الأحد ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤
بقلم تيسير الناشف

أصالة العقل وظروف الحياة السائدة

مشاهد إنسانية واجتماعية كثيرة تؤثر وتتأثر بعوامل داخلية وخارجية. ويتوقف مدى تأثر وتأثير مجموعة واحدة في الأخرى على قوة تلك المجموعة أو ضعفها. ويتغير تفكير المرء نتيجة عن الأحداث الصغيرة أو الكبيرة المؤثرة. ويمكن أن تكون هذه الأحداث في شتى مجالات الحياة، ويمكن أن تكون على شكل من الأشكال الكثيرة: الأوبئة والهزات الأرضية والاجتماعية والاقتصادية، والحروب والنزاعات والهزائم والانتصارات والتيارات التغييرية وانعدام الحس الديمقراطي.
وتوجب هذه الأحداث على المرء أن يستجيب لها. ويمكن أن تكون هذه الاستجابة ضعيفة أو قوية. ومدى قوة الاستجابة يتوقف على عوامل كثيرة، منها مدى شمول الحدث ومدى تهيؤ المرء الفكري والنفسي والعاطفي للتأثر بالحدث وللسلوك المتأثر بالحدث.

ومن الخطأ الجسيم التعميم بالقول إنه لا يوجد فكر أصيل لدى أي شعب من الشعوب. عيش أي شعب في ظل ظروف خاصة يتطلب أن ينتج ذلك الشعب فكرا أصيلا يمكنه من العيش في تلك الظروف المختلفة عن ظروف أخرى ومن الإفصاح عن ظروف العيش الخاصة التي يعيشها ذلك الشعب.

وفضلا عن البنيات الفكرية المكتوبة أو المقروءة، توجد بنيات فكرية شفوية. ويحدث تأثير وتأثر بين البنيات الفكرية المكتوبة والبنيات الفكرية الشفوية.

وعدم وجود أو ضعف بنية فكرية خاصة واحدة لدى شعب من الشعوب لا يعني عدم أصالة الفكر لديه. خلال التاريخ البشري الطويل نشأت عوامل كثيرة في طمس البنى الفكرية أو إقصائها أو إزالتها أو قمعها أو إهمالها وعدم المبالاة بها. هذه العوامل لعلها أثرت في طمس البنى الفكرية. والقمع السياسي والاستبداد السلطوي والإرهاب الفكري والتركيبة النفسية وغيرها من العوامل كانت ولا تزال سببا، في جملة أسباب أخرى، في الطمس والإقصاء والإزالة والقمع والإهمال واللامبالاة والتهميش.

ولو لم تكن تلك العوامل قائمة لما كان ذلك الطمس أو التأثير حصل للفكر، ولكانت بنيات فكرية غير البنية التي نعرفها قد نشأت، ولعل تلك البنيات كانت قد حلت محل هذه البنية أو غيرتها. وبالتالي من الخطأ الجسيم القول إنه لا توجد سوى بنية فكرية عربية واحدة أو إنه لا يوجد سوى عقل عربي واحد مهما كانت سماته وخصائصه. ويبين ذلك أيضا خطأ الكلام عن وجود نمط عقل عربي واحد.

ولمعرفة نوع عقل شعب من الشعوب تنبغي معرفة التأثير القائم بين العقل، من ناحية، والعلاقة بين الماضي والحاضر، من ناحية أخرى. ثمة علاقة جدلية بين الماضي والحاضر عموما. ثمة تأثير وتأثر بين الماضي والحاضر.

وللظروف التي يعيشها الإنسان، بمن في ذلك المفكر، تأثير أقل أو أكبر في تقرير موقفه من الماضي والحاضر بما لهما من المعاني والمضامين، وتلك الظروف تقرر موقفه من الماضي والحاضر. ولا بد من أن تكون قراءة الماضي متأثرة بظروف الحاضر ومن أن تكون قراءة الحاضر متأثرة بظروف الماضي. ونظرا إلى تغير التأثير والتأثر بين الماضي والحاضر من الخطأ القول إن الماضي يحكم الحاضر. وحتى دعاة العودة إلى الماضي في السياق العربي يقومون بهذه الدعوة متأثرين بعوامل منها ظروف الحاضر التي تسهم في تحديد الموقف المتخذ من الماضي. وبما أن القراءة تسهم في تحديدِها ظروفُ واقعِ القراءة فإن الظروف الحاضرة المختلفة تُسهم في نشوء قراءات مختلفة للماضي وظروف الماضي تُسهم في نشوء قراءات مختلفة للحاضر وللمستقبل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى