الحقيبة
قصة الحقيبة لمحمود البدوي
دخلنا فى عاصفة عاتية قبل أن نبلغ طوكيو .. وأخذت الطائرة الضخمة تتأرجح وتلعب بها الأنوار .. وكان بجوارى راكب من سنغافورة .. لم يستطع أن يصمد فى كرسيه فأخذه القىء .. وخشيت أن تصيبنى عدواه .. بعد أن أصبحت المضيفات الثلاث عاجزات عن إسعاف الركاب لكثرة من أصيب منهم بالدوار فى ساعة واحدة .. فتحركت من مكانى إلى أربعة صفوف أمامية فى الدرجة السياحية .. كانت خالية تماما من الركاب ..
واسترخيت على الكرسى الطويل .. معلقا عينى بعد أن أغلقت أزرار المصابيح المضاءة فوق رأسى .. وزر مكيف الهواء أيضا .. فقد كنت أود أن أنام .. وأغيب عن وعيى حتى تنجلى العاصفة .. ولقد أفلحت فى هذه المحاولة فعلا وانقضت فترة طويلة وأنا لا أحس بشىء مما يجرى حولى .. ثم فتحت عينى فوجدت المكان قد شغل براكب آخر .. ولعله آثر أن يفعل كما فعلت .. ولكنه لم يكن فى مثل حالى ..كان متيقظا تماما وليس على وجهه أى أثر للإعياء ..
ولما رآنى أفتح عينى وأحدق فيه برهة قال بإنجليزية فيها لكنة .. لقد مرت العاصفة ..
وأشار إلى اللافتة المضيئة التى تحمل فى مضمونها هذا النبأ .. والتى تعلن فك الحزام الذى يربطنا بالكرسى ..
وقدرت من جلسة الرجل وملامح وجهه أنه صينى من هونج كونج أو تاجر من أهل سيام .. ذاهب فى مهمة إلى طوكيو .. ثم ظهر لى من حديثه أنه يابانى من سكان طوكيو نفسها وأنه كان فى مهمة فى الخارج وعاد إلى وطنه .
ولما علم أننى مصرى فى رحلة سياحية إلى طوكيو .. تهلل وجهه ..وقال :
– لقد تخلصتم من الاحتلال الإنجليزى بضربة قوية .. وسنفعل مثلها لنتخلص من الأمريكان ..
– إن شعبكم قوى ولا يمكن أن يرضى بأى احتلال ..
– لقد فرضته علينا الحرب .. وهذا أشد شر فيها ..
وانطلقنا فى فنون الأحاديث .. وكلما مرت دقيقة ازداد الرجـل مودة لى والفة .. وطلب من المضيفة كأسين من النبيذ ..
ثم أخذ يقص علىّ سيرة حياته ويفتح لى من طوايا نفسه .. حتى علمت منه أنه عضو فى جمعية لمقاومة الاحتلال الأمريكى لليابان ، وأنه كان فى مهمة خطيرة ويحمل معه فى هذه اللحظة حقيبة صغيرة .. وفيها أشياء لو ضبطت معه سيعدم ..
وسألته :
– أين هى ؟
– هناك على الرف ..
وأردف ببساطة :
– هل يمكن أن تحملها عنى .. إنى أنمر فيك مذ ركبنا الطائرة .. ولن يفتشوك فى الجمرك ولن يفتحوا حقائبك اطلاقا ..
– وإذا فتحوها..
– لن يمسوا منك شعرة .. لنا وسائلنا ..
– ما دامت الحقيبة تساعد على انهاء الاحتلال فى اليابان .. فإنى احملها كجندى متطوع ..
فتهلل وجهه أكثر .. وقال بابتهاج :
– هذا ما قدرته .. إنك باسل ..
وأعطانى بطاقة فيها العنوان الذى أحمل اليه الحقيبة .. إذا حدث شىء يمنعنا من المقابلة فى بوفيه المطار .. بعد أن تتم جميع الإجراءات .. وطلب كأسين من النبيذ ..
وناولنى الحقيبة ولم تكن عليها أية بطاقة فوضعتها بجانبى ببساطة ..
والواقع أننى كنت أتصور أن المسألة سهلة .. ولكن لما هبطت الطائرة على الأرض وأمسكت الحقيبة فى يدى شعرت برجفة هزت كيانى كله .. ولم تكن ثقيلة ولكننى أحسست بها تخلع كتفى ..
وكان معى حقيبة أكبر منها على الرف ومعطف .. فاضطررت أن أرتدى المعطف مع أنه لم يكن هناك برودة .. لأستطيع أن أحمل الحقيبتين ..
ونزل مسيو كوجا أمامى على سلم الطائرة .. ونزلت وراءه .. ولكنه اختفى عن نظرى ..ثم ظهر مرة أخرى فى صالة المطار الكبرى عندما اجتمع جميع الركاب .. وأخذ موظف فى المطار .. ينادى الركاب بأسمائهم وشعرت بالاضطراب الشديد وأنا واقف وحدى .. وقلت لنفسى من يدرى .. لعل الرجل خدعنى بالحديث الوطنى وأشعل فىّ النخوة .. وهو فى الواقع ليس أكثر من مهرب وليس فى الحقيبة سوى مهربات جمركية .. عملة مهربة أو جواهر ..وإذا ضبطت ستكون فضيحة لى .. لقد البسنى الرجل التهمة بكل بساطة وهرب .
وظللت فى دوامة عاصفة من الخواطر أكثر من ثلث ساعة .. وأنا جـالس فى صالة المطار ..
ورأيت أن حركة انجاز أوراق الركاب تتم ببطء ودقة .. مع أننا لم ندخل منطقة الجمرك بعد .. فكيف إذا دخلناها .. وندمت على تسرعى .. وبحثت عن الرجل لأرد له الحقيبة ولكننى لم أجده فقررت أن أتركها .. بجانب الكرسى ..
ولكن عندما دخلت من باب الجوازات كانت فى يدى وتركت الأمر للمقادير تفعل بى ما تشاء ..
ولما دخلت المنطقة الجمركية بعد إجراءات طويلة معقدة .. وجدت حقائبى كلها قد أخرجت من الطائرة ووضعت داخل الحاجز الجمركى مع حقائب الركاب ..
وكان موظفو الجمارك فى الناحية المقابلة لى يفتشون حقائب أخرى .. ولاحظت أنهم يفتشون كل حقيبة تفتيشا دقيقا ..
وجاء دورنا .. رفعوا حقائبنا عن الأرض ووضعوها على الطاولة المستديرة .. ولكننى بقيت فى مكانى لم أتحرك .. ظللت بعيدا وعقلى يشتغل بسرعة ..
وعندما جاء فوج من الأجانب وقدرت أن فيهم بعض الأمريكان وقفت فى زحمتهم وحقائبى كلها وسط حقائبهم ولاحظت أنهم يفتحون جميع الحقائب ويفتشونها بدقة ويسألون دائما عن السجائر والويسكى ..
وهنا أخرجت المفاتيح من جيبى وفتحت جميع الحقائب بما فيها حقيبتى الصغيرة التى كانت فى يدى .. وأبقيت حقيبة الرجـل تحت الحاجز الخشبى بين رجلى ..
وجاء الموظف وفتش حقيبة من حقائبى فقط ثم شغل بمشادة بين زميل له وأحد الركاب وكان قد وجد فى حقيبته سجائر لم يخطر عنها .. وعلا صياح الراكب وتجمع حوله الركاب ..ولما عاد الموظف إلى مكانه .. نظر إلى حقائبى المفتوحة .. وقال :
– يمكنك أن تغلقها ..
ورأيته قد استدار ليختم مشط سجائر وجده فى بعض الحقائب .. وأخذت أغلق حقائبى .. وأنا أرقبه .. رفعت حقيبة الرجل ووضعتها وسط الحقائب المفتشة دون أن يلحظ ذلك أحد .. وقفز قلبى وأنا أفعل ذلك .. وتصبب العرق ..
ولكن لما وجدت أن أحدا لم يشاهد هذه الحركة طرت من الفرحة ..
وسألنى الرجل عندما واجهنى مرة أخرى ..
– كم حقيبة معك .. ؟
– سبعة ..
– وفتشت كلها .. ؟
– أجل ..
– وليس معك سجائر .. ولا ويسكى .. ولا أى شىء ممنوع ..؟
– إطلاقا ..
وكان فى أثناء كلامه يضع العلامة على كل حقيبة بالطباشير ثم توقف .. وكأنه ارتاب فى حقيبة الرجل .. فنظر اليها قليلا بامعان .. ثم سألنى :
– وهذه هل فتشت ..؟
– أجل .. هل أفتحها مرة أخرى ..؟
– أظن أنه لا داعى ..
ووضع العلامة على الحقيبة بالطباشير ..
حدث هذا فى سرعة رهيبة .. وكأنما فك حبل المشنقة عن عنقى ..
وتركت الموظف يشير بيده للعمال الذين وضعوا الحقائب كلها على السلم الكهربى .. ليذهب بها سريعا إلى خارج حاجز الجمرك ..
واتجهت إلى السلم الذى سيقودنى إلى الخارج وأنا شاعر بفرحـة كبرى .. وقبل أن أبلغ آخر درجة .. رأيت كوجا يسير أمامى .. ولكنه لم يكن وحده كان بجانبه اثنان من البوليس الحربى الأمريكى وجنديان يابانيان وكانوا جميعا يحملون المدافع الرشاشة .. وأدركت أنه وقع فى أيديهم ..
وأسرعت خلفهم .. حتى رأيتهم يدخلونه سيارة مغلقة .. ومضوا به سريعا ..
وشعرت بشىء ثقيل يضغط على قلبى ويكتم أنفاسى .. وعدت إلى الداخل وأنا أخرج من قاعة وأدخل أخرى .. كأنى أدور فى بيت جحا .. حتى وجدت نفسى فى القاعة الكبرى المعدة لراحة المسافرين ..
وجلست على كرسى جلدى وأغلقت عينى .. نصف دقيقة ولما فتحتها كنت أنظر بقوة إلى اللوحة المضيئة لمدينة طوكيو والسهام النارية التى تنطلق منها إلى جميع أنحاء العالم ..
وأخذت أفكر فيما أفعل بالحقيبة بعد أن قبض على صـاحبها بسرعة فائقة .. ورأيت أن ألحق سيارة شركة الطيران قبل أن تتحرك من المطار .. بدلا من ركوب تاكسى إلى الفندق ..
وأخرج عمال الشركة حقائبى ووضعوها فى السيارة .. وحملت حقيبة الرجل فى يدى ودخلنا فى المدينة الحالمة ذات الأنوار على الجانبين والسيارات تنطلق كالسهام ..
وأنسانى جمال المدينة .. وجمال النساء فى الكومينو .. ونظافة الشوارع .. وبهجتها كل ما يتعلق بالحقيبة .. واخترت غرفة فى الدور السابع فى الفندق لأكون بعيدا عن زحمة النـزلاء الذين يتركزون عادة فى الأدوار السفلى .. ولأبعد أيضا عن ضجيج المدينة التى تظل ساهرة إلى الصباح ..
وتعشيت فى الفندق وخرجت إلى المدينة أمشى كما أتفق مستعرضا واجهة الحوانيت ..
ولم يكن الجو شديد البرودة .. وكنت أرتدى المعطف .. وقد ساعدنى هذا على أن أتجول أكثر وأكثر .. وكان عقلى فى الواقع يشتغل وأنا لا أدرى ويحاول أن يبعدنى عن مكان الحقيبة ..
وجذبتنى الأنوار البراقة فى ملهى على شكل سفينة قريبا من محطة شمباسى فاتجهت نحوه وبجوار كشك التذاكر وجدت ثلاث فتيات يرتدين فساتين سواريه وصدرهن العارى يبرز كل مفاتنهن ..وتطلعن إلى وجهى .. ووجدت واحدة منهن تعرف الإنجليزية فشرحت لى نظام السفينة ..
وحجزت " كمرة " بألفين فى الدرجة الأولى .. وصعدت مع الفتاة إلى الأدوار العليا ..وفى ممشى السفينة الدائرى .. فتحت لى بابا صغيرا .. وأصبحنا وحيدين فى غرفة صغيرة أنيقة على شكل الكاميرا فى عابرات المحيط..
وكان لابد أن نشرب شيئا وكل كأس بألفين ..
وسألت الفتاة عن الشراب الذى ترغبه فرفضت وقالت إنه لاداعى لأن تشرب هى .. وتحت الحاحى قبلت أخيرا .. وطلبنا كأسين من الويسكى .. ولاحظت ساسا بعد أن فرغنا الكأسين .. أنى شارد الذهن .. فسألتنى :
– ما بك ..؟
– لا شىء ..
– ألا أروقك ..؟
– بالعكس أنت فتنة فى النساء ..
وكان الموقف الطبيعى يقتضينى أن أعانقها وأشرب من رحيق شفتيها .. ولكننى جلست جامدا ولم تبد منى أية حركة ..
ولما حركتنى بسؤالها .. اكتفيت بأن مددت ذراعى الأيمن اليها وطوقتها .. وأخذت أمسح بيدى على ذراعيها .. فاستراحت إلى هذه الحركة وأخذت تديم النظر إلى وجهى الجامد .. فابتسمت وطلبت من الساقية كأسين آخرين..
وفى خلال الشراب حدثتها بصراحة عن الحقيبة وما حدث من القبض على صاحبها فى المطار ..
ورأيت سحنتها تتغير .. كأنما أصابتها رجفة .. ثم عادت إلى امتلاك أعصابها وسألتنى :
– فى أى فندق نزلت ..؟
– يوكاهاما .. غرفة 703
– إنه بعيد جدا عن هنا ..
– نصف ساعة بالسيارة ..
– لا .. أكثر من ذلك .. اذهب فى الحال وابعد هذه الحقيبة عن غرفتك ..
– وأين أذهب بها ..؟
– أترى هذه الترعة .. القها فيها .. أو فى أى مكان من السهل أن تتخلص منها .. لأن هذا يسبب مشكلة ..
– ربما يكون الرجل مهربا .. وفيها جواهر
فضحكت .. وقالت
– لا داعى لأن تمزح .. أسرع وتخلص منها ..
– ماذا تصورت فيها ..
– ديناميت .. خرائط .. تصور معسكرات الأمريكان وأماكن احتلالهم فى طوكيو وغيرها .. أنت سائح مسكين .. وستعدم دون ذنب ..
فارتجفت ..
وسلمت عليها وهرولت إلى الخارج ..
وركبت تاكسى إلى الفندق وقال لى موظف الاستقبال بأدب زائد .. وأنا أتناول منه المفتاح ..
– هل يمكن .. أن تنتظر لحظة يا سيد بدر الدين ..
– لماذا ..؟
وقد أحسست بالعاصفة تقترب ..
- الظاهر أنه حدث سوء تفاهم منذ القبض على كوجا فى المطار .. يريدون فقط أن يسألوا الركاب الذين كانوا معه ..
– إن هذا حماقة ..
– إنهم حمقى هؤلاء الأمريكان ..
وقلت لنفسى أننى أكثر حماقة لأننى مراقب منذ غادرت المطار والعيون ورائى فى كل خطوة .. وأنا لا أدرى ..
وسألته ببلاهة ..
– وكيف عرفوا مكانى ..؟
فقال ببساطة :
– إن شركة الطيران .. وزعتكم على ثلاث فنادق معروفة ..
وأدركت مبلغ حماقتى لأنى ركبت عربة الشركة .. فطوكيو مدينة ضخمة كالمحيط وكنت أستطيع أن أغوص فى أعماقها ولا يعرف أحد مكانى لو لم أركب عربة الشركة وأجعل الخيوط فى أيديهم ..
ولمحت ثلاثة رجال فى ملابس مدنية يتقدمون نحوى ببطء .. وكنت أود أن أمرق كالسهم من الباب الدوار وانطلق بأقصى سرعة ولكننى استبشعت هذه الحركة فى فندق كبير كهذا ..
وقال لى أطولهم وهو الأمريكى حتما :
– هل يمكن أن نلقى نظرة على غرفتك ..؟
فاستبسلت وسألته بصوت قوى ضخم فيه لهجة الاستنكار ..
– لماذا ..؟
– إن هناك حقيبة مغلوطة فلتت من المطار ..
وفى تلك اللحظة كان من السهل علىّ جدا أن أقتل أى واحد منهم لو كان معى سلاح ..
ومشينا صامتين إلى المصعد .. وفى الطرقة الطويلة تقدمتهم إلى غرفتى .. وأعطيت فتاة لطيفة من عاملات الفنـدق المفتاح لتفتح لهم الباب .. لأتفادى رعشة يدى وأنا أدير القفل ..
وفتحت الفتاة الباب ودخلوا ودخلت معهم وأنا أحس بقلبى قد توقف عن الخفقان ..وعندما توسطت الغرفة انتابنى احساس من البلادة وفقدان الحساسية عجبت له وأدركت أنه نفس الاحساس الذى ينتاب من يصعد سلم المشنقة ..
ولكن عندما وقع نظرى على الحقائب عاد إلى الإحساس بالموقف أشد وأعظم واضطربت جدا .. ثم كادت أن تفلت من فمى صرخة مدوية صادرة من الأعماق .. فقد اختفت حقيبة الرجل من الموضع الذى وضعتها فيه .. وبحثوا فى كل ركن فلم يجدوا سوى حقائبى .. وفتحتها جميعا وجعلتها تحت أنظارهم وحيوا وانصرفوا ..
وودعتهم على باب الغرفة مزهوا ..
وجلست بعد أن ذهبوا أستريح وأشرب القهوة وأنا أفكر فى الملاك الذى طار بالحقيبة فى اللحظة الحاسمة ..
ونمت نوما عميقا ..
******
وفى الصباح خرجت أتجول فى المدينة وقد كف ذهنى عن التفكير فى اختفاء الحقيبة وقد عللته بأى سبب ..ربما تكون ادارة الفندق قد عرفت الحقيبة لأنها الوحيدة التى لاتحمل بطاقتى فانتزعتها من الحقائب بسهولة وخلصتنى من شرها ..
ونسيت الأمر كلية ..
******
وفى الليل ذهبت إلى ملهى السفينة .. لأرى ساسا .. وقالت وأنا داخل عليها وقد أشرق وجهها ..
– جئت مرة أخرى ..
– بالطبع ..
– لماذا ..؟
– لأنى أحبك ..
– أوه ما أكثر ما سمعت هذا الكلام .. ولماذا تحبنى ..
– لأنك جميلة ..
– ما أكثر الجميلات فى طوكيو ..
– الواقع أننى عاجز عن التعبير .. لايوجـد سبب ملموس لحبى .. هناك ما هو أعظم من الجمال ومن الصفاء اللذين فيك ..
– هذا أحسن .. والمهم هل عثروا على الحقيبة ..؟
– ابدا .. لقد اختفت من الغرفة ..
– اختفت .. ؟
وضحكت بخبث .. وعلمت منها ما حدث .. خشيت ألا أصل إلى الفندق فى الوقت المناسب .. فاتصلت فى الحال تليفونيا بالطابق السابع الذى فيه غرفتى .. وكانت تعرف هناك فتاة من العاملات تدعى نيدا وحدثتها بأمر الحقيبة وطلبت منها أن تخرجها من الغرفة فى الحال .. وكان من السهل أن تستدل نيدا على الحقيبة لأنها الحقيبة الوحيدة التى لا تحمل بطاقة وعليها كتابة باليابانية فأخرجتها فى الحال ..
– وأين هى الحقيبة الآن ..؟
– فى مكان ما ..
– هل عرفت أنهم فتشوا غرفتى .. ؟
– أجل .. وكنت أقدر هذا ولذلك أخفيت الحقيبة ..
– إن هذا عملعظيملنأنساه لك ..
– لاداعى لمثل هذا الكلام ..
ونظرت إلىّ فاحتضنتها .. وأنا أقول ..
– لابد أن أحمل الحقيبة إلى العنوان الذى تركه لى الرجل ..
– ليس من الضرورى الآن انتظر اسبوعا ..
– لابد من هذا سريعا ..
– انتظر اسبوعا .. وسأذهب معك ..
ووافقتها على ذلك ..
******
ومر اسبوع .. واتفقنا على أن نتقابل فى محطة من محطات المترو الذى تحت الأرض .. وتكون معها الحقيبة .. ونركب من هناك إلى المكان الذى عينه لىّ الرجل ..
وفى الموعد المحدد انتظرتها .. وجاءت رشيقة جميلة وبيدها الحقيبة وأخذتها منها .. وذهبنا نضع بضعة ينات فى الآلة الأتوماتيكية .. وتناولت نيدا التذكرتين ..
وفى أثناء دورانى فى فناء المحطة المسقوف رأيت رجلا عرفته من عينه وكان هو كوجا بعينه وكان يرتدى معطفا سميكا ويضع على عينيه منظارا أسود ..وبيده عصا وعلى رأسه قبعة عريضة .. وكان مشوش الهندام غير حليق على غير ما عهدته فى الطائرة ..
وبحركة سريعة تناول منى الحقيبة وشد على يدى وهو يقول :
– كنت أعرف أنك ستأتى بها .. إنك شجاع .. لقد أعدت إلى قلبى .. وأقبل المترو .. فأخذها ومضى ..
وقلت لساسا وأنا أصعد بها سلم المحطة ..
– والآن أين نذهب ..؟
– كما تحب ..
– هل تذهبين معى إلى الفندق لنشكر نيدا على الأقل .. ؟
– فكرة رائعة ..
وفى شارع جنـزا رأيت فى كشك صغير صورة كوجا .. فى صحف المساء وكان تحتها نبأ هروب بخط كبير ..
ولما رأت ساسا الصورة ضحكت .. وضغطت على يدى ..