الأسباب الحقيقية لأزمة القراءة
كثيرا ما ظل التساؤل بخصوص أزمة القراءة بالمغرب، وكثيرا ما ظل التفسير متمحورا حول المواطن باعتباره لا ينفق قسطا من المال على الكتاب والصحف لكن، غالبا ما كانت مصادر هذه التأويلات أريكية في حجرات مكيفة، إذ لم تسند إلى دراسات ميدانية...
والواقع، أن مرد أزمة القراءة بالمغرب إلى المواطن باعتباره لا ينفق على الكتاب، شأن ما اعتاده الكثير من المحللين والمعنيين، هو نتيجة رؤية جد تبسيطية، - إذا لم نقل ساذجة -، لأنه لا أحد من دعاة هؤلاء المحللين أو المسؤولين التفت إلى الغلاء الذي تشهده أسعار الكتب بالمكتبات التي منها ما يضاعف ضعفين ومنها أضعافا لدخل الفرد اليومي كسبب رئيس لهذه الأزمة.
وذلك حيث إن الكثير من الكتب المهمة تفوق ال 150 درهما. في حين أن دخل كثير من المواطنين لا يفوق ثلاثين أو أربعين درهما والسؤال المشروع للطرح في هذا السياق، هو كالآتي: كيف أمكن لهذا المواطن المحتاج تلبية حاجته من العيش وحاجته أو حاجة أبنائه من القراءة بمبلغ متدني؟
في الصراحة، كنت قبلا من المنتقدين لأولئك الذين لا يزورون المكتبات ولا ينفقون قدرا من المال على الكتاب، لكن بعد زيارة انتقلت فيها من: مكتبة إلى مكتبة بالرباط، ومكتبات أخرى بالدار البيضاء بحثا عن كتب كنت أرغبها ومصمما على شرائها اصطدمت بغلائها حقيقة، بعدما وجدت نفسي لا أستطيع شراء ثلاث كتب منها. لأنتقل في ذلك من قارئ مسافر رغبة في شراء الكتب إلى باحث مطلع على أسعار غلاء مبيعة الكتب، وفي لحظة، وجدتني أصرخ عاليا: إنها أزمةٌ نتيجةً لغلاء القراءة، وليس أزمة عدم القراءة.
إن هذا ما جعلني أفكر وأتساءل قصد المعرفة والفهم لا غير: لماذا سؤال التنمية الثقافية مؤجلا؟ ألم تنطلق عملية التنمية بالمغرب كحل وبديل تنموي منذ العام 2005 للخروج من ورطة المراتب المتأخرة والتي على رأسها أزمة التعليم؟ وذلك حيث احتل المغرب في هذا المستوى مراتبا جد متأخرة وغير مرضية، وخاصة، عندما كانت مرتبته متأخرة مقارنة بالأقطار الإفريقية التي لا تعيش الأمن والسلم الذي يعيشه المغرب، بل ومتأخرة حتى عن دولة فلسطين التي أراضيها ليل نهار مسرحا للعمليات العسكرية، فما هو إذا الجديد منذ الإعلان عن انطلاق عملية التنمية بالمغرب وحتى الآن، على المستوى التعليمي؟؟
ما يمكن أن يقال، إن هذا سؤالا معلقا ليست له إجابة، وذلك حيث لا مكتبات أنشئت ولا معارض نظمت، علما أن الدول الغربية المتقدمة التي نجحت فيها عملية التنمية أول ما قامت به، وكرست له جهودا متضافرة وهامة ضمن أولوياتها هو التعليم (القراءة)، وذلك باعتبار منطقي مفاده أن الأمية هي العائق الأكبر الذي يقف حجر عثرة أمام عملية التنمية.
غير أن الملاحظ، بالنسبة إلى المغرب، هو أنه يبقى الحال كما هو عليه، ألا وهو إشكالية «التمركز» حيث إن هناك تمركزا حتى على مستوى المكتبات بالمدن الكبرى، شأن تمركز العديد من المؤسسات، فواقع كثير من مدن مغربية كبرى ولا توجد بها مكتبات لبيع الكتب، وكثير من المجالس البلدية بالمدن الكبرى والصغرى تطالب بتنظيم مهرجانات احتجاجا منها على الحرمان من ذلك، ولا مدينة سمعت عنها ولا قرأت تطالب بتنظيم معارض للكتب أو إنشاء مكتبات. فأين هي التنمية الثقافية إذن؟ وإلى متى سيبقى سؤالها مؤجلا؟
فلنلاحظ الجهد الذي نبدله في الترويج للمهرجانات والحفلات الليلية من الإعلانات والملصقات... لا نعير له أدنى اهتمام بالنسبة إلى معارض الكتب…
اعتقد أن المواطنين بالمغرب كثيرا ما يرغبون في القراءة، لكن ظروفها وطقوسها مغيبة لصالح تنظيم المهرجانات والاحتفالات، إضافة إلى الأثمنة «الصاروخية» التي لا تتناسب والدخل المتدني للعديد من المواطنين، ولذلك أتساءل، لماذا نقوم بتنمية الملاهي التي أصبحت قاعدة: ما من إقامات أنجزت إلا وكانت بجانبها ملاهي، وبالمقابل، كثير من المدن بأكملها ولا توجد بها مكتبات، أما في المدن التي توجد بها مكتبات جهوية فبقي اسمها فقط والله أعلم إلى أين اختفت كتبها.