ثلاجة الموت
ينظر اليها برغبة عارمة.. يحقن جثمانها بحقنة تزيل عنه التيبس فيعود نظرا.. يحكم اغلاق باب الثلاجة... يعاود النظر لجسدها العاري الذي فقد الروح التي تدافع عنه وتقف كشجرة لا تنحني امام عواصف النزوات الجامحة..
ينقض عليه لينتهي منه سريعا.. ينظفه ثم يعيده الى درجه ويعود الى ممارسة عمله في هدوء.. ساعات قليلة ويأتي اليه اهل المتوفاة وهم بين جزع وحزن... ينهون توقيع الاوراق لتسلم جثمان ابنتهم ليوارى الثرى بعد رحلة حياة قصيرة...
ينتظر ايام وليالٍ ولكن الموت يتأخر... لا موتى هذه الايام! متى يصدر صك بموت احداهن؟ احبكن جثث امامي لا اجساد تتحرك بلا معنى! هل الحياة قلب ينبض بلا هدف ام روح مفعمة بالآمل والشوق؟ إلا اني استمتع بكن وأنتم مستسلمات امام ذراعي، خاضعين لسلطان رغبتي، انا سيدكن ما دامت جثثكم اليانعة تحت امرتي، من يجرا منكن على الاعتراض؟ سأشبع من رحيق جثمان كل واحدة منكن حتى ألثمالة، سأسكب خمري عليه والعقه بلذة متناهية! هل ستبلغون عني شرطة الآداب؟ هل ستوقفونني امام القاضي ليحكم علي بأشد العقوبات؟.
ايها الموت اين انت؟ لم غبت عن سماءنا هذه الأيام؟.. فلتكتب صكوك المنايا لينزل ملائكة الموت الى الارض ليقبضوا الارواح التي حان اوان رحيلها عن هذا العالم المليء بالشر والأنانية.
يا شجرة الموت العظمى فلتسقط اوراقكِ اليابسة ليرحل من حان اوان سفره الى عالم الخلود.
ينتظر اسبوع فلا يجود عليه الموت إلا بطاعنات في السن جاءهن الموت وقد مللن الحياة واشتاقت ارواحهن لمفارقة اجسادهن الهرمة والمغادرة الى عالم جديد.
سأهزم القدر، لا بد ان الموت سيأتيني بما اروم، فالموت لا يستأذن احدا.. ملائكة البين ستنفذ الحكم الصادر بالموت وتقبض روح امرأة ليتحول جسدها الى جثه هامدة لتبدأ مهمتي انا، هل هناك قدر اعتى من هذا؟ ان تعمل مع من لا تراه ولا تشعر بوجوده، ان عمل ملائكة الموت عملت وان فرغوا فرغت وان كفوا كففت.. يا لهذه المصير المهول!.
في تلك الليلة وبينما كان ينتظر على امل اذ يتلقى اتصالا من قسم النساء عن فتاة متوفاة... تركبه الرغبة الجامحة والشهوة العارمة وكأن شيطانا تلبسه، يذهب الى القسم بنفسه لإنهاء اوراقها.. يشاهد فتيات وهن يتغنجن ويتبرجن إلا انه لا يلتفت اليهن.. يلمح فتاة في قمة اناقتها وزهوها.. انتِ لا تعنين لي شيئا! ماذا اريد منكِ غير جسدك لأشبع به نزوتي؟ هل تملكين غير جسدك هذا الذي تتمايلين به بافتخار؟ وكل من يحاول لمسه سيتعرض لأذى شديد كأنك افعى كل من يحاول الاقتراب منها تلسعه بأنيابها السامة... قريبا سيكون بين يدي جسد كجسدك دون ان اتجشم عناء الانحاء لصدرك المغرور المتغطرس.... المجد لي!
يولجها الثلاجة ثم الدرج، ينتظر قليلا.... يسود الهدوء المكان... يدخل الى الثلاجة ويحكم اقفالها، يفتح الدرج بلهفة وشوق... يبدأ من فوره بإزالة قطع القماش من على جثمانها... يحقنها ليعود جثمانها مشرقا... يمسك بوجهها..
كم انت جميله. استودعين في الارض لتصبحين كومة من التراب ولن يتبقى منك سوى هيكل عظمي؟ أهذا مصيرك المحتوم؟.. ثم يضحك ضحكة مدوية....
لماذا اشعر بهذه الرغبة الشرسة لامرأة ستموت ويكون جسدها الذي اعشقه بل اعبده في التراب في نهاية امرها؟.. هل هي خدعة الطبيعة ام فطرة الرب؟
اجيبيني لماذا؟ لم لا تنطقين؟ يعري جثمانها لينال منها بنهم... ثم يستلقي الى جانبها عاريا ثم يبكي...
هل شعرتٍ بما فعلته بكِ او معك؟ هل ستشكيني الى ربك؟ هل انتٍ غاضبة مني وتتمنين ان ينزل بي عقابه الشديد؟ لماذا؟ او لست غادرت جسدك ليتحول الى جثة لا حراك فيها؟ انت ِ لا تمتلكين جسدك بعد ان غادرتيه، انه لم يعد لك! او ليس صوابا ما اقول؟ انت الان هناك في العالم الاخر بجسد جديد وحياة جديدة وعلاقتك انتهت بجسدك هذا بعدما تحول الى مجرد جثة تخيف كل من يشاهدها.. ثم سيغدو عما قريب رمة مقززة و مخيفة ثم الى حفنة من تراب! وفي يوم القيامة سيخلق الرب لك جسد جديد مغايرا لتسكنه روحك مرة اخرى! فلماذا لا استمتع به؟ لماذا تعتبرين ذلك جريمة يجب معاقبتي على فعلها؟ لو كنت حية واستمتعت به رغم عنك فهو اغتصاب والاغتصاب جريمة بشعة لأنه جسدك وهو ملك لك وحدك ولكنك الان ميتة وقد غادرتيه فلم يعد لك علاقة به بعد اليوم وغدا سيدفن في التراب ليعود اليه فكما جاء منه يعود..اليس حقا ما اقول؟
انتِ تؤيدين كلامي اليس كذلك؟ شكرا لكِ!.. ثم يضحك ببؤس لتنهار دموعه مرة اخرى.. يعاود بعنف اغتصابه لجثمانها.. تستنزف قواه فيقوم بمحو اثار اثمه ويدخلها الدرج ويعود الى عمله ليواصله كالمعتاد..
**
هل يعود الميت الى الدنيا؟ هل الموت فناء وعدم؟ اذا كان موجود فهو حي في مكان ما او في بعد ما غير منظور ولكنه يبقى موجود في هذا الوجود! علينا فقط فك لغز الموت وإزالة الحجب بين العوالم حينها سنتمكن من الاتصال بمن فقدنا لأنهم احياء في مكان ما قد يكون قريب منا ولكننا لا نشعر به... لقد ماتت اجسادهم وحسب، فالجسد هو الاداة التي تمكننا من الاتصال ببعضنا البعض فأن فقدناه انتهت قدرتنا على ذلك، بل ان خسارتنا لحواسنا الخمس ونحن لا نزال احياء ستحرمنا من القدرة على التواصل مع الاخرين فما بالنا بخسارة جسد بأكمله!! ان الموت حجاب بيننا وبين احبائنا كالسفر والنوم والسجن!
شاهدتها تمشي وهي في قمة اثارتها. لم اصدق ما رأيته بأم عيني! كيف هذا؟ مستحيل! لا يمكن ان يحدث ذلك ابدا!! لقد ماتت، لقد وضعتها بنفسي في درج الثلاجة ثم اخرجتها لاستمتع بجمالها ثم سلمتها لذويها ليدفنوها الى الابد.... انني اراه الان انه نفس بدنها ولكن تحجبه تلك الملابس الفاتنة..
– لماذا تنظر لي ايها السيد؟
– أرجو المعذرة ولكن كأني رأيتكِ من قبل.
– لا اذكر اني صادفتك قبل هذا اليوم.
تحاسب عن مشترياتها وتمضي سريعا... يعود الى مخدعه وهو حائر فيما رآه إلا انه يقطع الشك باليقين فيسلم بأنه فتاة تشبهها لا غير..
يعود الى عمله في ثلاجة الموت... تمر عليه ساعات عمله بهدوء ولكن فجأة يدخل عليه رجل وامرأة.لا يصدق ما يراه.. انها نفس المرأة... يسألانه عن شهادة تبليغ وفاة والدهما لإنهاء اجراءت الارث... يبحث عنها وهو لا ينفك ينظر للمرأة.
انها هي بكل تأكيد هي!... تنظر له بابتسامة ثم تقول له:
لقد التقينا قبل ايام اليس كذلك؟
– في مركز التسوق.
– يا لها من مصادفة ان نلتقي مجددا.
– انها الاقدار يا سيدتي.
– عفوا لست سيدة بل آنسة ولم اتزوج ولم ابلغ بعد الخامسة والعشرون من عمري.
يعتريه ارتباك شديد ولكنه يحاول تمالك نفسه..
يستخرج لهما الشهادة ليغادران المكتب إلا انه كان ينظر اليها بدقة ويراقب خطواتها حتى تغيب عن ناظريه..
هل يمكن ان يكون الشبه بين شخصين لا يمسان الى بعضها البعض لدرجة التطابق التام؟ ام انها عادت للحياة مرة أخرى او لعلها لم تمت اصلا؟
بعد عدة ايام رايتها على الشاطئ مرة اخرى! كانت ترتدي لباس البحر.. نظرت اليها بشبق فضيع.. كم انت جميلة سواء كنت جسد او جثة! إلا ان روحك المليئة حيوية ونضارة تشعل رغبتي فيكِ، اعترف لك انت اول امرأة على قيد الحياة تحرك اوتار قلبي وتصبب العرق من جبيني وتجفف عيناي... ان ولوج روحك في جسدك حولك الى شيطانة رجيمة لا يمكن لأحد مقاومة جمالها.
يقترب منها.. تلتفت اليه ثم تدير وجهها عنه ناحية البحر ثم تقول له:
– هذا انت مرة اخرى؟
– انها صدفة للمرة الثالثة.
– اتكون صدفة ان نلتقي ثلاث مرات يا مأمور ثلاجة الموتى؟
– بل ثلاجة الموت يا انستي.
– وما الفرق؟
لأنها اول محطة من محطات رحلة الموت لذلك اسميها ثلاجة الموت.
اذن نحن لم تبدأ رحلتنا بعد.
اننا موتى ولكن مع وقف التنفيذ.
قل لي أيهما تفضل ان ترى امرأة بجسدها العاري هنا او تراها وهي عارية هناك على المشرحة؟.
يصدم من سؤالها....
يسكت ولا ينطبق ببنت شفه..
ما بالك؟ هل فاجأك سؤالي؟
كلا يا انستي ولكن..
هل جربت ان تمتلك دمية؟
(بذهول) دمية!
قد تكون افضل من جثة امرأة لن تعود للحياة مرة اخرى ابدا.
ثم تباغته بابتسامة ماكرة وتنهض لتسبح في مياه البحر لتتوارى عن ناظريه..
ماذا تقصد هذه المرأة الغامضة؟ ماذا تريد مني؟ اهي حية او ميتة؟ هل هذا جسدها الذي ذقته ام انها جاءت من العالم الاخر وتجسدت لي؟.. كلا، لا يمكن ان يعود الموتى الى هذا العالم مرة اخرى.
يفتش عنها في سجلات المكتب.... يقلب الاوراق والملفات حتى يجدها... مستحيل انها هي، اتذكرها كما لو انها ماتت بالأمس، ولكني اراها الان حية امامي...
تقوده قدماه الى المقبرة التي دفنت فيها... يسال عنها إلا انه يفاجأ بالجواب..
– لا يوجد لدينا قبر امرأة يحمل هذا الاسم يا سيدي.
– مستحيل سجلاتي تؤكد انها مدفونة هنا.
– اؤكد لك بأنها ليست هنا، قد تكون دفنت في مقبرة اخرى.
يبحث عنها في عدد من المقابر فلا يجد لها أثرا..
يواصل البحث فيتصل بدائرة الشئون المدنية ليفاجأ بانها ميتة بنفس التاريخ المدون عنده..
اذا كانت ميتة اين دفنت؟ ايعقل ان تكون قد عادت للحياة مرة أخرى؟ فالافترض ان هذا ما حدث فمما أخاف؟ هل ستذكر باني اغتصبتها وهي ميتة؟ هل ثمة دليلا على ما فعلته بها؟
يعود الى منزله، وقد ارهقه البحث والتفكير... يرن الجرس... يفتح الباب فيشاهدها أمامه..
انت ِ؟
تجيبه بابتسامة مراوغة:
هذه المرة ليست صدفة.
لا شك في ذلك.
اتسمح لي بالدخول؟
تمشي بغنج لتستيقظ رغبته المتوحشة... تتربع على الاريكة بعفوية.. لا يتمالك نفسه فيقعد الى جانبها..
كم انتِ فاتنة.
الهذا الحد انت مفتون بي؟
ينظر لها بنهم.. يضع يده على كتفها بشبق..
انت اجمل امرأة في العالم.
الم اكفك وأنا جثة هامدة؟
يصدم من كلامها... يبتعد عنها قليلا..
يسري الخوف في أعماقه..
ماذا تعنين؟
تدنو منه وجه لوجه..
ايهما اشد فتنة انا جسد ام انا جثة.
جمالكِ طاغي ولو كنتِ في قعر الجحيم.
لقد نلتني ميتة فلماذا لا تنالني حية؟
ينحسر خوفه ويشعر بالاطمئنان...
لم اعتد تذوق امرأة لا تزال تتحكم بجسدها، ولكن معك انتِ قد اتغير.
هل شعورك الان وأنت امام جسدي كشعورك امام جثماني؟
اصدقت القول بأنكِ اكثر اثارة وتشويقا وأنت جسد يعج بالحياة والحيوية.
يتطلع اليها من رأسها حتى اخمض قديمها فيلمح جهاز غريبا في جيبها.. يمرر يده بخفة لينتزعه منها... تتوارى شهواته اللاهبة بسرعة مذهلة ويستيقظ من غفوته ويكشر عن انيابه..
ما هذا؟
تبتعد عنه وتنظر له بخوف....
جهاز تسجيل؟
تعرض عن اجابته...
من انتِ؟
تلوذ بالصمت...
– اخبريني من انتِ؟ وماذا تريدين مني؟.
تتمالك نفسها وتجيبه بقوة وحزم:
– انا الشقيقة التوأم للفتاة المتوفاة التي اغتصبتها قبل عدة اشهر.
– (بغضب مستطير) انا لم اغتصب احدا.
– بل اغتصبتها، اثار الاغتصاب اكتشفت اثناء غسل بدنها ولا شك بأنك اغتصبت اخريات.
يخرج سكينا من جبيه..
لم اقتل احدا من قبل، عملي كان دائما مع ملائكة الموت، هم يقبضون الارواح وانأ اتكفل بالأجساد، مهمتهم الروح ومهمتي الجسد، ولكن في هذه الليلة ولأول مرة في حياتي سأتلف جسدا لتخرج منه روحه فلا حاجة اذن لملك موت ينزل من السماء، سأقوم انا بدوره ولن اتركك حتى اخرج روحك من بدنك ليتحول الى جثة لا حول لها ولا قوة.
حتى لو قتلتني سأطاردك بروحي حتى اسلمك للعدالة.
إلا انه يتجاهلها ويقول:
سأحاول ان لا تكون طعناتي مدمرة لجسمك الفاتن حتى اتمكن منه عندما يتحول الى جثة في ثلاجة الموت.
سرعان ما يحاول تسديد الطعنات اليها ولكنها تتمكن من الابتعاد عنه، يطاردها في انحاء المنزل.. يسدد لها السكين في فخدها فتخر الى الارض.. يسيطر عليها ويكبل اطرافها بحبل وثيق وهي تصرخ صراخا مهولا..
يستلقي الى جانبها بوجه مكفهر وقد تمكن منه اليأس و تحول الى ذئب متوحش يصارع من اجل البقاء
لقد عزمت على النيل منك قبل ان اقتلك، سأتذوقك وأنت حية ثم وأنت ميتة، سأرتوي منك وأنت جسدا ثم جثة، سيكون ما سأفعله بك اعظم متعة في هذا الكون وأبشع انتقام عرفه البشر.
إلا ان الشرطة تقتحم المنزل، ينهض مدافعا عن نفسه إلا انه يتلقى رصاصة تلقيه صريعا على الارض...
تنظر اليه وهو يودع جسده قائلا:
ما اصعب الخروج من جسد دنسته الخطايا.
تنقل جثته الى ثلاجة الموت لتودع في احد الادراج لتنعم الارواح التي لوثها بذنوبه بالسكينة والسلام.