الأحد ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٤
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

أخضر

تأليف : كالفن ميلز

أخيرا انفصلا الزوجان كي يستعيدا أنفاسهما، رقدا في هدوء تام فوق الملاءات الرطبة، فليس من صوت سوى تنفسهما البطيء، لاحظ الفتي في تلك اللحظة أن الزهور التي جلبتها الفتاة إلى شقته قبل ثلاثة أيام كانت قد ماتت بالفعل. فيما عدا بعض البراعم المتفتحة، فإن بقية الزهور كانت بنية اللون وجافة ؛ على وشك السقوط.

سألته:

 فيم تفكر؟
أجاب بعد برهة:
 كنت أفكر فقط في الزهور.
قالت:

 تبدو كما هي لم تتغير.
أبعدت خصلات الشعر السوداءالمتلة بالعرق عن وجنتيها وجبينها، جذب الفتي نفسًا عميقًا، كان الهواء حوله دافئًا وثقيلًا، تساءل الفتى:

 هل فكرت فيم سيحدث لنا؟

قالت:
 ماذا تقصد ؟
كان رد فعلها سريعًا، جلست عندئد وتطلعت إليه. كان الفتي حريصًا على رؤية وجهها، والنظر في عينيها، لكنه كان خائفًا في تلك اللحظة، فظل يحدق في الزهور.

قالت:
 لا أستطيع أن أصدق أنك ستفعل هذا.
قالت ذلك وأصدرت صوتًا مبهمًا من أقصى حلقها، كان الفتي يعرف أنها تراقبه ، أضافت:
 ربما أخبرك أيضًا في حينها.
وبدأت تتنفس من أنفها، لذلك كان الفتي يستطيع أن يسمع كل نفس من أنفاسها.

سألها:
 تخبريني بماذا؟
التفت لينظر إليها، لكنه لم يكن قادرًا على النظر إلا لبضع ثوان، عندما تراجعت نظرته، فتحت الفتاة فمها لكي تتنفس بهدوء من جديد، قالت:
 إنهما عيناك.

سأل:
 ماذا بها؟
 خضراوان.
 هما عسليتان، ففي بعض الأحيان تكونان خضرواين.

أصرّت :
 إنهما خضراوان الآن .
 أحقًا؟
تساءل في صوت ضعيف، وفكر قليلًا.

قالت:
 أنت لا تفهم.
كان صوتتها عميقًا وهي تتمتم بالكلمات.
- ماذا تقصدين؟ عيناي عسليتان، هذا يعني أنهما ذات ألوان مختلفة في أوقات مختلفة، تكونان خضراويين أحيانًا و رماديتين في أحيان أخرى.
 نعم، لكن ما الذي يحدد ذلك؟
 لا أعرف، لون قميصي، الحساسية، الطقس.

قالت :
 هذا ليس ما..؟
 ما الذي ليس كذلك؟

تحركت الفتاة إلى حافة السرير، تبحث عبر الأرض عن سروالها الداخلي. عثرت على سروالها الداخلي، نهضت وبدأت في ارتداء ملابسها. ابتعدت بنظرها عنه، مواجهة النافذة، لم ير الفتى سوى استدارة صدرها من الخلف، لين ورخو وبلا حلمات ظاهرة ، إلى جانب رقة وانحناءة قفصها الصدرى ، كان لديها غمازتان قرب قاعدة عمودها الفقري، واحدة على كل جانب، فوق حافة حزام سروالها الداخلي، قالت:

 هما خضراوان الآن.

كانت ترتدي نصف ملابسها، وتحدق عبر النافذة إلى مظلة الأشجار في الأسفل. كانت الشقة تقع في الطابق العلوي، ولم تكن معتادة على النظر إلى الأشجار من هذا الارتفاع. بدت الأشجار وكأنها بلا جذوع من تلك الزاوية، وبلا فروع. كانت بستان الأشجار يشكل سجادة خضراء كبيرة. قليل فقط منها كان يقف منفردًا، مثل كرات القطن. مستديرة منفوشة، وفيما عدا ذلك فكرت أنها مثل السحب.

سألها:

 أهما حضراوان؟

قالت:
 نعم.
أخذ نفسًا قصيرًا وصغيرًا.لا بد أنها سمعت ذلك لأنها قالت:
 كنت أعلم أنهما سيكونان كذلك .

قال:
 يا يسوع المسيح، ما الذي تتحدثين عنه؟
 في كل مرة نمارس فيها الحب تتحول عيناك إلى اللون الأخضر، كنت أخشى أن أقول ذلك من قبل.
 أفي كل مرة؟
 نعم.

تأمل الفتى الزهور مرة أخرى، ونظر إلى ظهر الفتاة، ثم نظر أخيرًا من النافذة، كان كل ما يمكن أن يراه هو السماء الزرقاء الأردوازية، كانت هناك أشجار في الخارج، تمتد عبر التل لمسافة طويلة. مع الرطوبة والمطر الصيفي بدت مظلة الأشجار أقرب إلى انفجار أحضر. لكن هذا لم يغير حقيقة موت الزهور. من حيث كانت الفتاة واقفة كانت الأشجار هي كل ما تسطيع أن تراه، وكان الفتى يعلم ذلك. ولكن من حيث كان مستلقيًا، لم تكن تلك النافذة سوى مستطيل من اللون الأزرق الشاحب.

(انتهت)

المؤلفة : كالفن ميلز / Calvin Mills كاتب قصة قصيرة ومسرح أمريكى ، يقوم بالتدريس فى كلية مينسولا فى برت إنجليش فى واشنطن .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى