اللجنة الأخرى
استفاق مبكرا على غير عادته. أحس بحرارة تغزو أعماقه وبالدنيا تسود وتضيق كأنه محشو وسط قفص حديدي. عيناه ضاقتا تقززا من رائحة هذا الصباح النتنة. ووجهه يغزوه شحوب وازرقاق وكأن هناك من يضغط بكل قوته على رقبته ليفجر ما بقي متماسكا فيه حتى اللحظة. حملق في الساعة الحائطية. السادسة صباحا. تناول فطوره بسرعة كالبرق. عدل نظارته الغامقة قبل أن يندفع إلى الغرفة المجاورة(الإدارة) رتب الملفات والوثائق الملقاة على المكتب. عطر الغرفة بعطر"سنطال" وقال يخاطب نفسه: من سيأتي في هذه اللجنة؟ النائب...؟ المراقبة التربوية؟... بلغ ريقه المنحبس في الحلق. ثم قذف بنفسه إلى الساحة، مشى متمهلا يتفقد الأقسام وحديقة المؤسسة. ومجموعة من الأسئلة تتضارب بداخله. لم يستطع الاستمرار في المشي. سكت هنيهات ثم قال:"ماديرش ما تخافش".
الساعة الآن الخامسة، اللجنة لم تأت بعد. انزوى في صمت مترقب. اخترع لذاكرته شاشة. استعرض عليها انتظاره لقدوم اللجنة.وكيف قضى يومه المشؤوم المملوء بالترقب. اخترق صمته كلام الطباخة يامنة هي تسأل: "أسي المدي، بغيتي خبيزه تعتق بها الروح؟"لم يرد عليها. كان يتصبب عرقا. وأطرافه ترتعش، يالهول الانتظار. أيكون ما وصلني حقيقة أم مقلب من أحدهم؟
أغلق الباب. تنحنح مستعدا للنوم. اتجه نحو النافذة. أسدل ستارها ثم ألقى بجسمه الفحمي فوق سرير مترهل. تحسس أين وضع روايته المفضلة. أشعل شمعة. قرأ فقرات من رواية"اللجنة".
ترك الكتاب. ثم وضع يده النحيلة فوق بطنه وهمس: هكذا تكون المقالب.