الخميس ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٣
بقلم خالد عزب

تحولات الثقافة وخطة الدولة لها

قليلة هي الكتب والدراسات النقدية للممارسات الثقافية في الوطن العربي ، هذا ما يضعنا امام تساؤلات عديدة وصعوبات في فهم اليات ادارة الثقافة العربية بل وفي فهم القرارت التي تتخذ علي هذا الصعيد من هنا يرى الكاتب المصري صبحي موسى في كتابه "تحولات الثقافة في مصر"، الصادر مؤخرا عن دار النسيم للتوزيع والنشر بالشراكة مع مجموعة بيت الحكمة الثقافية، أن مؤسسات الدولة يجب أن تلعب دورا رئيسا في صناعة العقل والوعي العام، وألا تترك الدولة هذا الأمر مفتوحا للمؤسسات الخاصة، أو أن يدار بشكل عشوائي دون تنسيق واضح من قبلها له، ومن ثم طالب موسى بتكوين ما أسماه بالمجموعة لثقافية، وذلك على غرار المجموعة الاقتصادية، وذلك لإنقاذ العقل المصري من الانهيار الثقافي، وأوضح في فصول كتابه أن مصر قامت طيلة عصرها الحديث على ما أسماه بالمجموعة الثقافية، فقد كان العصر الملكي عصر نشأة المؤسسات، ورغم ذلك لعب وزارة المعارف دور هذه المجموعة، فقد انطوى تحت لوائها كل ما يخص التعليم والثقافة والاعلام، وكانت مسئولة عن المراكز العلمية والثقافية، وفي مقدمتها مجمع اللغة العربية، ومن ثم كانت وزارة المعارف بالتنسيق مع لجنة الثقافة والتعليم في البرلمان هي المسئولة عن متابعة شئون الثقافة والتعليم والاعلام وكل ما يخص بناء الوعي والعقل المصري، وفي خمسينات وستينات القرن، أي عقب قيام ثورة يوليو تغيرت الأحوال، وتوسعت الدولة في إنشاء المزيد من المؤسسات، فتوزعت مهام وزرة المعارف على عدة وزارة هي التعليم والاعلام والثقافة والسياحة، وعادة ما كان وزير الثقافة مسئولا عن وزارتين أو ثلاث من هذه الوزارات، وعادة ما كان يصدر له قرار بوصفه تائبا لرئيس مجلس الوزراء، وهو ما يعني أن عناية الدولة بالوعي والفكر كان كبيرا، ومن ثم كانت الثقافة في أوج توهجها، وانتشرت مؤسساتها، وكانت خطة الدولة التي قام د. ثروت عكاشة على تنفيذها في ذلك الوقت هي تنوير القرى والنجوع والأقاليم، ومن ثم انتقلت الثقافة للعب دور قوي فيها، إلا أن خطأ هذه الخطة أنها ربطت بين تنوير الجماهير وتثقيفها وبين موالاتهم للنظام، فقد كانت وزارة ارشاد مثلما كانت وزارة ثقافة.

في السبعينات من القرن الماضي واجعت لثقافة تجاهلا كبيرا من قبل السادات، حيث لم كان يرى المثقفين بالأراذل، ولمم يكن يطمئن لهم، وكان يحسبهم على الشيوعية التي انقلب عليها، ومن ثم همش دور ويز لثقافة، وكادت في نهايات أيامه أن تتحول هذه الوزارة إلى حقيبة دولة وليس وزارة معنية، وكان من المنتظر أن يلعب المجلس الأعلى للثقافة دورا بديلا عنها، لكن السادات رحل وتوقفت خطته عند هذا الحد، وجاء مبارك ليرث تركة ملغمة بالحروب مع المثقفين الذين أطلق عليهم الطيور المهاجرة، نظرا لهروب كثير منهم من محاصرة السادات لهم، إلى مختلف البلدان الأوربية واحيانا العربية، ومن ثم لم يعرف مبارك ما الذي يمكن فعله معهم، وظل أمرهم محيرا بالنسبة له حتى أتى فاروق حسني إلى وزارة الثقافة، حيث وضع خطته لاحتوائهم في ردهات الوزارة ومؤسساتها، ونشط في منح الجوائز وإصدار المجلات وإقامة المؤتمرات وإصدار المطبوعات، ولم يكن أمام الجميع سوى دخول الحظيرة الثقافية حسبما أطلق عليها، وكانت النتيجة أن انعزلت الثقافة عن الشارع، وتم تهميش المثقف، ولم تعد هناك مرجعيات ثقافية يمكن الاقتداء بها، مما ترك المجال العام مفتوحاً أمام الجماعات الدينية كي تملأه، وهو ما ساعدها لأن تكون المؤهل الأول لاحتلال المشهد السياسي بعد ثورة 25 يناير، ووصولها إلى الحكم في انتخابات لا يمكن اتهامها بالتزوير، بما يعني أن جهد التنوير الذي قام عليه فاروق حسني ورجاله طيلة عصر مبارك لم يكن سوى استعراض كرنفالي لا يخرج عن جدران الأماكن التي كان يقام فيها.

قسم موسى كتابه إلى مقدمة تأسيسية عن رؤيته للثقافة من منطلق رؤية علماء الاجتماع لها، فهي الكل الجامع، وليست مجرد وزارة لرعاية الآداب والفنون، لكنها كل ما يتعلق بالإنسان في حياته، بالإضافة إلى خمسة فصول هي: (تحولات الثقافة وخططها، مؤسسات الثقافة وتطورها، خطة الثقافة بين ثروت عكاشة وفاروق حسني، المجموعة الثقافية، نحو خطة جديدة للثقافة). وقد طالب موسى بضرورة وجود خطة جديدة للثقافة تتوافق مع متغيرات العصر سواء على الصعيد المحلي وما حدث فيه من مجريات بعد ثورتين متتاليتين، أطاحت الأولى بمبارك ونظام حكمه، وأطاحت الثانية بالإخوان ونظام حكمهم، أو على الصعيد العربي والافريقي، وما حدث فيه من تحولات كبرى أسماها موسى بثورة الهامش على المتن، هذه التحولات التي لم تعد مكانة مصر وثقلها فيها كما ان في الخمسينات والستينات، ولا حتى في التسعينات وبداية الألفية، فقد تغيرت أمور كثيرة، وتحولت مراكز كثيرة، فضلا عن انتشار الجماعات الارهابية وسقوط العديد من البلدان العربية في حالة من الفوضى. أو على الصعيد العالمي وما حدث فيه من ثورة اتصالات اجتاحت العالم، ولم تبق لأحد قدرة على اغلاق حدوده وسماواته، فضلا عن عولمة أنماط ثقافية معينة، والرغبة في فرضها على مختلف المجتمعات، بالرغم من الاختلافات الثقافية الكبيرة.

هكذا يجد موسى أنه لابد من وضع خطى ثقافية جديدة تليق بالمتغيرات الجديدة، وتسد الثغرات التي باتت مفتوحة في رؤيتها الثقافية للتعامل مع هذه المتغيرات، وقد حدد موسى مجموعة الوزارات والمؤسسات التي رأى أن لها تاريخ عميق في الوجدان المصري، فضلا عن امتلاكها العديد من الأدوات التي يمكنها التغيير من خلالها، وفي مقدمتها وزارات التعليم والاعلام والثقافة والجامعات والأوقاف، فضلا عن مؤسستي الأزهر والكنيسة، بالإضافة إلى الطرق الصوفية وما لها من تابعين ومريدين، وطالب بأن يكون وزير الثقافة نائبا لرئيس الوزراء، ورئيسا لهذه المجموعة، وأن يكون تحت رئاسته مجلساً أعلى للثقافة، وليس لرعاية الآداب والفنون كما هو موجود الآن، وتكون مهمة المجلس بأعضائه من الوزارات الخمس ومؤسسات الأزهر والكنيسة والطرق الصوفية، هي وضع الخطط والقوانين المناسبة، ومتابعة تنفيذها، واقتراح الأدوات والبرامج المناسبة لرفع الوعي المصري والحفاظ على منظومة القيم والمبادئ العليا، فضلا عن الحفاظ على الهوية المصرية في مواجهة الحداثة السائلة التي راحت تجتاح كل الحدود.

أهدى موسى كتابه للعميد الأدب العربي قائلا (إلى المبصر دائما.. طه حسين)، موضحاً أنه منذ قرأ كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" وهو يفكر في انجاز كتاب جديد يتأمل فيه ما جرى في مصر للثقافة من تحولات على مدار عصرها الحديث، ومعرفة إلى أين تأخذنا خطانا، وما الذي ينبغي علينا عمله تجاه التحولات المحلية والإقليمية والدولية، وفي الخاتمة ذهب إلى أنه لم يتحدث كثيرا عن المجتمع المدني ودوره في خطة الثقافة الجديدة، لأنه من البديهي أن المجتمع المدني شريك أساس في أي خطة تنمية، لكنه كان اهتمامه الأكبر في التأكيد على دور الدولة عبر مؤسساتها الكثيرة والقوية في رسم الخطة الثقافية العامة، وبناء العقل والوعي لدى المواطنين، على أن يتم تجنب أخطاء الماضي، فلا يجب أن ترتبط الخدمة الثقافية بالمولاة للنظام، ولا أن تكون الثقافة حكر على المثقفين أو بين الردهات والقاعات الرخامية. فالثقافة للناس وفي الشوارع والقرى، وإلا لاحتلتها الجماعات الظلامية والراديكالية كما كانت من جديد
الكتاب كان يحتاج ان يعزز بالاحصاءات وكذلك بالوثائق فضلا عن الدراسات المقارنةً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى