بلاغ ضد الجهل
كان عبد الرحمن طالباً متفوقاً، وقد نال جائزة التلميذ المثالي وهو في الصف السادس الابتدائي..المدرسين والزملاء يحبونه لأنه يتعامل مع الجميع بكل أدب واحترام..
علم عبد الرحمن أن هناك مسابقة لكتابة القصة وهو من هواة الكتابة، فقرر المشاركة ولكن أي قصة سيشارك بها..فكر كثيرا ثم وقع اختياره على فكرة ما..
جلس يكتبها..
وقعت أحداث هذه القصة منذ بدء الخليفة، ومازالت تحدث، وستظل تحدث إلى فناء الخلائق..إنه الصراع الأزلي القائم بين العلم والجهل..
وبطلنا في هذه الأحداث الطفل عبد الرحمن و التي تبدأ من خلاله شـرارة التحدي بين العلم والجهل كي يثبت كلا منهما أنه الأفضل في جذب أكبر عدد أناس لمدرسته الدنيوية.
وتبدأ الأحداث..
شعر عبد الرحمن أن والداه أصبحا لا يهتمان به كما ينبغي.. من حيث الرداء، والطعام، والشراب، و التعليم، والمستوى العام لحياته داخـل الأسرة..
ظل يتابع كثير من الأسر في البلدة التي أنجبت طفلين فحسب، فهما يعيشان في رعاية الوالدين، رعاية تُدخل البهجة في النفس وتفتح أفاق للتفوق؛ فأصابته حاله من الإحباط..
أجتمع بمجموعة من الأطفال في البلدة في مثل ظروفه الاجتماعية وفكروا في إيجاد حل لهذا التكدس الأسرى و الذي لم يع له الأبوين..
وكان الحل.. قرروا التقدم ببلاغ إلى نقطة الشرطة..بلاغا هاما.. ضد الجهل الذي جعل حقوقهم الإنسانية في مهب الرياح..كتبوا في مسودة البلاغ..لم نعد نحس بطفولتنا ولم نستدفئ بأحضان أهالينا ولم نفرح بلعبة في أيادينا...
تعجب الضابط من هذا البلاغ وهم يقولون بزعامة عبد الرحمن أنهم حاولوا كثيرا منع كارثة الانفجار السكاني داخل مسكنهم و إدخال الوعي في عقول الآباء لأضرار الإنجاب الكثير على الأسرة وعلى الدولة كما درسوا وفهموا في كتيبات المدرسة، إلا أن الآباء تجاهلوا كلام الأبناء.. لذا جاءوا يحررون بلاغاً ضد الجهل الذي سيطر على عقول الآباء و الأمهات وهم يتفاخرون بكثرة الإنجاب في العائلة..
وكأن الجهل متمثلا في هيئة كائن غريب الأطوار يسخر من الأطفال وإتباعهم للعلم فيقرر تحدي العلم ليكشف له مدى قوته و كيفية جذب أكبر عدد من البشر لمدرسته.. مدرسة الجهل..
فيشتعل بين العلم والجهل حرباً..
وكأن الأطفال هم الغنيمة..
كانت شرارة التحدي بينهما هي الطفولة حيث الهدف المنشود لجذب الأطفال الصغار إلى المدرسة..أما مدرسة العلم أو مدرسة الجهل.. فمن سيكسب هل العلم أم الجهل؟
يتمثل العلم والجهل للأطفال في صور عديدة، وهيئات تجذب انتباههم ليكونوا تابعين..!!
و يبدأ الصـــراع…
الجهل يحمل كل شيء رديء وغير سوى للأطفال و على رأسهــم عبد الرحمن الذي يعانى من ضياع حقوقه داخل أسرته بعد إنجاب أبيه؛ فيتصدى العلم للجهل وهو يجذب عبد الرحمن وأصدقائه إلى صفة وجعلهم التمسك بالعلم و مدرسته الفكرية ونجاحاته وهو يستعرض المشاهير، والنابغين، و كبار المخترعين، والمفكرين والأدباء و المهندسين والأطباء، ونخبة من المسلط عليهم الضوء في كل مكان..
فالعلم هو الذي جعل منهم ناجحين، ولهم شأن عظيم..بينما نجد الجهل راح يستعرض لهم مدى جمال الجهل وأمثال المجرمين المشاهير واللصوص والجهلاء الذين حققوا ثروات طائلة دون أن يكونوا أصحاب علم أو معرفة تذكر..
وتتوالى الأحداث زوبعة، معارك مستمرة بين العلم بمعرفته، والجهل بجهله..
لنخرج من قضية خاصة بالأطفال إلى قضية عامة لأطفال العالم، لنرى مدى تأثير الجهل من ناحية والعلم من ناحية أخرى عليهم وهم في مراحل النمو الفكري والنفسي ، وكأن هناك بلاغا من الأطفال ضد الجهل في كل مكان على متن الأرض، وكأنهم يدافعون عن طفولتهم .
يقرر الأطفال إعلان الحرب على الجهل بعد أن اقتنعوا بأن العلــم دائما على صواب.. يحاول الأطفال جذب الأهالي إلى صفهم و مساعدتهـم على القبـض على الجهل و حبسه حتى لا يوسوس لهم و يتبعونه في جميع شئون حياتهم في البيت و العمل و الشارع..وفي مناحي الحياة..
هناك من اتبع الأطفال وهناك من ضحك عليهم واتهمهم بالجنـون فكيف يرون الجهل رؤى العين وكيف أيضا يظهر العلم.
يتحالف الأطفال .. ويعلنون جميعا احتجاجهم للجميع عن اللامبالاة التي أصابتهم و جعلتهم لا يدركون مدى تأثير هذا الجهـل عليهم حاليا و مستقبلا..
وهاهو بلاغ أخر لرجال الشرطة ..
ينظر رجال الشرطة إلى هذا البلاغ على أنه شئ عادى .. فهؤلاء أطفال ربما خيل لهم أن هناك جهـل وعلم تمثـلا في صورة أنس أو شبح وهذا ما دفعهم لهذا الاحتجاج والبلاغ.
يقنع العلم الأطفال بأن يساعدهم في جذب رجال الشرطة لمعاونتهم في القبض على الجهل وحبسه فهو مستمرا في عمله ليل نهار ولا يمل ولا يفقد وعيه ولا تضعف قوته ولا تخيب أماله في كل الطرق الملتوية التي يسلكها لجذب البشر لمدرسته..
يقرر العلم بطريقـته في جذب رجال الشرطة لمحاربة الجهل، ومساعدة الأطفال في هذه المهمة.. فقد أثبت لرجال الشرطة أنه يعيش ويتواجد حول البشر.
ويبدأ صراع أخر بين رجال الشرطة والأطفال والعلم مـن جانب والجهل بقوته من جانب أخر و ينقل العالم هذا الحدث من وسائـل إعلام و صحافة و وكالات أنباء عالمية..
وكلـما أفـسد الأطفال ورجال الشرطة بذرة جهل زرعه الجهل في أي إنسان ينكمش الجهل و يظل يبكى و تقصر قامته وتطول قامة العلم ويظل هذا الصراع دائم إلا أن كثير من الأهالي يرفضون هذا الصراع حيــث رجال الشرطة يتدخلون كثيرا في حياتهم لإنقاذهم من الجهــل وهم لا يصدقون أن هناك بالفعل جهل جارى البحث عنه في كل مكان حولهــم بل وداخلهم أيضا.
يخرج الأطفال في الطرقات و يعلنون الاعتصام عن الطعــام والشراب حتى يتعاون الأهالي مع رجال الشرطة ومعهم و مع العلم للقضاء على الجهل الذي يتمثل في أكثر من صورة ويدخل عقولهم و يقودهم إلى الهلاك و يمنع عنهم وصول المعرفة في شتى طرقها البدائيــة والحديثة إلى عـالم التكنولوجيا والاتصالات وشبكات الانترنت والانفتاح على العالم كله كي يكون لهم موقعا متقدما وسط العالم ..
وأخيرا في لحظات حاسمة في أخر لحظات مباراة العلم والجهل ينضم معظم الأهالي للأطفال وقد انطلق بينهم رجل عجوز نال من العلم في الصغر رشفة معرفة أنار بها عقله..راح يقول:
الأهالي في مرحلة صعبة من حياتهم فإما ان ينطلقــون مع العلم إلى العالم كله ويعيشـون علما .. وإما أن يخسرون أولادهم وأنفسهم مع الجهل ويميتون جهلا.. فما أجمل أن تطلب العلم حتى ولو كان في أخر العالم.
يتعاطف الأهالي مع هذا الكلام المنطقي خاصة بعد أن أعلن الرجل أنه سيهدم داره ويقيم عليه صرحا للعلم يكون منارة للعلم والثقافة بمساعدة الأهالي والمتعلمون والمثقفون..
في فرحة عارمة يتراجع الأطفال عن الاعتصام ما أن هاج و ماج الجميع و تكاتفوا جميعاً ضد الجهل الذي ظل يظهر ويختفي للعامة وهو يصـرخ و يقول أنه يعيش داخل عقل كل فرد ولن يقبض عليه ولن يمــوت إلا في حالة واحدة ألا وهي نجاح العلم في اقتحام عقول البشر كافة!
إلى هنا انتهى عبد الرحمن من كتابة القصة، وقبل أن يشارك بالقصة في المسابقة راح يعرضها على أخته رؤية الأصغر سناً، ووالديه والأقارب والأصدقاء كي يبدي كل منهم رأيه فربما لا تنال الإعجاب ولا يشارك بها ويبحث عن فكرة أخرى، وربما تنال الإعجاب ويقوم بتجويدها والتقدم بها للمسابقة ، وربما يعلو سقف أحلامه ويرى القصة مرئية أو مسموعة.
تمت بحمد الله