علي بابا والأربعون حرامي
علي بابا!أيها الأحمق! كيف قادتك قدماك إلى هذه المغارة اللعينة؟طالما حلمت باستكشافها، حسنا! هل أرضيت فضولك؟
منذ زمن وأنت ترحل صوبها، تقترب من بابها، ثم لا تتجرأ على الدخول، الكثيرون يفعلون مثلك، يطوفون حولها، ثم يعودون إلى منازلهم خائبين.
كلهم يعلمون بوجودها ويبتعدون عنها، وكأنها مكان مقدس لا يحق لأحد تدنيسه.
هذه المرة كان فضولك أكبر من كل مرة، وأغراك الأصدقاء، قالوا لك:لم لا تجرب الدخول؟ المغارة صارت وهما يسيطر على أفكارنا، لم لا نتخلص من هذا الوهم ونعيش حياتنا براحة بال؟!إنها تستحق المجازفة، سنختبئ في أحد سراديبها، ونكتشف أفراد العصابة، سنبتلع أنفاسنا كي لا يحسوا بنا.
وهكذا جئت تحمل في ذهنك عنها قصصا وأساطير عجيبة يتحدث بها الناس، أخيرا ستكتشف الحقيقة،سترى أفراد العصابة دون أن يروك، ولربما استطعت التخلص منهم وإراحة سكان المدينة، ولربما أصبحت بطلا، في أسوأ الأحوال ستأكل من موائدهم العامرة، فالناس يقولون:إن الطعام الذي يتركه أفراد العصابة بعد أن يشبعوا يطعم كل جياع المدينة، على الأقل ستأكل طعاما شهيا بدلا من طعامك الرديء، وسترى النفائس المخبأة، وهكذا أضعت يومك في المغارة، إنه نهار مشمس وجميل، وأنت تقبع في هذا الوكر الكئيب، تنتظر الأربعين حراميا، تريد أن تعرفهم، حتى لو عرفتهم، هل ستتجرأ على التعرض لهم،إنهم مسلحون بالسكاكين يسرقون في وضح النهار دون أن يحس بهم أحد.
أكلت حقا! ولكن كان للطعام نكهة غريبة، وكلما أكلت ازداد شعورك بالجوع،إنه طعام غير مبارك.
المغارة تمتد واسعة، سراديب لا نهاية لها، جرذان وصراصير في الزوايا، موقد مهجور يتربع أمامك، تشعل النار فيه،ويبقى البرد يجلدك، صناديق كبيرة فارغة، صور قبيحة تشوه الجدران، أشكال فوانيس تنتشر في الزوايا، جهاز تسجيل، أشرطة لأغان تافهة، جهاز تلفزيون، فيديو، ترى أين المسروقات؟ هل يوجد مخابئ سرية؟ وتفتش فلا تجد شيئا، هل ظننت أفراد العصابة من الغباء بحيث يضعون مسروقاتهم في هذه المغارة التي يعرف الجميع أنها لهم، يا لك من أبله يا علي بابا !
تضيع يومك وأنت جالس مع الأصدقاء تثرثر، وتأكل، وتنتظر قدوم العصابة، صار أصدقاؤك غرباء عنك، كلماتهم لا تصل أذنيك، أخفاهم الظلام، فصاروا أشباحا، صاروا أشياء، مثل المنفاخ بجانب الموقد، غطسوا في الأرض فلم ترهم، علقوا على الجدران من رقابهم، لعل لعنة المغارة أصابتهم، اللعنة التي يتهامس بها الناس، كي يخفوا كل من تسول له نفسه بالاقتراب منها.
شيء خفي يسلب منك أحاسيسك وأفكارك، شعورك بالوجود، عليك يا علي بابا أن لا تغامر ثانية، إلى أين سيودي بك الفضول؟ ستدفع الثمن غاليا، صحيح أنك لم تدخل بإرادتك الكاملة، أغراك الأصدقاء، ولكنك شخص عاقل، والعاقل يحاسب.
أنت منشطر ومنقسم إلى أجزاء صغيرة، فكيف تلملم أجزاءك؟! لا بد أنك حسبت نفسك علاء الدين، وظننت الفوانيس المتناثرة فوانيس سحرية، فإذا بالفوانيس لمبات كهرباء تحيط بها بلورات ملونة.
غرر بك، حرمت صوت المطر، وضوء الشمس، لتحشر نفسك في كهف الوحوش هذا.
حين قررت مع الأصدقاء أن تعودوا إلى العالم بعد أن قطعتم الأمل من ضبط العصابة في الجرم المشهود، كان الليل قد خيم على الكون، عدتم مشيا في طرق مهجورة، البرد شديد، وتشعر بالجوع، وكأنك لم تأكل قبل قليل.
المدينة تمتد أمامك كبيرة وغامضة، العالم واسع لا بحد، الهدوء مخيم، وفجأة تسمع جلبة وضجيجا، تتفرس أمامك فترى أشباح أشخاص قادمين، مقنعين بظلام الليل، يحملون الأسلاب في أيديهم، وأنت فتشت المغارة جيدا، فلم تجد شيئا، فإلى أين يذهب هؤلاء بغنائمهم؟
تعد الأشباح التي تمر أمامك، ولا تنتهي من العد، وهاإنك تهرب خائفا من أمامهم وكأنك أنت الحرامي وهم الشرفاء، ها إن أصدقاءك الذين ادعوا الجرأة يهربون أيضا خشية أن يضبطوا بجرم كشف أفراد العصابة، وعندها الويل لكم من انتقامهم وبطشهم.
حين تصل إلى منزلك لتحتمي فيه، تجد المنزل باردا ورطبا كمغارة الأشقياء، ترى هل أحضرت معك لعنة المغارة؟
في الصباح تشرق الشمس، أما منزلك فيبقى معتما، وتشعر بذاكرتك تخونك، ومفاصلك تؤلمك، لأنك أيها الأحمق، حين كنت تنتظرهم في المغارة، كانوا يسرقون منك ضوء الشمس، ويمتصون من أنفاسك ألق الحياة.