التطور
التطور..
كيف يتم، مصادره ، أنواع ، اتجاهاته...
إن التمييز بين الموجودات يتم وِفقاً للكمِّ والكيف معاً، فالتغيرات الكميّة تؤدي حتماً إلى ظهور كيفيةٍ جديدة..
والأمثلةُ واضحةٌ في الطبيعة والمجتمعات وكل شيء..
فقطع شجرة من الأرض ليس أمراً بذي بال، لكن هذا الذي ليس بذي بال يجعلُ الأرض خاليةً من الأشجار
مع استمرارية القطع..
هذه التغيرات الكميّة لها نوعان:
1 ـ بطيئة؛ حيث لا تُلفِتُ الانتباه لأنها تتم بشكلٍ بطيءٍ وتدريجيٍّ وانسيابي ما يُعرَفُ باسم (التطور الارتقائي)..
قال تعالى " .. فإنَّا خلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مُضغَةٍ مُخلَّقَةٍ وغير مُخلَّقةٍ لنُبيِّنَ لكم ونقرُّ
في الأرحام ما نشاء إلى أجلٍ مسمَّى ثم نخرجكم طفلاً ثم لِتبلغوا أشدّكم ومنكم من يُتوفَّى ومنكم من يُردُّ إلى أرذل العمر
لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئا..." 5 ـ الحج
هذه الآية تبين أنَّ التطور يتم بموجب تغيراتٍ بطيئة تدريجية وانسيابية لا تلفتُ انتباهنا وبالتالي لا يمكننا
وضع حدٍّ فاصلٍ بين الطوْر والآخر..
فالانسانُ الكهلُ سبق وأن مرَّ بأطوارٍ عديدةٍ ابتداءً من النطفةِ إلى أن وصل إلى طوْر الكهولة...
2 ـ سريعة؛ حيث تلفتُ إليها الأنظارلأنها تتمُّ فجأةً أو بشكلٍ مباغت فتحدثُ انقلاباً جذرياً في كل شيء..
وتُعرَف باسم ( المعجزة أو الثورة)..
وهناك العديد من الثورات في عالم الطب والفيزياء والفضاء وو... ما يُحدِثُ انقلاباً في الحياة والعلاقات والمفاهيم
لكن هذه الثورة أو المعجزة لم تكن في حقيقة الأمر إلاَّ حصيلةَ تراكماتٍ وأطوار سابقةٍ..
قال تعالى " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها أسفلها وأمطرنا عليها حجارةً من سجيلٍ منضود" 58 ـ هود
" فأخذتهم الصيحة مشرقين" 73 ـ
هذه الايات وغيرها تبين معجزة الله تلك التي كانت حصيلة تراكماتٍ سابقة (تكذيب الرسل واقتراف الرذيلة والفساد والمعاصي.. إلخ
وهذا مثلٌ آخر من المجتمع
إن تحطيم جدار برلين وكذلك الثورات العالمية التي طالبت بالتحرر والاستقلال، تُعدُّ ظاهرةً فجائيةً لكنها في حقيقة الأمر
كانت نتيجة تغيراتٍ بطيئةٍ تدريجية أدَّتْ إلى (تغيراتٍ سريعةٍ) الثورة أو الانفجار ، أي التطور..
إلى أن حدثت المعجزة أو ظهر الجديد في الأرض والبشرية والمفاهيم، هذا الجديد هو ( الأكثر ايماناً وكمالاً وصلاح... إلخ)..
وعليه؛ فإن التطور نفيٌ للقديم لكن دون القضاء عليه بل إحداث الجديد على أرضيته...
والنفيُ ينطبقُ على الطبيعة والانسان وكل المخلوقات المعروفة والمجهولة...
مصادر التطور....
" وخلقناكم أزواجاً" 8 ـ النبأ
" ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذّكرون" 49 ـ الذاريات.
" .. وإنه خلق الزوجين الذكر والأنثى" 45 ـ النجم
" وخلقناكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعلنا منها زوجها" 6 ـ الزمر....
الزوج هو الذكر والأنثى أي السالب والموجب أي ينْ ـ يانغ بموجب الطب الصيني القديم..
فالزوج أو النفس هو اتحاد أو توحد ضدين وباستمرارية التصادم فيما بينهما ينجم التطور ..
فالقديم يتصادم مع الجديد ، سواءٌ الأفكار والعادات والمفاهيم والبراكين والهزات الأرضية
والغابات وكل الكائنات الكونية...
أوجه التطور:
النفي ونفي النفي//
إن الأرض حالياً ليست كما كانت عليه في القديم.. كل شيء فيها وعليها يتطور بموجب تصادم الأضداد..
ما يجعلها في حالة أكثر تلاؤماً والظروف والطبيعة والكون..
هاهو الانسان ينمو فيتطوَّر وِفقاً لهذا التصادم( الذكر والأنثى الذي تحمله كل نفس) بما يجعله أكثر تلاؤماً مع الحياة،
وهاهي الغابات تنمو لتتطوَّر بما يجعلها أكثر مقاومةً للظروف والمناخ والطبيعة.. وهلمَّ جرّاً..
هذه الظواهر ( التطورات) الطبيعيةٌ بمجملها هي إيجابيةٌ لأنها لا تنفي القديم مطلقاً بل تقوم على أرضيته ما يسمَّى ( النفي)..
قال تعالى: " .. إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .." 13 ـ الحجرات
كيفَ لا؛ وفي التعارف يكون التخالف فيكون التصادم وبالتالي التطور؟!..
لكن هناك ظواهر سلبيٌّة أو تدميرية حيث يتم القضاء على القديم نهائياً ما يؤدي إلى الهلاك وتوقف النمو وبالتالي التطور..
ما يُسمَّى بـ ( نفي النفي)، كقطع الأشجارالذي في النهاية يؤدي إلى التصحُّر ، ونفيُ المناضلين الذين يُطالبون بحقوق الناس
أو أولئك الذين يرفعون أصواتهم ضد الابارتهايد أو الذين ينادون بالتقدم والتطور يجعل العالم في ظلامٍ وظُلمات..
أي يؤدي إلى ابادة حضاراتٍ برمَّتها بما في ذلك من اللغة والدين والتراث والثقافة والتاريخ ووو...
والحنطة المطحونة قطعاً لن تنبتَ حتى لو زرعناها في أي أرض..
إذن ( نفي النفي) هو وقف النمو والتطور أي الهلاك والابادة...
قال تعالى" ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرَّفنا الآيات لعلهم يرجعون" 27 ـ الأحقاف..
كيفَ لا وهو المنتقم الجبَّار؟...
والآيات القرآنية التي تبيِّنُ وجهيْ التطور لا تُعدُّ ولا تُحصى!...
اتجاهات التطور:
دائري/ انحداري/ تقدمي...
الاتجاه الدائري يتم التطور فيه ضمن حلقاتٍ مغلقةٍ تنتهي كل حلقة بالتأزُّم والانحلال
مثال/ الكائنات الحية من التراب وإلى التراب... ( وهذا يتعلق بالطواف سأقدم بحثه لاحقاً)..
الاتجاه الانحداري ويتصف بطابع تنازلي أي يُخالف الطبيعة الكونية بهدف إيقاف قوانينها..
قال تعالى : " إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبيَّن لهم الهدى ..." 25 ـ محمد..
فالارتداد عن الهدى يبيِّن ذلك التطور الانحداري أو التنازلي ما يؤدي إلى مخالفة قوانين الكون والطبيعة ( الهدى)
لكنه مؤقتٌ وعابر لأن الطبيعة في حركةٍ واستمرارية دائمتيْن وِفقاً لقوانين كونية ( الحق والهدى) مُحالٌ تجاوزها..
الاتجاه التقدمي ويتصفُ بطابعٍ تصاعدي من الأدنى إلى الأعلى كما في النبات ؛
أو من المركز إلى المحيط كما في الهزات الأرضية حيث يتفاوت تأثيرها على المناطق بموجب البُعد والقُرب
من بؤرة أو مركز الهزة..
كما في الشرق الأوسط الذي هو بؤرة الصراع في العالم حيث المناطق القريبة منه تتأثر بسرعةٍ أكبر عن تلك البعيدة عنه..
أو من البسيط إلى المعقَّد كما في الكون حيث من الانفجار الكبير ( كُن ) كان الكون أو العالم الأكبر المعقَّد التركيب والبنية...
نهايةً؛ هذا التصادم قائم منذ الأزل وإلاَّ ماكانت البشرية أو الأرض أو الطبيعة أو الفِكر في حالة تطورٍ دائمٍ..
وقد بيَّنَ تعالى هذه الظاهرة ( التطور ، كيف يتم، مصادره، اتجاهاته ووجوهه) في القرآن الكريم،
وفي الطبيعة فيما لو تأمَّلها الانسان، وفي الانسان نفسه فيما لو تأمَّل ذاته..
هو تصادم الأضداد
الخير، الفضيلة، الحق، العدل، (بالايمان) والشر، الرذيلة، الظلم، الطغيان، الفساد، (بالكفر)... إلخ.
وكل هذه الأضداد لدينا في آيات الله البيِّنات ؛
الظلمات والنور، الليل والنهار، الشمس والقمر، السموات والأرض، الحياة والموت ، الذكر والأنثى، الأعمى والبصير...إلخ..
لكن أكثر الناس لايعلمون لأنَّ مُترفينا قّضوا الاَّ نعلمَ بعد علمهم شيئاً...
نضال نجار