الأحد ٢١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى معروفي

المتنبي

يبقى المتنبي (303 ــ 354 هجرية) علامة مضيئة في مسيرة الشعر العربي، فهو مالئ الدنيا وشاغل الناس، وأنا هنا لا اريد سرد حياته، فما من أحد لا يعرف المتنبي ولا يعرف نبذة عنها، فنحن درسنا في ال/رحة الإعدادية وفي المرحلة الثانوية و المتنب كان ملء أعيننا وأسماعنا، نتمثل بأبياته ونحفظ قصائده المقررة علينا وحتى غير المقررة أحيانا، وعبد ربه هذا تشرب التعلق بالمتنبي منذ مرحلة الدراسة بفضل الأساتذة الذي درسونا وإن فضلهم علينا في ذلك كان كبيرا.

من الأبيات التي كنا نرددها ونتمثل بها للمتنبي وهي أبيات كثيرة بيت كان رطبا في ألسنتنا يجري عليها بسلاسة وهو:

ما كل ما يتمنى المــــرء يدركــــه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ

ولكي يكون حديثنا عن البيت ذا مصداقية نورده في سياق القصيدة أو الكلام كما يلي:

يـا مَـن نُـعيتُ عَـلى بُـعدٍ بِمَجلِسِهِ
كُـــلٌّ بِـمـا زَعَــمَ الـنـاعونَ مُـرتَـهَنُ
كَـم قَـد قُـتِلتُ وَكَـم قَد مُتُّ عِندَكُمُ
ثُــمَّ اِنـتَـفَضتُ فَــزالَ الـقَبرُ وَالـكَفَنُ
قَـد كـانَ شـاهَدَ دَفـني قَبلَ قَولِهِمِ
جَـمـاعَةٌ ثُـمَّ مـاتوا قَـبلَ مَـن دَفَـنوا
مــا كُــلُّ مــا يَـتَمَنّى الـمَرءُ يُـدرِكُهُ
تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ

الخطاب هنا موجه إلى سيف الدولة، والسبب هو أن مجموعة من أعداء المتنبي أشاعوا موته وهو في مصر عند سيف الدولة ،وقد شمتوا به، فرد عليهم القصيدة التي مطلعها هو:

بِـمَ الـتَعَلُّلُ لا أَهلٌ وَلا وَطَــنُ
وَلا نَديمٌ وَلا كَأسٌ وَلا سَكَنُ

والحاصل أن المعاني التي خطرت للشاعر في هذه القصيدة نجملها في الآتي:

ـ الكل سيموت ولذا من المفروض أن لا داعي للشماتة بموت أحد.
ـ أن الشامتين تعللوا بأمان ليس في محلها ،وهي هلاك الشاعر.
ـ من أشاع خبر وفاة الشاعر كذبا ربما هو الذي أصبح متوفى.
ـ بلوغ الأماني لا سلطان للشاعر عليه.

والمستفاد من خلال ما مر قوله هو:

ـ كلمة الحق لا بد أن تقال.
ـ الشماتة تجزى بمثلها.
ـ ما دام المرء على قيد الحياة فقد يتعرض للمحن ويعاني من صروف الدهر.

في البيت الأخير (ما كل ما يتمنى...) نرى المتنبي ينتقل إلى التفكير في الأماني وهل يتوفق المرء في تحقيقها؟

إن المرء ليس دائما يتوفق في تحقيق ما يتمناه، فهو هذه المرة يتوفق، وفي المرة الأخرى يخفق وهكذا...

البيت كما نراه يصلح لكل زمان ومكان، وقد حاول الشعراء قبل المتنبي معنى البيت، فلم يستطيعوا بلوغ شأو ما بلغه المتنبي، فهذا أبو العتاهية يقول:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه
رب امرئ حتفه في ما تمناه

فهيهات ما بين الشاعرين، فالمتنبي أوسع أفقا في بيته من أفق أبي العتاهية في بيته.

والمعنى الذي توخاه المتنبي في بيته وقصد إليه يبدو أنه أخيرا راجعه بفعل ما مر به من نوازل الحياة وتبعاتهافقال:

الأمر لله رب مجتــهدٍ
ما خاب إلا لأنه جاهدْ

وفي الأخير أقول:

إن المرء ليشعر بالفخر حينما يرى نفسه ينتمي إلى أمة لغتها هي العربية وفيها شاعر في قيمة وعظمة المتنبي.

ودامت للجميع الأفراح والمسرات.​


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى