

أسرارٌ لم يروِها البحرُ
الموجُ يهمسُ
بأطيافٍ لم تُولَدْ بعد،
والريحُ تقرأُ حروفَها
على رمالٍ مُتعبةٍ.
أصواتُ الأسماكِ تتراقصُ
في غيابِ الضوء،
كأنَّ الليلَ يرسمُ
خريطةً لا يراها
سوى الغيمِ.
هناك، في عمقِ الزُّرقة،
يتوارى زمنٌ لم يُولَدْ بعد،
وحين يصرخُ البحرُ،
يصمتُ كلُّ شيءٍ.
أسرارٌ لم يروِها البحرُ،
غارقةٌ
بين الماءِ والظلِّ،
بين شَفَةِ موجةٍ وضوءِ القمرِ،
دونَ كلامٍ،
فالصمتُ وحدَه
أصدقُ من القولِ.
الموجةُ تنطوي على نفسِها
قبل أن تصلَ،
وتلدُ في كلِّ مرَّةٍ
أسماءً جديدةً للغيابِ.
السماءُ تهبطُ لتتذوَّقَ الملحَ
على شفاهِ الصخورِ،
والقمرُ يكتبُ على الماءِ
ما لا يُقرَأُ.
الرياحُ تُعانقُ الغيابَ
كما لو كان طفلًا،
والأصدافُ تُرسلُ إشاراتٍ
لم يلتقطْها أحدٌ.
حتى الأسماكُ تَصمُتُ
حين يحينُ الليلُ،
ويغدو البحرُ مرآةً
لتجاعيدِ الزمنِ.
أسرارٌ لم يروِها البحرُ
تختبئُ بين شِريانِ موجةٍ
وشِريانِ صمتٍ،
حيثُ يصيرُ الضياعُ
شكلًا من أشكالِ الحقيقةِ.
تتجمَّدُ الكلماتُ
قبل أن تُنطَقَ،
وقبل أن يبتسمَ البحرُ.
الماءُ يبتلعُ نفسَهُ،
ويتكرَّرُ كحُلمٍ بلا ذاكرةٍ.
الأمواجُ تهمسُ بأسماءٍ
لم يُولَدْ لها زمنٌ.
السماءُ تتأهَّبُ،
والقمرُ يُسقِطُ ضوءًا
إلى قاعِ موجةٍ،
والنجومُ تغرقُ
قبل أن تَصِلَ
إلى عيونِ البحّارِ.
الظلالُ تكتبُ على الرملِ
رسائلَ للغدِ،
والريحُ تبتلعُ الصمتَ
كما لو كان قطعةً حجريّةً.
حتى الصوتُ
يُصبِحُ بلا معنى،
ويصيرُ الصدى
مرآةً للغيبِ.
أسرارٌ لم يروِها البحرُ
تتسرَّبُ بين الأصابعِ
كضوءٍ يهربُ من الليلِ،
وتذوبُ كلُّ الكلماتِ
في عُمقٍ بلا حدودٍ.
تتبخَّرُ الأسرارُ،
وتبقى في الماءِ،
كحكايةٍ بلا راوٍ،
كظلٍّ بلا جسمٍ،
كصمتٍ
بلا نهايةٍ.