المخيم
المخيم كلمة إلتصقت بصورة النضال الفلسطيني منذ بدايته وأصبحت رمزاً من رموزه. حينما يذكر الفلسطيني في أي مكان أو زمان يتبادر إلى ذهن المستمع صورة أرض ضيقة مكتظة بالخيم والوجوه تسمى المخيم.
إلتصاق صورة المخيم بصورة الفلسطيني قد يكون نجاحا جديداً أضافه العدو الإسرائيلي إلى قائمة نجاحاته، فقد كانت صورة الفلسطيني مقدسة مستمدة قدسيتها من قدسية المكان والتاريخ، كانت صورة الفلسطيني بريئة مستمدة براءتها من عذرية الأرض وجمالها، وها قد أصبحت صورة الفلسطيني صورة إنسان دون الإنسانية يعيش في خيمة غير مستحق كباقي البشر للعيش فيما يسميه البشر بيت، يعيش على أرض ثمن استئجارها أن يحمد أصحابها كريم فعلتهم ليل نهار لتلطفهم بالسماح له بأن يشيد خيمته على أرضهم.
المخيم لوحة رسمتها يد القهر والإستبداد، ألوانها قاتمة ، الوجوه السائرة فيها تحمل حزن الكون، العيون حائرة ترقب البعيد وتنظر إلى المجهول.
في المخيم تلمس الظلم الذي إبتدأه أبونا قابيل وسخرية الإنسان من إنسانية أخيه الإنسان.
العالم يتكلم اليوم عن طرق جديدة عديدة في فن الرفاهية الإنسانية حيث أن المتطلبات الأساسية من صحة وتعليم وأمن أصبحت أشياء متوفرة سهلة لا حاجة للحديث فيها ، ولا يدرك هذا العالم الغافل أن هناك شيء إسمه المخيم يمشي في شرايينه مزاريب للصرف الصحي تكون رفيق المترف حين يمارس رياضة المشي، وأن الماء وإحضاره أصبح جزءاً من الورد اليومي والمسلسل الذي يجب مشاهدته كل يوم.
المخيم حلقة مهمة في مسيرة النضال الفلسطيني فكما أنه كان أولى محطات الإغتراب الفلسطيني وأول تجربة إنسانية يخوضها الوجود الفلسطيني خارج فلسطين ففي رأيي أن طريق العودة إلى فلسطين لا بد أن تمر بالمخيم.
في بعض الأحيان أرى في نفسي تناقضات غريبة فكما أني أرى وألتمس الوجه المظلم في الأشياء كذلك ألتمس الوجه المشرق أيضا، فالمخيم مع كل مراراته وألوانه القاتمة له بعد إنساني آخر يظهر جلياً في كون الفلسطيني هو الإنسان الوحيد الذي بقي ملتصقا بالأرض وعيناه تسبحان في الفضاء، فقد جهل منذ بداية غربته ثقافة السقف، وليس في قاموسه حدود أو حاجب بينه وبين الحرية، فالمخيم قد أرسى قواعد الحرية وكسر القيود في جذور الفلسطيني مع تجسيد المعاناة في روحه وهذه هي بذور الإبداع الإنساني.
فالمخيم ليس بحراً من الوجوه الحزينة البائسة المنكسر بل شلال من الوجوه المبدعة الثائرة ، التي تدرك معنى الحرية بمفهومها الكوني وماهية زرقة السماء وأبعادها اللامتناهية والتي تستشعر ليل نهار عبق رائحة الأرض، رائحة فلسطين.