السبت ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٣
رواية «رصاصة الدلبشاني»
بقلم خالد عزب

تستقصي الحوادث التاريخية وتفسرها

صدر عن دار الشروق رواية (رصاصة الدلبشاني) للدكتور إيمان يحيي الروائي الذي تحول إلي التحقيق والتحليل التاريخي عبر النص الروائي ليأخذنا إلي ما وراء الأحداث، فهو هنا لا يلتزم بمقتضيات البحث التاريخي بل باستقصاء الأحداث و معرفة خلفياتها وأسبابها المباشرة والخفية، هذا ما أعطي رواية رصاصة الدلبشاني نكهة مثيرة تجمع ما بين الوضوح والغموض، وإن كان الروائي يقدم عبر عدد من المسارات في كل مسار مفاتيح جديدة لفهم الأحداث، الرواية تبدأ بعبد اللطيف الدلبشاني الطالب المصري الذي كان يدرس في ألمانيا وعاد منها محملا بالعدي من أفكار الطلبة المصريين في ألمانيا التي كانت تعج بأنصار الحزب الوطني والمناصرين للخديوي عباس حلمي الثاني المناهضين للملك فؤاد، كانت مصر في اطار أحداث الرواية يرأس وزرائها سعد زغلول الذي فاز في انتخابات حرة بعد ثورة 1919 وكان يخوض مفاوضات شرسة ضد الإنجليز، هنا كان عبد اللطيف الدلبشاني حانقا علي سعد زغلول حيث رأي أنصار الحزب الوطني أنهباع الثورة وشهدائها من أجل المنصب، قاد ذلك الدلبشاني إلي السعدني في قهوة متاتيا في العتبة الخضراء وهو يظن أنه من أنصار الحزب الوطني لنقل له حنقه علي سعد زغلول ويحفزه السعدني علي اغتيال سعد زغلول ليقابله لاحقا ويمده بالسلاح، ظل الدلبشاني يترقب سعد زغول إلي أن استقر رأيه علي اغتياله عند سفره من محطة قطار القاهرة لتهنئة الملك فؤاد في سراي رأس التين بعيد الأضحي، وفي محطة القطار يطلق النارعلي سعد زغلول لتفشل محاولة اغتيال زعيم الأمة.
هنا تنطلق الوراية فالحادث في حد ذاته ليس هو كما نراه بل تقودنا الاحداث إلي إنغرام ذلك الانجليزي الذي يعمل نائبا لحكمدار بوليس القاهرة والذي يقود البوليس في العاصمة في ظل غياب رئيسة لسفره، لتوجهه عبر مقابلات مع جورج من السفارة البريطانية السفارة أنه ستحدث محاولة لاغتيال سعد باشا زغلول عن طريق تدبير من القصر الملكي في مصر، فكأن السفرة بتجسسها ومتابعتهاالقصر صارت تعرف بالمؤامرة، ويطلب جورج من انغرام اخفاء سلاح الحادث لاحداث بلبلة في أوساط المصريين، هذا ما يقودنا إلي اختفاء السلاح علي يد انغرام الذي سرعان ما أخفاه عند وقوع الحادث في ملابسه ثم يخفيه في منزله لتطلبه السفارة البريطانية وتأخذه ليختفي السلاح للأبد، بالرغم من شهود في تحقيقات النيابة بأن انغرام هو من أخذ السلاح.

إن النتيجة التي تقدمها الرواية أن الصراع بين الملك فؤاد والخديوي عباس حلمي الثاني الذي عزله الاحتلال الانجليزي عند قيام الحرب العالمية الأولي وجاؤوا بالسلطان حسين كامل ثم الملك فؤاد جعل العداء مستحكما خاصة أن الرواية تذكر أن عباس حاول استعادة حكم مصر عن طريق ليبيا وحاول التحريض ضد الملك فؤاد، كان أنصار الخديوي هم الطلبة المصريين في ألمانيا خاصة المنتمين إلي الحزب الوطني، لذا كان التركيز عليمهم من قبل البوليس والانجليز والملك واضحا، لكن ما تكشفه الرواية أن كل الفرقاء التقوا ضد نشر الشيوعية عبر هؤلاء الطلبة، ومن ثم نشر الحركات الشيوعية سواء عبر النقابات أو الأحزاب أو الجمعيات، ثم نري الوراية تفصل تاريخ الحركات اليسارية نشاطها في المنصورة وهنا نري الوراية تجسد تفاصيل غير مسجلة تاريخيا عبر عبد الحميد الطوبجي الطالب الميسر ماليا ولاذي لم يكمل دراسته في ألمانيا والذي يرتبط بهذه الحركات والذي زاره عبد اللطيف الدلبشاني قبيل محاولة قتله سعد زغلول، سيطر القلق علي عبد الحميد الطوبجي ورفقائه في المنصورة هذا القلق الذي نري من خلاله وصفا لشوارع ومقاهي وبيوت المنصورة، ومن الطريف أن الروائي ولد وعاش في المنصورة، فكأنه يقطم لنا هنا وصفا للمدينة ونراه يقودنا منها للاسكندرية والتي حضرت في الرواية عبر الحركات اليسارية وقضية التنظيم الشيوعي والتي انغرام بك طرفا بها حين كان يعمل في بوليس الاسكندرية قبل نقله للقاهرة، تقدم الرواية بعد ذلك عبر عدد من الشخصيات فهو يحللها ويربطها بالأحداث، إن الملفت في الرواية أنها ليست نص أدبي جاف بل سلسلة في أحداثها تأخذك بسرعة من حدث لحدث ومن قضية لقضية فهاهي قضية الدلبشاني أثناء تحقيقات النيابة التي تذكرها الرواية تقود إلي عدة قضايا لاعضاء الحزب الوطني وللطلبة المصريين الذين درسوا في ألمانيا،فاتهم أحمد وفيق رئيس تحرير صحيفة اللواء وعصام حفني ناصف وغيرهم في قضايا سياسية، كان الدلبشاني في سجنه يحالو جاهدا أن يتابع الاحداث ليهديه تفكيرة بأن يوهم النيابة أنه مجنون وتحوله النيابة لمستشفي العباسية للأمراض النفسية، وبعد سنوات يخرج ويفوز في مسابقة شطرنج وهو ما يثير حفيظة سعد باشا زغلول الذي ترك الوزراة بعد محالة اغتيال السردار ستاك الضابط الإنجليزي، لتقدم لنا الرواية شخصية حسن نشأت باشا الذي كان قائما بأعمال ديوان الملك فؤاد وهو شخصية لعبت دورا في حبك مؤمرات القصر الملكي ضد خصومه وهو الذي دفع السلاح للسعدني ليعطيه للدلبشاني لاغتيال سعد زغلول فكأن القصر كان يخشي شخصية وجماهيرية سعد زغلول ولتلتقي مصالحة مع مصالح الإنجليز في اغتياله أو إثارة الاضطرابات في مصر للتخلص من مطالبات المصريين بالاستقلال، الرواية اذا ليست رواية فقط بل ستتحول لمرجع تاريخي قدم اراءا جديدة لم تقدم من ذي قبل في حدث تاريخي كاشفة عن أسراره هكذا ايمان يحيي لايكف عن البحث في التقط الكثير من المصارد التاريخية والأرشيفات والصحف بل والتحليل النقدي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى