جامعاتنا والعولمة؟
لكي ننقذ جامعاتنا الوطنية مما هي فيه من الوهن والانحراف عن المسار القويم، علينا أن نفكر بطريقة منهجية تعتمد العقل والمنطق والحسابات الحقيقية والواقعية بعيدا عن الشعارات والاستعراضات. لقد دخلنا القرن الحادي والعشرين أو دخل فينا، وهاهو يمر علينا مسرعا لا يكترث لوجودنا كأمة لها رغبة أن تسجل بصماتها على تاريخ البشرية كما كانت في غابر الأزمان.
نراقب التحولات العظيمة التي حدثت وتحدث من حولنا وفي عقر دارنا، ونلهو ليلا أو ننام نهارا نفرك أجفاننا من النعاس المهيمن على حياتنا، ونتذمر من كل شيء، ونلعن أبو الاستعمار كلما حلت بنا مصيبة، ثم نعود للنوم من جديد بحثا عن بقايا أحلام قد يجود بها عقلنا الباطن.
يتغير التاريخ بتسارع مذهل، وتعاني الجغرافيا السياسية من زلازل، وتتحول المجتمعات البشرية من حولنا، وتغزونا التكنولوجيا من كل صوب، ونفتح أفواهنا مشدوهين لاستيعاب ما استطعنا من تحديات ما يسمى بالعولمة. ونترنح بين الرغبة في الانفتاح والإبقاء على ارث ضخم من الانغلاق، كما لو ضربنا في عقولنا ضربة عصفت باستقرارنا واذهبن ما تبقى من توازننا.
ننتظر المجهول بترقب وخوف، ولا نملك من آليات لمواجهته غير الدعاء لخالق الكون جل وعلا أن يرحمنا برحمته! فالصورة الراهنة حزينة مهما اجترحنا من وسائل التفاؤل، فلا مجال لإنكار أننا بتنا في آخر الركب، نقف وقفة المتفرج على ما يجري هنا وهناك في هذا العالم الفسيح. فالقرن الحادي والعشرون جاء لنا بمخاطر لم يأت بها من سبقه من القرون.
لا نملك من أمرنا شيئا، فكيف نصمد بين تيارات جارفة لا تلقي لنا بالا، فلا نمتلك أدوات إنتاج المعرفة، ولا نجيد استخدام التقانات فهي معقدة في نظرنا، ويزداد الجهل والتخلف لدينا بقدر ما يزداد عدد الجامعات وعدد المدارس! ومن المؤكد أننا كبشر في هذا الجزء من العالم الملتهب نمر أمام مفترق طرق وبانتظارنا مخاضات عسيرة لأننا لا نملك قدرة على الاختيار أو هكذا قالوا لنا.
كيف نصمد أمام التنافس العالمي، وهل سنبقى إلى الأبد من فصيلة الأمم النامية التي لا يراد لها أن تصحو؟ تجتاحنا الشركات العالمية، وتمص عظامنا تجارب الخصخصة، ولا ندري ما نحن فاعلون بغول البطالة الذي يقود شبابنا وبناتنا نحو اليأس والاحتقان. شركات تعبر القارات كما هي الغيوم لكنها لا تمطر خيرا وإنما تشتري مقدراتنا، وتلهو بنا وتسخر، وتزداد الهشاشة في عظامنا حيث عصف الفساد والفاسدون والفاسدات بما كان لنا من طاقات.
ليس لنا إن أردنا البقاء إلا نعيد اكتشاف عقولنا، وان نزيل عنها ما تراكم من غبار الزمن. ليس أمامنا إلا أن نعترف بالإنسان فعلا لا قولا، وان نتوقف عن ممارسة النفاق والرقص على الحبال. ليس لدينا من مخرج إلا باحترام العقل، وتنمية التفكير، من اجل توليد المعرفة، ونقلها، وتطويرها، واستخدامها لحل مشاكلنا.
لا مفر من ثورة بيضاء تنقذ مؤسسات التعليم العالي العربي من سباتها، فالجامعات عندنا ليست أكثر من مجسمات إسمنتية أو ورقية، لا تنتج علما، ولا تقود مجتمعا، بل هي نفسها وقعت أسيرة لجميع أمراض المجتمع. لدينا مخاوف حقيقية ومبررة، فثقافتنا مشوشة، ولغتنا القومية في انحدار مريب، واقتصادياتنا عاجزة، رغم كل ما ندعيه دوما من إننا كنا ذات يوم امة ذات حضارة عريقة، فأين نحن من العراقة؟
باعتبارنا امة عريقة كما يحلو لنا أن ندعي، علينا أن نتحضر، أو أن نحتضر! لا خيار ثالث كما يبدو. فإما التحضر وإما الاحتضار، وليس من سبيل للنجاة غير إعادة الاحترام إلى جامعاتنا ومدارسنا التي حولها البعض من السفهاء إلى سجون للعقل، ومراكز لقبض الرسوم، وأشياء أخرى!!