ، فهولاء يدخلون تحت قول علي بن الجهم : وليس قولك من هذا بضائره ...// ...الُعرب تعرف من أنكرت والعجمُ! ، فهذه الفئة أكبر من أن تعرف وتوصف ، وهي موجودة بين ظهرانينا و لا أريد أن أسمي أحداً منهم في زماننا فأغضب مني آخرين ، إنها فئة النوابغ والرواد بصرف النظر عن أوعية كتاباتهم أو ما يمنحونه من حيز على صدور أو ظهور- أو حتى بطون الصحف بين الإعلانات على الصفحات الداخلية- ، إنها فئة ثاقبي الفكر واسعي الأفق التي قل وجودها في زمن أختلط فيه الحابل بالنابل ، إنهم فئة الكتاب الذين يعيشون ليكتبوا وليس العكس! ، وأزعم بأن هذه الفئة في طريقها إلى الانقراض لأسباب عمرية أو نفسية أو معنوية و أخلاقية ، وعليه فإن حديثي ينصب على البقية الباقية من مئات الألوف ممن يسودون صفحات الجرائد بكتاباتهم ، ولعلي أؤكد بأن ما سأذكره هاهنا إنما هو محاولة مني لبث خواطر جالت في ذهني وأنا أقرأ مؤخرا بعض الكتابات ، فرأيت أن أشرك فيها المعنيين من قراء و متابعين ، ومن كتبة ورؤساء تحرير.

سأبدأ بأسلوب الكتابة ، فلا زال البعض من الكتاب يعيش في زمن موغل في القدم فيعمد إلى استخدام تعابير ومفردات لا يعرف الجيل الحالي معانيها أو مراميها ، فهو يتحدث عن الريشة والدواة ، والمحبرة والقراطيس ، في زمن الفأرة و لوحة المفاتيح ، إنه بفعله هذا كاتب يكتب لنفسه وثلة من محبيه ، قد تنفع كتابته للإلقاء في ناد أدبي أو بين فئة عمرية معينة أو شريحة من أهل الاختصاص ، ولكنها لا تنفع مطلقا للنشر في صحيفة سيارة يقرأها عامة الناس.

لا بد أن نفرق بين التمكن من مفردات اللغة وحسن السبك لتلك المفردات وهي خصال مطلوبة في الكاتب وبين استخداماتها في زماننا الحالي ، فكلما كانت الكلمات متداولة ومستعملة وكان الأسلوب سلسا كلما سهل على القارئ العادي الاستفادة من النص ومتابعة المقالة حتى النهاية ، واللغة العربية ولله الحمد والمنة غنية في مفرداتها سهلة في قواعدها ، شريطة أن يعرف المستخدم لها كيفية الانتقاء من كلماتها وتعابيرها ، وعلى الرغم بأن بعضا من المفرطين في استخدام الكلمات الغريبة هم من أشد الناس محبة للغتهم الجميلة ، إلا أنهم يغفلون عن أن أسلوبهم هذا قد يكون سببا في تنفير الأجيال الشابة الحالية والقادمة منها ، وهو ما أخشاه! ، ولنا في اللغة الفرنسية وغيرها من اللغات التي قلت أعداد مستخدميها عبرة وعظة.
وقس على ذلك من يكتب المقالة بأسلوب البحث العلمي الجاف ، فتظهر المقالة باردة و لا طعم لها ، وكذلك بعضا ممن يزعم القدرة على التحليل السياسي من خلال ما يسمعه من محللي وخبراء القنوات الفضائية أو منتديات الانترنت ، و لأن الجريدة التي ينشر فيها تذيل مقالته ببعضا من الكلمات آنفة الذكر فإن المسكين قد يصدق الأمر فيعرف نفسه في المرة القادمة بالخبير السياسي!.

أما الفئة الأخرى من الكتاب فهي فئة لا تهتم باختيار الموضوعات ، فهي كقدامى لاعبي كرة القدم في بلادنا الذين انتهجوا نظرية " طقها و أركض ورائها" ، فكل المطلوب هو فكرة وكفى! ، قد تخصه- إن كان كاتبا من فئة الذكور- أو تخصها إن كانت كاتبة – شخصيا ، ثم يقوم بمطاردة تلك الفكرة حتى نهاية المقالة ، بل إن البعض ومن شدة تفاعله مع فكرته قد يفرد لها العديد من المقالات ، ولا مانع عندي من ذلك أحيانا لو كانت الفكرة عامة تهم الجميع أو كانت قضية مشتركة متشعبة الجوانب تحتاج من كاتبها إلى المزيد من الإيضاح ، فهذا التوسع حق مشترك للقارئ والكاتب لتتم الفائدة.

إنني أقصد هنا تحديدا بعض من يكتب لحل مشكلة شخصية ، فإن كانت له قضية في محكمة ولم يحكم القاضي بما يظنه الكاتب حقا ، دبج في القاضي بل وفي قطاع القضاة مقالة عصماء تهز الثقة في النظام القضائي برمته ، وإن وصل متأخرا للمطار فحرم من صعود الطائرة أو لم يسمح له بزيادة في وزن أمتعته ، توعد موظف تلك الخطوط للطيران بأنه سينقب في ماضي وحاضر تلك الشركة منذ التأسيس ، وإن لم يعين قريب –أو قريبة!- له في المكان اللائق به طبقا لما يراه فإنه يشرع قلمه للكتابة عن تلك الجهة ويقول فيها ما لم يقله مالك في الخمر ، بل الأغرب أن البعض يصحو صباحا فتعن له فكرة –تخصه هو شخصيا- فيصيح بأعلى صوته " وجدتها...وجدتها" ، فإن تعذر ذلك فإنه يعصر أفكاره ويقوم بعملية مسح لما مر به من أحداث أو مشاكل مؤخرا ،فهذا يتحدث عما حدث له في "الكوفي شوب الباريسي!" وأخرى عن "الكوفي الشوب الجداوي!" ، وثالث يتحدث عن حل مشاكل في مكة أو شرورة وهو يعيش في القاهرة أو هونولولو ، وأخريات يتحدثن عن المرأة ووضعها في العالم العربي وهن لا يعرفن شيئا عن المرأة في نفس المدينة أو الأحياء المجاورة لمنازلهن ، وينظر-من التنظير!- البعض لقطاع التعليم العام ولم يسبق له او لأحد ممن تحت ولايته أن درس أو عمل فيه ، وهكذا دواليك.

في ظني أن على الصحف أن تخصص جزاءا من مواقعها الالكترونية لنشر السير الذاتية لكتابها الدائمين لكي يتمكن القارئ من التعرف على ذلك الكاتب أو تلك الكاتبة مع وضع تذييل منضبط في نهاية المقالة يوضح خلفية الكاتب العلمية أو الحياتية ، أما كلمتي" كاتب -أو كاتبة- سعودي" فإنها لا تسمن القارئ ولا تغنيه من جوع ، وعلى الكتاب أن يقبلوا بالإفصاح عن سيرهم الذاتية لأن ذلك حق للقراء ، ألم يقل القائل "من ألف فقد أستهدف!".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى