الأربعاء ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم سها جلال جودت

ثقافة الحب

من حق الحب علينا أن نعترف بوجود ثقافته التي تنعش ذاكرتنا وأرواحنا وحروفنا وسطورنا كعشاق كتاب وكلمة.
السؤال الذي يطرح نفسه.. ماهي ثقافة الحب؟
هل هو مجرد "ريبورتاجات" للتعري فقط؟
هل هو شعور مغذٍ لاحتياجات الفرد الجسدية والعاطفية والنفسية والفكرية؟
أمْ هو فن من فنون الوجود الاجتماعي؟

منذ عهد آدم وحواء نمت جذور العواطف للتلاقح الجنسي، لتكتمل دورة الحياة، ويكون هناك إنجاب ذرية لتتشكل النواة البشرية الكبرى.
وإذا اعتبرنا الفرد جزء صغير من هذه النواة، فإن علاقة الفرد بطرفه الآخر، لا تكتمل اجتماعياً إذا لم يكن هنالك إلقاح ذكوري.
وكان لأساطير الحب والعشق دورها الكبير في تغذية العقل البشري نحو مفهوم الحب وشروطه ومقاييسه.

ومع تطور الزمن تطورت العلاقات الاجتماعية بكل مجالاتها، وأصبحت نظرتنا للحب مخالفة تماماً لمفهومه الحقيقي الذي جعلنا ننحرف عن مساره المقدس، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، لأنه أصبح عبارة عن حاجة جسدية، وإشباع رغبات جنسية فقط، هذا بدوره عطل مفهوم الجمال الروحي، وخرب ذاكرة الناس، مما أدى إلى تفشي الانحراف عند أجيالنا ومن هم قائمون على تربية هذه الأجيال وحمايتها، وحتى تكتمل شروط ثقافة الحب، لا بد من وجود ثقافة الحرية، وثقافة التربية الاجتماعية، التي تقوم بنائية كل منهما على شروط قيمية أخلاقية.

لأنه لا ثقافة للحب إن لم يكن هناك ثقافة للحرية الفردية منشؤها وقوامها الثقافة الاجتماعية .
والمقصود بالثقافة الاجتماعية وعي الفرد لدوره الاجتماعي على صعيد الأسرة والشارع والحي والمجتمع، لكن هل يتحقق شرط الوعي الثقافي عند الفرد الواحد إن لم يكن منطلقاً من ذاته الحرة غير المقيدة؟

سؤال يستحق أن نقف عنده لنجيب على بعض التساؤلات..
عندما شاهدت فيلم "سبارتكوس" استوقفتني عدة ملاحظات هامة رغم أنني لاأجيد تقييم الأفلام السينمائية من حيث منهج الإخراج والأداء والديكور والمونتاج إلى آخره.

البطل "سبارتكوس" حسب وجهة نظري يمثل عنصر الحرية ، تمّ استعباده من قبل واحد يمثل الجشع والمال يحكم مقاطعة صغيرة فيها العديد من العبيد المستولى عليهم نتيجة تسلط عنصر القوة من قبل مجلس شيوخ الإمبراطورية الرومانية.
في هذه المقاطعة تحدث مصارعات حتى الموت بين العبيد بناء على طلب الحاكم الذي يساوي الجشع والمال.
يأتي كراكوس وهيلانة وشاب ، لرؤية مشهد من مشاهد الموت التي تعني بالنسبة إليهم النشوة واللذة كنوع من أنواع السادية المتجرأة والمنفتحة على الإنحلال الأخلاقي بكل معاييره الاجتماعية والسيكولوجية .

الذي لفت نظري طلب هيلانة الغريب ، تريد أن تتأكد إن كان اليهودي مختوناً أولا ..!؟ لاحظ وجود احتراف السادية المعنوية للتعذيب النفسي!

وقبل المصارعة بليلة واحدة يسمح للمتصارعين العبيد بمضاجعة النساء المأسورات أيضاً.
يقول "سبارتكوس" عنصر الحرية الفرد وهو عبد أسير لسادية من يتلذذون برؤية الدم والموت : في قريتنا تظل المرأة عفيفة حتى ليلة زواجها . جملة تشير إلى الإيمان بشروط الأخلاق كعقيدة اجتماعية غير مرتبطة بالدين.

عنصر الحرية المتمثل بسبارتكوس يتزوج من فاريينا التي تمثل عنصر الحياة أو الأمل، بعد أن يكتشف طهارتها وإيمانها مثله بضرورة وجود الحرية، أو البحث عن وسيلة للخلاص من سجن العبودية للانطلاق في رحاب الحياة ليعيشا بكرامة وحب .
إذن ما هي ثقافة الحب؟

أو ، ما هو مفهومنا لثقافة الحب ؟ وهل يعيش الفرد الواحد حريته الاجتماعية من منظور ديني؟ أمْ أخلاقي؟ أمْ انفتاحي ((وجودي)) ؟ أمْ من خلال وجود الوعي لكلا المفهومين الحرية والأخلاق؟

في الحقيقة لا بد لنا من الاعتراف بتراجعنا الخطير حول هذه المسألة الهامة التي تشكل الأس الضروري لمصدر القوة والحضارة والتقدم في المجالات كافة وعلى الأصعدة جميعها.

مسألة الوعي الاجتماعي الأخلاقي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة الحب، لأنه لاحياة من دون حب، ولا وجود للحب إن لم تكن هناك ثقافة لمعنى الحياة.
ثمة سؤال جديد تتطرق له الذاكرة .. هل نعيش اليوم قصص حب حقيقية ؟
لن يبدو الجواب غريباً، لأننا أغمضنا أعيننا عن هذه الحقيقة وبدأنا نعيش امتيازات الإمبراطورية الرومانية بكل جشعها وامتلاكها لحرية الفرد وقداسة الطهارة.

الحب أصبح مثل كرة في ملعب، الداهية يحصي كم عدد نسائه! والضعيفة تحصي كم عدد الشبان الذين يقفون لها على رصيف الشارع ! وعلاقات في الخفاء والعلن إلى ما هنالك من أشياء أصبحنا نعرفها جميعاً، لكننا لا ننظر إلى خطورتها من منظور الوعي الذاتي الأخلاقي الاجتماعي، لأننا بلا إيمان روحي، وبلا ثقافة منشودة في ذواتنا.

وما يحصل اليوم من حروب ومن اغتيالات على أرض الوطن سببه فقداننا لهذه الروحانيات من الأخلاق ، لهذا إذا أردنا أن نعرف كيف ننتصر على عدونا علينا أن نفهم أولاً ما معنى الحب؟ وما هي شروط ثقافته؟ وهل هو نتاج بيئي اجتماعي؟ أمْ نتاج غرائز شهوانية لا تختلف عن حياة حيوانات الغابة.
الحب من نتاج القلب والعقل معاً لأنهما المسؤولان عن وعي الأحاسيس وحركتهما في جسم الإنسان، فإذا اختل توازن العقل اختل توازن العلاقة مما يؤدي إلى وجود مأساة، أو إلى انحرافات لا أخلاقية.

ولدى الاجتياح التكنولوجي لعالم الشرق لغزوه ثقافياً، كان قدر الحرية تحت رزح هيمنة القوى العظمى/ أوروبا وأمريكا وطفلهم المدلل إسرائيل.
نحن أحرار في أوطاننا، لكننا ما عدنا أحراراً في بيوتنا، بعد أن استحكمت قوى الشر بنا وبعقولنا وعواطفنا، عندما قدمت على أطباق الفقراء اختراعها المبرمج لمسح هوية الشرق وطمس معالم الدين الإسلامي.

انظر إلى غرف الدردشة .. والمواقع التي تفسد العقول وتخرب طهارة النفوس.
انظر إلى علاقة الزوج بزوجته داخل بيته ، هل بقيت الأمور على حالها كما كانت في السابق، لايترك الزوج زوجته إلا لأمر طارئ، والطوارئ اليوم أصبحت بعدد شعر رأس الإنسان أو بعدد خلايا جسمه الحية، لأن الحب أصبح عبارة عن نافذة لاستقبال العواطف رغم حركتها هي جامدة لأن أحاسيسها غير مقترنة بفعل الطهارة الذي ذكره "سبارتكوس"، وثمة سؤال آخر: لماذا لم أستعرض مثالاً آخر غير فيلم أجنبي ؟
بالنسبة لي وجدت خير ما أقدمه لمقالي هذا رؤيا الغرب لعلاقة الفرد بحريته وإيمانه بالطهارة كدليل على خطأنا عندما بدأنا نقلدهم على أساس أن الحرية هي انفتاح على رغائب الجسد.

وحتى نعرف كيف ننتصر على قوى الشر علينا أن نعترف بوجود ثقافة الحب كشرط أساسي للتكامل الإنساني الاجتماعي بوعي من فهم الفرد لحريته الشخصية وفي هذا لابد لنا من مراجعة أنفسنا والكثير من الأمور التي ضاعت مصداقيتها من بين أيدينا، كل هذا لأننا جمدنا العقل وتركنا القلب ينبض أمام نوافذ الحب، التي لن تجلب في النهاية على رأس الأمة العربية، سوى الأسف والندم، على الوقت الذي ضيعناه هباء، بلا فائدة، وبلا قيم أخلاقية، نحن بأمس الحاجة إلى وجودها في ذواتنا .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى