الشخصية القصصية النسائية
زياد خداش كاتب فلسطيني تخصّص في كتابة الأقصوصة وله فيها إنتاج غزير. وقد بدأ في السنوات الأخيرة يكتب الأقصوصة القصيرة جدا .ولكن مهما كان حجم وشكل ما يكتب من أقاصيص فإنه أثار جدلا حول منزلة المرأة في كتابته وهذا ما دعانا للنظر في ما وقع تحت أيدينا من أقصوصاته التي تناول فيها المرأة كذات أو كموضوع يرتبط بالمجتمع. وهي نصوص اشتغل فيها زياد خداش على الشخصية القصصية حتى يتسنى لها مساوقة المقصد .وفي هذه الأقاصيص نلمس وعي القاص بمكانة الشخصية في الأقصوصة إذ هي تعدّ حجر الزاوية في الكتابة القصصية وعليها تنهض الأحداث "ولا شك أن دراسة الشخصيات في حدّ ذاتها أو في علاقات التشابك التي يحدثها نسيج السرد بين أفرادها أومجموعاتها مبحث أساسي...ومن البديهي أنّ عالم القصّ لا يخلو من وجود شخصيات..ولولاها لانتفى السرد وانعدمت المواضيع التي تتحدّث عنها الأفعال..(1)". ومن النقاد من ذهب إلى أن الفرق بين المقال والأقصوصة هو وجود الشخصية القصصية وهو ما يعطي الشخصية أهميتها في الحكي عموما. وفي حوار أجري مع خداش صرّح بأنه يرفض تسمية الشخصيات بالأبطال ويسميها:"شخوصي ولا أحبّ كلمة أبطال أبدا"(2)وهو يؤكد بذلك أنهم منه وإليه يتعالق معهم ومع ما يرمزون إليه "وكأنهم فكرة عابرة مرّت في ذهن رجل حالم"(3)
ولأن الكتابة عمليّة واعية فإن خداش الذي أعلن وفاءه لهذا الجنس الأدبي عبر عشرات الأقاصيص قد تخيّر شخصيات دالة تمكّن من شحنها بآرائه ومواقفه من الكون والأشياء.وحين سُئل عن المصدر الذي يستقيها منه أجاب :"شخوصي منتزعون من عالم الخسارة فهم محبطون ومطاردون وتائهون وفي الإحباط والتيه والمطاردة تتجلى وتنفجر وتتلوى حدائق الفن"(4). ولأن الفن ليس بريئا كانت "شخوص"خداش ولاسيما النسائية منها حمّالة لأفكار كثيرة تشدّ انتباه الدارس وقد اعتمدنا ثلاث أقاصيص لخداش لنستجلي منها بعضا من آرائه في المرأة والمجتمع وهي "خذيني إلى موتي" و "أربعون عاما بلا أخت" و "في مديح المرأة الطفلة"
1-خذيني إلى موتي
أقصوصة أعطت اسمها للمجموعة القصصية التي وسمها زياد خداش" بخذيني إلى موتي" وليس الأمر من قبيل الصدفة أن نجد لخداش عناوين كثيرة تتعالق مع المرأة.وقد دارت هذه الأقصوصة حول شخصية "امرأة" اقتصد القاص في تقديمها للقارئ أّيّما اقتصاد لتكون شخصية نمطية تنضوي تحت شالها النساء جميعا أو لنقل عددا لا بأس به منهن.أطلت "امرأة" علينا بلا اسم ولا إشارة إلى سنّ أو هيئة... امرأة غائمة ، ضبابية ،وقد توسطت شبكة من العلاقات الرجالية:زوج خباّز، وابن أخ له شاب ،وولد رضيع. والحلقة الفاصلة الواصلة فيها هي "النهد" الذي ركّز القاص عليه جهوده السردية وجعلها مدار النص وحجر الزاوية في الكشف عن بواطن المرأة "لم تعرف –المرأة- يوما وظائف أخرى لنهديها سوى الإرضاع".فالنهد كان يختزل كيان هذه المرأة ويجعل لها كبير مكانة في عين الرجل. وقد رضيت بهذا الدور واطمأنت إليه.وقد وصف السارد حالتها النفسية في بداية الأقصوصة وهي في حالة تناغم مع محيطها "على أريكة الشرفة تتمدّد المرأة سعيدة هادئة". هذا الهدوء النفسي والسكون الجسدي مردّدهما انسجامها مع ما حدّد لها المجتمع من دور فيه وفي الأسرة.وقد بدت "المرأة"شخصية بلا انتظارات ولا رأي ولا موقف، تعيش السكينة بمعنى انعدام الحركة الداخلية في سكون هو بالموت أشبه "الأفق أمام المرأة مخطوف بالرجال وحبال الغسيل والعمارات"(5).امرأة انتُزع منها عالمها لأن "الرجال" والمهام المنزلية "حبال الغسيل" والمجتمع "العمارات"-معمار القيم والثوابت والأعراف- كل هذا يُسمرها في دورها الذي خُلقت له.
امرأة"خذيني إلى موتي" أمّ ترضع وليدها و"تبتسم بهناء كبير"(6)،وهي ترقب مشهد الرضاعة من فوق، يعلق السارد بقوله:"ثمة حياة كاملة باقتراحاتها ومخاوفها وسعادتها تتكّون الآن بفضلها"(7).ومشهد الإرضاع هذا مشهد يتكرّر في الأقصوصة ليشكّل مركز ثقلها ومدار مقصدها وهو المسمار الذي قال عنه تشيكوف بأنه إذا وُجد في الأقصوصة فلكي يشنق عليه البطل.مشهد تعيشه المرأة مع رضيعها في علاقة أمومة. ولكنه يتكّرر فيعرضه السارد مع الزوج الخباز"الغارق في طحينه" والذي يشبّه نهديها في علاقتهما الحميمة "برغيفين غير جاهزين أبدا للأكل وكانت تضحك بصوت عال دون أدنى شعور إثارة لأنها لا ترى لنهديها إلا وظيفة واحدة فتستسلم له وذهنها شارد في مشهد رضاعة طفلها البديع"(8). والدلالة في ما ذكر الراوي جليّة. وهي أنّ النهد الذي يرتبط في اللغة العربية بالجنس والإثارة والرغبة وهو عنوان الأنوثة وعنفوانها. لم تكن البطلة تراه إلا "آلة" إرضاع ، فتغيب الأنوثة كميسم مميّز لها كامرأة وتتضخم الأمومة لتختزل فيها كل كيانها ،أمومة تستحوذ على كل أبعاد المرأة وتختصرها، فلا تتمكّن بعد ذلك من أن تخطّ مسلكا لأنوثة غائرة فيها وتمنحها أهم مياسمها ككائن له حق الشعور بما يقدّم الجسد من إحساس بالمتعة والامتلاء .وصدى هذه الأنوثة المهدورة يتمظهر في حضور كلمة"نهد" كبديل لكلمة ثديّ،ذلك أن ما أنجزته البطلة على امتداد الأقصوصة لم يكن إلا إرضاعا، وللإرضاع يستعمل الثدي لا النهد .ولكنّ القاص يتعمّد الإحضار ليؤكد التغييب فيحضر النهد ليدلل على غيابه . فالثدي عضو الأصل فيه الإرضاع بينما النهد له من المعاني الحافة ما يحيل على الجنس. ولم نجد الراوي يذكر مرّة واحدة كلمة ثدي في حين أن لفظة نهد تكررت كثيرا. نهد البطلة "المرأة" ثدي يقدم الحياة لرضيعها وهو في الآن نفسه يستحضر في ذهن زوجها رغيف الخبز. ولكن متى سيكون ملكا لها هذا العضو الرامز للأنوثة ؟
الإجابة يحملها إلينا مشهد الإرضاع المعاد للمرّة الثالثة ولكن في سياق جديد، سياق شبقي مُحرّم يدعوها إليه ابن أخ زوجها الشاب الذي كانت قد أرضعته حين ماتت أمه وهو رضيع.ولئن رفضت "المرأة" الطلب في البداية إلا إنها عادت واستسلمت للرّاضع الشاب بعد ما أثاره في قلبها من شفقة عليه"أمسكت رأسه وقرّبته من نهدها الأيمن وقبل أن يعيد ارتشاف قطراته القديمة سمعته يهذي اللهب، اللهب، خذيني إلى وطني، خذيني إلى موتي"وهو إرضاع أربك وإلى الأبد علاقة هذه المرأة بنهديها ، فقد بثّ فيها الشاب من لهبه ف"تذكرت المرأة أن كل شيء ينام إلا اللهب وحده يبقى صاحيا وعارفا"(9). وبآخر إرضاع نصل إلى لحظة التنوير في الأقصوصة التي تنطوي على مفاجأة أرادها السارد للقارئ وإن كانت في الآن نفسه مفاجأة ل"المرأة" نفسها التي فوجئت بأن لنهديها وظيفة أخرى غير إشباع الآخر.فارتجّت من الداخل وخرجت "بنهدين هائلين وحرّين مخبّأين بخبث وإهمال مقصود تحت قميص نوم أزرق بلا أزرار تمشي المرأة الغريبة باتّجاه مكان ما.."(10). وفي خروجها انفصال عن عالمها القديم الساكن الذي لم تكن فيه إلا متفرّجة على الحياة من شرفتها مقدمة للآخر حياة ومتعة .وقد فكّت قيودها عندما فكّت أزرار ثوبها وحررت نهديها رمز الأنوثة في تمرّد على السائد الذي يسلط قيوده عليها ويؤطر حتى علاقتها بجسدها وامتلكت أخيرا نهديها واستعادت أنوثتها الضائعة ووجدت" المرأة "طريقها إلى جسدها في مصالحة أخيرة.وقد أبقى السارد على الإتجاه الذي سلكته عند خروجها مجهولا مورطا القارئ في قراءة تأويلية حاملا إياه على التفكير في "المرأة" رمز المرأة عموما التي يعرف الجميع سبل الاستفادة منها ويعي كل واحد ما يمكن أن يأخذ منها جسدا وروحا في حين تظل هي الوحيدة المنفصلة عن ذاتها وعن جسدها لتسعد الآخرين. الأقصوصة دعوة إلى التفكير في وضع المرأة باعتبارها جسدا وروحا.وقد مرّر السارد بخبث خفيّ ما يمكن أن تصادفه "المرأة" من أحكام قاسية عندما نعتها في آخر الأقصوصة ب "المرأة الغريبة" فهل هي غريبة من الاغتراب الحاصل ما بين جسدها والروح ؟أومن الغربة التي تلقاها كل "مارقة" عن المسطورو متمرّدة على سائد الأعراف؟
أربعون عاما بلا أخت
تصدّرت المرأة العنوان مرة أخرى فكانت "أخت"بينما الراوي هو الأخ المتكلم في النص المضطلع بالرواية "فتغدو الأقصوصة أشبه بمذكرة شخصية"(11) تعلّم بالقارئ وتؤثر في نفسه.وقد سعى الراوي لإبراز منزلة الأخت في حياته"لو كان لي أخت لما كنت أنا.بالتأكيد سأكون أخا جميلا..لو كان لي أخت ربما لما أخفقت كل علاقاتي العاطفية،ولتدرّبت جيدا على تحسّس دروب الروح ومسالك الجمال الداخلي،لصار عندي للنهد وظيفة أخرى غير إطفاء لهب الرجل"(12).
يظهر على أديم النص مدى حاجة الرجل "الأخ" للمرأة "الأخت"ويظهر في المسار نفسه مياسم المتحدّث عنها "غادة" البطلة /امرأة متجذرة في الواقع لها شبيهات في مجتمعنا العربي "متوسطة الجمال وعنيدة"(13)ولكنّها " غامضة وصامتة" .والغموض والصمت صفتان عبّر عنهما الراوي في مكان آخر من الأقصوصة "أقف حائرا أمام غموض مواقفها وارتباك سلوكها"(14) وفي ذلك إشارة إلى ما تعيشه المرأة من تضاد بين ما تتسم به من ذكاء وفطنة وما يظهر في سلوكها من غموض وارتباك.وهي ازدواجيّة تعاني منها المرأة العربية وتحملها على أن تكون" غامضة وصامتة" لا تُجاهر بما تُفكر به نتيجة لما رسمه لها الرجل "الاخ" من توقعات وعليها أن لا تخرق أفق انتظاراته حتى تظل منسجمة معه ومع عالمها.وقد اتّصفت الأفعال القليلة التي أسندها لها السارد"الأخ" بالمخاتلة وعدم المواجهة وهي أفعال أنجزتها الأخت خلسة وفي غفلة من الأسرة "تأتي متأخرة إلى البيت فأترك لها الباب مواربا تواطؤا معها لتتسلل بقدميها الحافيتين إلى غرفتي /غرفتها"(15).
ولكن الراوي المتواطئ مع الأخت يرسم لها صورة أخرى، صورة طموحة يشكّلها في أحلام اليقظة كحلم مشروع وممكن التحقيق هو أحد البدائل عن السائد في حال المرأة التي يريدها الكاتب. امرأة مختلفة عمّا هي عليه، يريدها إنسانا "بأخطاء وندم وحنان وقلب كبير..."(16) وفي تساؤل قد يُقرأ بلاغيا على أنه يفيد معنى التمني والتعجيز "من؟ من؟من يُعيرني أختا مجنونة بعودات متأخرة إلى البيت،وثقة بالنفس،وقدمين حافيتين،وسجائر ونبيذ مهرّبين"(17) إنها المرأة الجديدة الواثقة، المُريدة،القادرة على المواجهة والتجاوز حتى وإن عٌدّت مجنونة لأن الكاتب يعلم أنه من الجنون أن نخترق ما سطّر المجتمع.
غير أن الأخ/السارد سرعان ما يعود إلى الواقع فيُحجّم حلمه بهذا النوع من النساء ليرضى بأقل من ذلك راسما أختا/امرأة ممكنة الوجود تقترب من المرأة العربية المنهكة من العمل وأعباء الحياة "أختا ذات جمال شاحب ،وملامح متعبة،وتنهدات جاهزة،وحيرة أنثوية باهرة"(18)
إنها امرأة زياد خداش مفقودة حينا وموجودة أحيانا ولكنها منشودة.تفهّمها وأحسّ بمعاناتها حين افتقدها فسلّط عليها رؤية مسكونة بالحب والحاجة فأمكنه عندئذ أن يقبلها كما هي .استعار لها صورة الأخت لأن المرأة أخت للرجل في هذا الوجود كما هي أخت في الإنسانية يريدها سندا وشريكا في كلّ مراحل العمر.رسمها السارد انطلاقا من الواقع ومن الحلم، امرأة حرة ومتمرّدة "بمريول أخضرودفتر رسم ونظرة ذكية وروح حرة واستعداد أبدي لتكسير المساطر" (19).
"أربعون عاما بلا أخت"ترجمة سردية قصصية لمواقف القاص وقد عبر عن ذلك في مقاله"امرأة جديدة...رجل جديد" يتوّجه فيه بالحديث إلى الرجل داعيا إيّاه إلى إنشاء علاقة فريدة مع المرأة قوامها مراجعة الرجل لنفسه"أن تكون رجلا جديدا يعني أن تنسجم أفعالك مع أقوالك أن تفهم هذا الكائن فهما إنسانيا وعلميا وضميريا أن تعرف أنه لا يختلف عنك سوى بالبيولوجيا.."(20)
إن هذه الأقصوصة تختزل مواقف خداش المثقف من المرأة باعتبارها كائنا يقاسم الرجل الوجود وغيابها إرباك لحياته وقد وُفق توفيقا كبيرا حين جعلها تُسرد بضمير المتكلم ليحمل المتلقي على مشاركته تجربة فقد هذا الكائن/الأخت بالمعنى الواسع للأخوة فيفجّر فيه ضروبا من الأحاسيس التي ما كان له أن يختبرها لولا الالتباس الحاصل بينه وبين البطل في النّص حين أعاره صوته لقراءة الحكي مورطا إياه مرة اخرى في ما تمثله المرأة من أبعاد ودلالات في حياة الرجل.
في مديح المرأة الطفلة
وهذه "امرأة" أخرى بلا اسم ولا سن ولا عنوان..شخصية نمطية جديدة تنضاف إلى طابور الواقفات في أقصوصات خداش .تبدو غائمة للوهلة الأولى ولكن مع تقدم حركة الحكي تبدأ الشخصية في التبلور والتجلي فهي امرأة يتوجّه لها السارد بامديح "تفيض بالبراءة والثقة الهائلة بالعالم" وتتسم بالانسجام الكامل مع عناصر الطبيعة وكأنها جزء منها.هي كائن شفاف،نوراني ،ملائكي"لو حدث وتعثّرت بشيء ما، ملاءتها أو كتابها،مثلا تنحني بوداعة غزيرة وترسم قبلة اعتذار حميمة على الشيء الذي تعثّرت به فيندفع فجأة في هذا الشيء مطرلا ينقطع"(21 ).
قدم السارد الطفلة متلحّفة بغلالة عشتار البعث ، تبعث الحياة في كل ما تلامس من مخلوقات "تمسك المرأة الطفلة بالجسد الميّت والرقيق،الذي يكاد يذوب بين أصابعها،تقربه من عينيها العميقتين،الخرافيتين،العينان مبتسمتان كما هما دائما،جسد يتحرك،الرأس النائم الصغير ينهض من إغماءة طويلة،والأجنة الهشة تخفق...الفراشة تعود إلى طبيعتها..." إن المرأة الطفلة تبدو الحياة نفسها حين يسبغ عليها السارد من النعوت والصفات ما يجعلها تّتحد مع الزمان والكائنات "تهمس المرأة الطفلة ،أو يهمس الليل أو يهمس العصفور"(21) . المرأة طفلة في هذه الأقصوصة تعيش سعادة مثالية وصفاء روحيا ولكن السارد يُنغّص عليها هذا الكون الداخلي بما يحيط بها من "رجال" يفسدون عليها عالمها "تمشي المرأة الطفلة وكأنها تسير في حقل ألغام فأينما تتحرّك يلاحقها الناس بالعيون والإشارات".وهي جاهلة بلغتهم هذه ولا تفهم مراميها"لاتعرف المرأة الطفلة المعاني السيئة للأشياء"(22 )إنها تعيش خارج زمنها، لما أحاطت به نفسها من جميل الأحاسيس ونبيل الأفكار و بالتالي هي "لا تعرف..لا تعرف أن وقوفها مع صديقة..تضحك..سيحسب عند الرجال وقاحة وعيبا"( 23).ويستمر السارد في تعميق الهوة بين الشخصية والمجتمع حين جعلها ضحية صفة نبيلة هي البراءة التي ما أمكن حتى للأب والأخ- وهما الأقرب لها - من تفهّمها "لا تستطيع أن تفهم قلق أخيها او أبيها من براءتها الزائدة عن اللزوم" .فتشعر أنها مستهدفة من قبل عالم ينعته الراوي بقوله "خشنا ومعاديا يغطّ في مؤامرته وجرائمه،وحساباته،...وينهض البشر يفركون عيونهم بأيديهم الفظة يستعدون ليوم صاخب بالركض، وحافل بالسباب والصياح والقلق".(24)
جعل السارد الصدام والصراع بين شخصيتين في الأقصوصة شخصية مفردة رقيقة حالمة تحمل القيم في جوهرها الخالص هي المرأة الطفلة وأخرى جماعية كنى عنها السارد بالرجال وهم في الحقيقة اختزال للمجتمع بقيمه المنحلة .
الخاتمة
لئن كانت الأقاصيص الثلاث مختلفة في الظاهر إلا أنها جمّعت ما يشكل جملة الأبعاد التي تمثل المرأة الإنسان بما هي جسد وروح ومنزلة في المجتمع والوجود.وقد وظّف خداش محامله الفنية بخبرة فائقة .فحين راوح بين الشخصية النمطية - الأقصوصة الأولى والأخيرة -والشخصية المرجعية –الأقصوصة الثانية- قصد أن يكون الطرح المضموني مضارعا لطبيعة الشخصية . فكلما كان الموضوع عاما كانت الشخصية أشد ضبابية لتكون رامزة، دالة على عموم الفكرة .لذلك غُيّبت الأسماء والصفات ... إذ أن هاتين البطلتين تختزلان علاقة المرأة العربية بجسدها وهي مسألة تتسع لتنسحب على شريحة كبيرة من النساء ،كما أن علاقة الرجل بها وما تعنيه له ينسحب بدوره على شريحة أكبر من الرجال.أما المرأة /الأخت فقد أطلق عليها السارد اسم غادة.ويقول رولان بارت:إن الاسم العلم سيد الدوال فمعانيه المصاحبة ثرية وهي اجتماعية ورمزية(25).وقد قربها من قلب الأخ وفكره وجعلها في صور مختلفة وهيئات متباينة لتكون المرأة الواقعية ولكن في علاقة مثالية منشودة هي في نظرنا رسالة إلى الرجل الذي صوره خداش ينشد المرأة في كل آن وبالذات في سن الأربعين ملمحا بذلك إلى أوان نضج الرجل واكتماله وإبان فهمه للدنيا ،وقتها جعله ينظر النظرة المحب المتفهم وهي النظرة التي يجب أن ينظر بها الرجل عموما إلى المرأة مطلقا.
المصادروالمراجع
*خذيني إلى موتي :مجموعة قصصية صدرت عام 2005عن دار الماجد رام الله
*أربعون عاما بلا أخت وفي مديح المرأة الطفلة:من مجموعة شتاء ثقيل وامرأة خفيفة عن دار فضاءات عام 2008
1- مقاربات في الرواية والأقصوصة:بشيرالوسلاتي.منشورات سعيدان سوسة تونس
2-3-4:حوار مع زياد خداش موقع زياد خداش الالكتروني
5-خذيني إلى موتي
6-7-8-9-10:المصدر نفسه
11-12-..........19:أربعون عاما بلا أخت.
20-حوار مع زياد خداش
21-22-23-24:في مديح المرأة الطفلة.
25-عن عبد الفتاح ابراهم في البنية والدلالة في مجموعة "الوعول"لحيدر حيدر.د
ت ن1986
– الأقصوصة العربية ومطلب الخصوصية:حاتم السالمي مالنصر القيروان2006
– الأدب العربي الحديث دراسة أجناسية:أحمد السماوي.مركز النشر الجامعي