مـــــــــــــــأزق
خرجت ذبابتان في نزهة ،و في الطريق رأتا بيتاً منيفاً ناصع البياض . تمنت ألأولى ألدخول إليه ، فحذرتها ألثانية من مغبة ألمجازفة قائلة :
ـ حذار من ألدخول .
قالت ألأولى :
ـ ولم ألحذر ؟ أنا جائعة .
قالت الثانية :
ـ تعالي نجلس عند حاوية ألأزبال تلك ،لأقص عليك ما جرى .
طارتا بإتجاه ألحاوية وهبطتا فوقها ، ثم بادرت ألثانية بألحديث مشيرة بخرطومها :
ـ إنظري ! حتى نفاياتهم يضعونها في أكياس خاصة ؛ ليحرمونا منها .
قالت ألأولى بلهفة :
ـ إنني أتصور ألآن ما يضعونه من صنوف ألطعام ألشهية على موائدهم.
قالت لها ألثانية بهدوء العارف المتزن:
ـ وهذا ما تصورته أنا أيضاً ، طرت بسرعة . دخلت فرحة . تلفتّ من حولي ، فلم أجد ما يأُكل . وقفت فوق طاولة مستديرة أعدت لتناول ألطعام مغطاة بشرشف من ألساتان ألأبيض . كدت أختنق من بقايا عطر ألصابون ألنفاذ.
طرتُ عالياً . إتجهت إلى ألمطبخ ، وأنا اُمنـّي نفسي بوجبة طعام شهية . كان ألمطبخ مزين بقطع من ألسيراميك ألمزخرف . جلتُ ببصري في أنحائه ، فلم أرّ ما يأكل . ألقدور مغطاة بإحكام . إقتربت من أحدها لأتبين ألأمر ، فلذعتني حرارته . طرتُ مرتبكة ، ثم هبطت بسرعة الى سلة ألنفايـات وجدتهـا هي ألأخرى مغطاة بأحكام .
إشتد بي ألجوع ولعنت ألساعة ألتي دخلت بها الى هذا ألبيت ، وقلت في نفسي:
ـ كل هذا الجمال والرفاهية لايقدران على إشباع ذبابة . يا للبخل.
ولشدة غضبي ؛ نفضت قوائمي ألواحدة تلو ألأخرى بخبث ، ثم أثنيـت علـى ألباعة ألمتجولين ، لأنهم يشركوننا فيما يبيعونه للأطفال من مأكل ومشرب . فكرتُ قليلا ، ثم طرتُ الى ألطاولة لأريح أجنحتي وأنتظرت أصحاب ألمنزل علّني أشاركهم وجبة طعامهم . بعدها جاءت سيدة جميلة وضعت ألأطباق ألفارغـة والملاعق بطريقة تنم عن ذوقها ألرفيع . مما زادني رغبة في ألأنتظار.
في غفلة منها تذوقت ألملاعق فلم أشعر إلا بطعم ألمعدن ألبارد.
جلست ألعائلة متحلقة حول ألمائدة , وألحبور يملأ نفوسهم . طلب ألأب من ألجميع ؛ ألأم وألأبن وألأبنة تلاوة ألبسملة . بعدها تفاجأ ألجميع عندما رؤوني أتنقل بين ألأطباق . صاحوا بصوت واحد ، وكأنهم إكتشفوا قنبلة موقوتة :
ـ ذبابة ذبابة .
لاحقتني أيديهم . فذعرتُ وكدتُ أسقط في صحن ألحساء ألحار . جمعتُ قوتي وتخلصت منهم بشق ألأنفس .
طرتُ عالياً ووضعت قوائمي على ألثريا ألعالية . إطمأنت نفسي وحمدت ألله على سلامتي .
رفعوا ألأطعمة وظلوا يرقبونني ،ويفكرون بألوصول إليّ بشتى ألطرق. رشوا ألصالة برذاذ نفاذ لم أعهده من قبل . صعقتني رائحته ، فهويت إلى أسفل .
حمل ألأبن مضرباً طويلاً صنع خصيصاً للقضاء على جنسنا ، و ظلّ يتابعني وأنا أزوغ عنه . أما ألأبنة فقد إستعملت منديلاً أبيضاً لاحقتني به .
ضيقوا علي ألخناق وأعلنوا نفيراً عاماً ؛ إضطرني إلى الهرب باتجاه ألمطبخ ومن خلال مفرغة ألهواء ألفاسد قذفت بجسدي خارجاً ، و وقعت بعدها مغشياً علي .
في ألمساء عدّتُ لوعيي ، وطرت بتثاقل مبتعدة عن ألبيت .
ردّت عليها ألأولى بقلق وهي تتصور ألمأزق ألذي وقعت فيه رفيقتها وقالت :
ـ لالا . ألجوع أهون من رائحة ألرذاذ ألنفاذ .