الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم
حــــالة حصـــار
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،وما يفعل العاطلون عن العمل:نُرَبِّي الأملْ.بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَفي حلكة الأَقبية.هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً...سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنانماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحىبُرْتقاليَّةٌفي الليالي. وأَمَّا القلوبُفظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.هنا، لا أَناهنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...يقولُ على حافَّة الموت:لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي.سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي،وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُبين تذكُّرِ أَوَّلها.ونسيانِ آخرِها.هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت،لا وَقْتَ للوقت.نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:ننسي الأَلمْ.الألمْهُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيلصباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.لا صدىً هوميريٌّ لشيءٍ هنا.فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.لا صدىً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌيُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْتحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْيقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْبمنظار دبّابةٍ...نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَفقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.أَيها الواقفون على عتبات البيوت!اُخرجوا من صباحاتنا،نطمئنَّ إلى أَننابَشَرٌ مثلكُمْ!نَجِدُ الوقتَللتسليةْ:نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنافي جرائدِ أَمسِ الجريحِ،ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِأَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرالمواليد بُرْجِ الحصار.كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْوتعالَ غداً !أُفكِّر، من دون جدوى:بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَعلى قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ،وفي هذه اللحظة العابرةْ؟فتوجعنُي الخاطرةْوتنتعشُ الذاكرةْعندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ،بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماءبأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَالجوِّ واللَهْو. أَعلى وأَعلى تطيرُالحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَحقيقيّةٌ قال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتينالوميضُ، البصيرةُ، والبرقُقَيْدَ التَشَابُهِ...عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كانهذاهو الوحيُ...أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَمَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرهاإلي ناقدٍ: لا تُفسِّر كلاميبملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور!يحاصرني في المنام كلاميكلامي الذي لم أَقُلْهُ،ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا مناميشَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحميالسماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديدجنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـوالنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ فيشارعٍ واسعٍ كالكنيسةبعد صلاة الأَحد...نحبُّ الحياةَ غداًعندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياةكما هي، عاديّةً ماكرةْرماديّةأَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْوإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍفليكنخفيفاً على القلب والخاصرةْفلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُمن فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!قال لي كاتبٌ ساخرٌ:لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ،لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْإلي قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْوفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِالغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ منحكمة البندقيَّةْوغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْإلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً،إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ:قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار،فيكبر طفلاً معافي،ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَتارِيخَ آسيا القديمَ.وقد يقعان معاً في شِباك الغرام.وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ).ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً،والحفيدةُ صارت يتيمةْ؟فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْوكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟لم تكن هذه القافيةْضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْولا لاقتصاد الأَلمْإنها زائدةْكذبابٍ على المائدةْالضبابُ ظلامٌ، ظلامٌ كثيفُ البياضتقشِّرُهُ البرتقالةُ والمرأةُ الواعدة.الحصارُ هُوَ الانتظارهُوَ الانتظارُ على سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْوَحيدونَ، نحن وحيدون حتى الثُمالةِلولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْلنا اخوةٌ خلف هذا المدى.اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون.ثم يقولون في سرِّهم:ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ:لا تتركونا وحيدين، لاتتركونا.خسائرُنا: من شهيدين حتى ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ.وعَشْرَةُ جرحى.وعشرون بيتاً.وخمسون زيتونةً...بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذيسيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْفي الطريق المُضَاء بقنديل منفيأَرى خيمةً فيمهبِّ الجهاتْ:الجنوبُ عَصِيٌّ على الريح،والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ،والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام،وأَمَّا الشمال، الشمال البعيدفليس بجغرافيا أَو جِهَةْإنه مَجْمَعُ الآلهةْقالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبيفإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْإذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبيفكُنْ شجراًمُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَراوإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبيفكُنْ حجراًمُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَراوإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبيفكن قمراًفي منام الحبيبة، كُنْ قَمراهكذا قالت امرأةٌلابنها في جنازتهأيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوامن مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحناومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحناأَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا.ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون.ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ على كُلِّ شيء:علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط).ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد(ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام).ومختلفون علي واجبات النساء(ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ).مختلفون على النسبة المئوية، والعامّ والخاص،مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ...ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ.قال لي في الطريق إلى سجنه:عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْكهجاء الوطنْمِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّيكفيلتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْوتنظيف حَمأةِ هذا المكانعلى الروح أَن تترجَّلْوتمشي على قَدَمَيْهاالحريريّتينِإلى جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْنقديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديموكأسَ النبيذِ القديملنقطع هذا الطريق معاًثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ:أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَفتختار أَن تجلس القرفصاء على صخرة عاليةْإلى شاعرٍ: كُلَّما غابَ عنك الغيابْتورَّطت َفي عُزْلَة الآلهةْفكن ذاتَ موضوعك التائهةْو موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراًفي الغيابْيَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ:هاتفي لا يرنُّولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّفكيف تيقَّنتِ من أَننيلم أكن ههنا !يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ:في انتظارِكِ، لاأستطيعُ انتظارَكِ.لا أَستطيعُ قراءةَ دوستويفسكيولا الاستماعَ إلى أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما.في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار...إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ.في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ.يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُفتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْيقول: إلى أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟تقول: إلىبُؤرة الضوءِ في داخليوتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْسيمتدُّ هذا الحصار إلى أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر،أَن الضَجَرْصِفَةٌ من صفات البشرْ.لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـقال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليءبما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ.قلبي بريء مضيء مليء،ولا وقت في القلب للامتحان. بلى،لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّى أُحبَّك؟هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي،وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْهكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ.عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ...ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ !جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍتؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل،أَو في المداخن، أو في الخيام التينُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ...على طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ،والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتيويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْبأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْالأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتهارُبَّمامَسَّها خَلَلٌ طارئٌربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍغيرِ مأهولةٍ،فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ،ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها.كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمهاعدَّلَتْهُ بجرَّافة.فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ،بيضاءُ من غير سوء ...إلي شبه مستشرق: ليكُنْ ما تَظُنُّ.لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ.ولا أَلعبُ الجولف.لا أَفهمُ التكنولوجيا،ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ!أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري،لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء.أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّةقلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟في الحصار، يصير الزمانُ مكاناًتحجَّرَ في أَبَدِهْفي الحصار، يصير المكانُ زماناًتخلَّف عن أَمسه وَغدِهْهذه الأرضُ واطئةٌ،عاليةْأَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْلا نُبالي كثيراً بسحر الصفاتفقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ،جغْرافيةْ !أَلشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداًويسألني: أَين كُنْت ؟ أَعِدْ للقواميس كُلَّ الكلام الذي كُنْتَ أَهْدَيْتَنِيه،وخفِّفْ عن النائمين طنين الصدىالشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي.الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدىعن عذارى الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَعلي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين،لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُعنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازةإلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةًمن أَحَدْ.الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ.وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً:كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي.أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً !الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوى موقعي وأَثاثي الفقيرِ.وَضَعْتُ غزالاً على مخدعي،وهلالاً على إصبعي،كي أُخفِّف من وَجَعي !سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّةالقلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ:داءِالأملْ.وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجيوفي ماتبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلينشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، فيليل هذا النَفَقْ.سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحيفي كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:سلامٌ على شَبَحي.إلي قارئ: لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـبنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولاهي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.إذا مرض الحبُّ عالجتُهُبالرياضة والسُخْريةْوَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْأَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةًللوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُوشاهدة ًمن رخام الزمنفأسبقهم دائماً في الجنازة:مَنْ مات.. مَنْ ؟الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِوأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيدوجارةُ عمِّ الشهيد الخ ... الخ ..ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،فالزَمَنُ البربريُّ انتهى.والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ فهدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدونفي هذه الساعة الاستماع إلي الأغنياتالتي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحةالبُنّ في دمهم، طازجة.هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس.عندئذٍ نتباري على حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ.فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْسيفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْالكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ..فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُالأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائطنحو آخرَ مثل الغزالة.والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنامن سماء. وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكرياتتدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ،وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.