السبت ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم تركي بني خالد

الجامعة المرموقة في زمن الدعاية والإعلام !

في زمن كثرت فيه مؤسسات التعليم العالي وانتشرت في كل مكان يجد المرء نفسه حائرا أيهما الأفضل، وفي وقت ازدهرت فيه وسائل الدعاية وأدوات التسويق صار من الصعب أن نجد جامعة لا يدعي أصحابها أنها الأميز والأكثر شهرة وعالمية. بل أن بعض الجامعات العاجزة في العالم الثالث باتت تطرح نفسها على أنها عالمية ومتميزة!

فكرت مليا بالسؤال: ما الذي يجعل جامعة ما عالمية أو مرموقة؟ وحرت في هذا السؤال بين شتى الفكر. من الذي يضع المعايير؟ ومن أين يأتون بها؟ أم أن الأمور نسبية بطبيعتها؟ وكيف يتسنى لأحدنا أن يقيس درجة مرموقية إحدى الجامعات؟

أترانا نتحدث عن جودة التعليم ونجاعة مخرجات التعلم المرتبطة بأهداف محددة؟ أم ترانا نتحدث عن نوعية البحث الأكاديمي ومدى خدمته للمجتمع الإنساني؟ لكننا في عصرنا هذا نرى سطوة رأس المال وسيطرة الاقتصاد والتجارة على كل القيم الأخرى. كما أننا نلاحظ التنافس الشريف وغير الشريف على أشدهما في السعي نحو ألقاب وأوصاف توحي بالتميز والعراقة لهذه الجامعة أو تلك.

هل لتقادم الجامعة زمنيا وتاريخ تأسيسها ارتباط بعراقتها ومرموقيتها؟ وما مدى فائدة الادعاء بان جامعة ما تسمي نفسها أم الجامعات؟ وهل كونها أما لجامعات أخرى يعطيها بالضرورة أحقية الادعاء بالتميز؟ وهل نعتبر الجامعة مرموقة على اعتبار التخصصات أم على أساس سمعة الجامعة التراكمية؟

وهل تخرج احد المشاهير من أهل السياسة أو الفن من جامعة معينة دليل على عراقة تلك الجامعة؟ وهل حجم الجامعة الجغرافي وكثرة كلياتها مؤشر على قوتها؟ فما الذي يحدد بالنهاية مصداقية الجامعة وسمعتها؟ وهل يمكن الوثوق بتصنيفات باتت تنتشر هنا وهناك أم أننا أمام حالة من التنافس العاطفي المحموم كما الحال في سباقات الأغنيات وأنواع السباق الأخرى؟

هل صار من الضروري أن نشتري العلماء الحائزين على جائزة نوبل ليقال عنا أننا جامعات مرموقة؟ وهل نستشهد بعدد الأوسمة لكي ندعي أن التدريس لدينا مرموق؟ وهل نلجأ إلى عدد الأبحاث المنشورة في مجلات مفهرسة عالميا لنكسب شهادات حسن السلوك من مؤسسات لا تعرف عن ظروفنا شيئا؟

هل صار ضروريا أن ندخل مضمار السباق ليقال عنا أننا جامعة عالمية حتى لو لم نكن مؤهلين لذلك في الزمن الحاضر على الأقل؟ ولماذا لا نمد أرجلنا على قدر لحافنا أو نفصل لحافنا بطول أرجلنا لكي ننام بهدوء، بدل أن نشتري أغطية جديدة على حساب المديونيات العالية؟ لماذا نظن أن المباني الفخمة هي التي ستأتي لنا بشهادات العالمية؟ وماذا عن مواردنا البشرية في الجامعات التي يتم تقزيمها وتهميشها وتطفيشها حتى صارت جامعاتنا الوطنية طاردة بامتياز؟

رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، فهل عرفنا قدر أنفسنا حين زجوا بنا إلى ميدان التنافسية العالمية؟ وماذا يفيدنا بربكم لو قالوا عنا أننا أو نحن أقنعنا أنفسنا بان جامعاتنا من أرقى الجامعات ونحن نعرف جيدا ما وصلنا اليه من واقع محزن؟

أنني أرى أن نسعى أولا إلى تحديد أولويات واقعية وأهداف قابلة للتحقق نسعى إليها بعزم بعيدا عن بهرجات الكذب والنفاق وخداع الذات. لنسعى إلى بيئات إدارية وأكاديمية منسجمة مع طموحات الوطن وقيادته وأولويات التنمية المحلية. ولنبحث عن أهداف واستراتيجيات غير مبالغ في صياغاتها الشاعرية، فخطاب التعليم العالي في بلادنا صار شاعريا ورومانسيا لا يمكن تصديقه أو الوثوق به.

نريد برامج جامعية واقعية تناغي حاجات المجتمع، ولا تصب الزيت في نار البطالة. ونريد مرافق جامعية معقولة ونظيفة من الداخل وليست ديكورات مبهرة من الخارج. ونحتاج إلى إشراك المجتمع بكل أطيافه ومؤسساته في دعم سياسات الجامعات الواقعية وغير الحالمة.

أرى أن نتخلى عن اللهاث نحو سراب الجامعة العالمية أو الجامعة العريقة، فالعراقة لا تأتي بالتصريحات، والعالمية لا تتحقق بالدعايات. علينا أن ننظر في داخلنا، وننّقي الحرم الجامعي من فيروسات العنف، وعقليات التطرف، وأدوات الجهل، وأساليب التعلم البالية.

لنجعل شعارانا: الحرم الجامعي أولا! فالذي لا يحترم نفسه، ولا يعرف قدر نفسه لا يمكن أن يصير عالميا وعريقا بين ليلة وضحاها حتى لو تدثر بأجمل الألبسة، فالعمل الجامعي الحقيقي لا تنفع معه مساحيق التجميل والرقص على الحبال!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى