الخميس ٢٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح مهدي محمد

الغربة

كأنني أفتح نافذةً على فراغ،
لا ريح تدخل،
ولا غيم يجيء،
فقط ارتداد أصواتٍ بعيدة
لأسماءٍ ذابت في ليلٍ قديم،
ولوجوهٍ عبرتني
مثل قناديل أطفأها البحرُ
في منتصف العاصفة.

الغربة:
فراغُ كرسيٍّ
لم يجلس عليه أحد،
سكونُ كأسٍ لم تُرفع منذ سنين،
وأبوابٌ تُغلق برفق
كأنها تخشى الاعتراف بما في الداخل.

أمضي في مدينةٍ من زجاج،
أسمع نفسي تتكسّر عند الأرصفة،
كلّ وجهٍ أصادفه
يحمل لغةً لا تُترجم،
وكلّ ابتسامةٍ تُقدَّم لي
تتفتّت بين أصابعي
كحجرٍ باردٍ في حضن الليل.

الغربة أن تحاور الجدران
فتردّ عليك بصدى لا يشبه صوتك،
أن تنام على سريرٍ
فتحسّ أنّ جسدك يطفو فوقه
كقاربٍ بلا مجداف،
أن تلمس قلبك
فتكتشف أنّه مدينةٌ هُجرت
ولم يتبقَّ فيها
غير نافذةٍ تهتزّ في الريح.

أحيانًا أرى نفسي ظلّي،
أتمدد على أرصفةٍ مجهولة،
أتنقّل من حنينٍ إلى آخر
كما يتنقّل الجرح بين نبضين،
وأتساءل:
هل أنا العابر،
أم الطريق هو الذي يعبرني؟

الغربة:
حينما تستيقظ
وفي داخلك مدينةٌ كاملة
تُطفئ مصابيحها واحدًا واحدًا،
أن تبحث عن بيتك
فتجده محشوًّا بالفراغ،
أن تفتّش في ذاكرتك
فتعثر على نفسك
جالسةً على درجٍ مهجور،
ترتجف،
وتسألك بصوتٍ خافت:
«هل ستعود،
أم أنّ العودة وهمٌ آخر؟»


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى