الاستبداد في الفكر الغربي
ألقى الدكتور محمد جمال طحان محاضرة في المعهد الفرنسي للدراسات العربية في مدينة حلب عنوانها : مفهوم الاستبداد في الفكر الغربي.
بدأ المحاضر بتعريف الاستبداد بأنه الانفراد بالشيء ، ويكون الانفراد بالحكم استبدادا به ، ثم تطرق إلى آراء بعض المفكرين الغربيين ، بدأ بأفلاطون الذي قال بأن المستبد يستولي على السلطة بالقوة ، ويمارسها بالعنف، ثم يسعى إلى التخلص من خصومه، ويكثر من الوعود، ويقسم الأراضي مما يجعله شعبيا ومحبوبا ،ويفتعل حروبا ليظل الشعب بحاجة دائمة إلى قائد، وهذه الحروب تفقر المواطنين من خلال ما يدفعونه من ضرائب باهظة ، فيضطرون إلى زيادة ساعات العمل مما لا يدع لديهم الوقت للتآمر على المستبد، والحرب تساعده على التخلص من معارضي سياسته حيث يقدمهم إلى الصفوف الأولى في المعركة ، وذلك يدعو إلى استياء الجماهير حتى أعوانه الذين رفعوه إلى السلطة ، فيقضي على المعارضة بما يملكه من وسائل العنف والقوة فيزيد من تسلحه ومن حرسه الخاص من المرتزقة مما يتطلب نفقات طائلة فيلجأ إلى مزيد من نهب خزائن الشعب الذي يدرك بعد فوات الأوان أنه في حالة استعباد مسيس، ويعتمد أفلاطون في جمهوريته على التدريب الشاق والطويل للحاكم الفيلسوف الذي يجب أن يكون حكمه صالحا وعادلا ، بينما يسمح كسينوفون للملك بالحكم وفق القوانين والرضى الشعبي ومصلحة الرعايا ، والطغيان عند أرسطو هو حكومة الفرد الظالم الذي تكون غايته المصلحة الشخصية ، وشيشرون يؤثر الملكية كنظام على أن يكون الملك رجلا فاضلا وحكيما .
ويستند الاستبداد الكنسي لدى بعض الباباوات في المسيحية إلى نظرية الحق الإلهي التي تقول إن الحكم لله وهو يختار من يشاء ليصبح حاكما بأمره وذلك ليتسنى لهم الاحتفاظ بمصدر الحق الذي يجسده البابا.
وابتعد ماكيافيللي عن مفاهيم الأخلاق وأحكام القيم ونصب (الأمير) ليكون له القول الفصل في ما يتعلق بدولته ونصحه أن يقدر الأوضاع الطارئة التي تجيز له أن يكون شريرا ليحافظ على منصبه ، والأفضل أن يخافه الناس.
ودافع بودان عن الاستبداد الملكي ، واعتبره يتفق مع القانون الطبيعي ، واعترف بالسلطة المطلقة ، وعدها شرعية .
وتوماس هوبز دافع عن سلطة الملك المطلقة في وجه البرلمان لأن الإنسان في نظره شرير بطبعه يتحرك وفق مصلحته الذاتية ولا يذعن إلا إذا خاف ، والحاكم يملك السلطات كلها ليحقق إرادته التي هي إرادة المواطنين كلهم عن طريق فرض احترام العقد السياسي بالتهديد بالعقاب ، ولا يجوز مقاومة الحاكم مهما كان مستبدا ، ولا مناقشة القوانين التي تصدر عنه ، لأن الخضوع التام لصاحب السلطة هو شرط السلام .
ويرفض سبينوزا الاستبداد ، فالحاكم المستبد في نظره يخدم مصالحه فقط ، ولذا يجب أن يكون الشعب مسئولا عن نفسه ، وعن مصالحه ، وكلما زاد ما يتمتع به الأفراد في الدولة من حرية ومساواة زاد حظ الدولة نفسها من الاتحاد والقوة .
ويقرر لوك و الواجب ، وأن الحكومة مسئولة تجاه الشعب .
ويرفض مونتسكيو الاستبداد ويعده النموذج الوحيد المرفوض من أنماط الحكم لأن المستبد يحكم حسب نزواته ، ويعامل رعاياه كالبهائم .
أما جان جاك روسو فيعتبر المستبد هو من يضع نفسه فوق القوانين نفسها ، ويكون دائما طاغية
ثم تطرق المحاضر إلى أشكال الاستبداد الذي قد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا ، أو فكريا ، لكن كل أشكال الاستبداد لا تملك لا تملك قوة تنفيذية إلا بقدر ما يسمح به الاستبداد السياسي بعد أن يتمكن من السيطرة، والاغتراب الثقافي ، والاستغلال الاقتصادي، والاستلاب النفسي من صنع السلطة السياسية التي تملك القوة وتسعى للسيطرة على إمكانيات الدولة كلها ، فيتسع الجهاز البوليسي، ويمارس رقابة دقيقة ، ويصبح الإعلام وقفا على النظام ، وتصبح كل ثقافة لا تخدم النظام مرفوضة وعميلة ، وينعدم الحوار ، ويلغى الآخرون،ويكمن خلف هذا الشكل شبكة عنكبوتية من العلاقات الاستبدادية .