الثلاثاء ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

وهم «الحداثة ومابعدالحداثة» في سياقات متخلفة

في السنوات الأخيرة، انخرط المثقفون العرب بشكل متزايد في النظريات الغربية مثل الحداثة وما بعد الحداثة، في كثير من الأحيان في محاولة لوضع أنفسهم داخل خطاب فكري عالمي. ومع ذلك، فإن هذا الانخراط يثير مخاوف كبيرة بشأن أهميته وقابليته للتطبيق على المشهد الاجتماعي والثقافي الفريد للمجتمعات العربية الإسلامية. فمن خلال التركيز على هذه النظريات المعقدة، يخاطر العديد من المثقفين بفصل أنفسهم عن الحقائق المعيشية لمجتمعاتهم، مما يعزز الشعور بالنخبوية الفكرية التي تنفر عامة الناس. ويستكشف هذا المقال الآثار السلبية لمثل هذا الانخراط النظري، بما في ذلك السطحية في الخطاب، وتعزيز الانفصال بين المثقفين والمجتمع، والفشل في تنمية الفكر الأصلي. وفي نهاية المطاف، يزعم أن هذا الاعتماد على الأطر الأجنبية يمكن أن يخنق الحوار الهادف ويعيق تطوير تقليد فكري عربي قوي يعالج القضايا الملحة التي تواجهها المجتمعات العربية المعاصرة.
الانفصال عن الواقع الثقافي والاجتماعي
قد يتبنى العديد من المثقفين النظريات الغربية مثل الحداثة وما بعد الحداثة دون النظر بشكل كامل في مدى ملاءمتها أو تطبيقها على السياق العربي الإسلامي. ويمكن أن يؤدي هذا الانفصال عن الواقع المعيشي للمجتمعات العربية إلى خلق خطاب فكري يبدو غريباً أو غير ذي صلة بالسكان بشكل عام. وتعكس النظريات التي تم تطويرها في الغرب تطورات تاريخية محددة، مثل التنوير أو التصنيع، والتي لا يوجد لها مثيل مباشر في العالم العربي. ومن خلال الفشل في تأسيس هذه النظريات على التجارب المحلية، يخاطر المثقفون بتعزيز أفكار منفصلة عن التحديات الفعلية التي تواجه مجتمعاتهم.
النخبوية الفكرية
غالباً ما يأتي استخدام هذه النظريات المعقدة كمحاولة للإشارة إلى التفوق الفكري. إن بعض المثقفين، من خلال التعامل مع مفاهيم معقدة وغامضة في كثير من الأحيان، يضعون أنفسهم كجزء من النخبة الأكاديمية العالمية، البعيدة عن هموم الناس العاديين. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى شكل من أشكال النخبوية الفكرية، حيث يصبح فهم ومناقشة هذه النظريات أكثر ارتباطاً باستعراض تعليم المرء وعالميته من معالجة المشاكل المجتمعية العملية. وبهذا المعنى، يصبح الأمر أكثر ارتباطاً برفع مكانتهم في الدوائر الفكرية بدلاً من تقديم حلول قابلة للتنفيذ.

المشاركة السطحية
في بعض الحالات، يمكن النظر إلى المشاركة في النظريات الغربية على أنها سطحية أو تمثيلية. قد يشير المثقفون إلى الحداثة وما بعد الحداثة وغيرها من النظريات المعقدة دون فهمها بالكامل أو التعامل معها بشكل نقدي. ويمكن أن يؤدي هذا الاستخدام السطحي للنظرية إلى اتخاذ مواقف فكرية بدلاً من التحليل أو النقد الهادف. وقد يتم الاستشهاد بالنظريات لإعطاء مظهر من التطور بدلاً من المساهمة في رؤى أعمق للديناميات الاجتماعية أو السياسية العربية.
عزلة الجماهير المحلية
من خلال إعطاء الأولوية للأطر الفكرية الغربية، يخاطر المثقفون العرب بعزل الجماهير المحلية التي قد تجد أن هذه المناقشات غير ذات صلة أو غير متاحة. إن التركيز على النظريات المجردة المستوردة يمكن أن يجعل الخطاب الفكري يبدو بعيدًا عن الاهتمامات اليومية للناس في العالم العربي. ويمكن أن يؤدي هذا العزل إلى خلق فجوة بين المثقفين والمجتمع الأوسع، مما يقلل من تأثير عملهم. وبدلاً من معالجة القضايا التي ترتكز على الواقع العربي الإسلامي، قد يُنظر إلى المثقفين على أنهم يرددون الأفكار الغربية، مما قد يخلق الاستياء أو اللامبالاة بين جماهيرهم المستهدفة.
الدعاية والفخر النفسي
بالنسبة للبعض، قد يعمل الانخراط في هذه النظريات الغربية كشكل من أشكال الترويج الذاتي، مما يمنح المثقفين شعورًا بالفخر النفسي ويعزز مكانتهم النخبوية. ويمكن أن تكون مناقشة الحداثة وما بعد الحداثة وسيلة لتقديم أنفسهم على أنهم مطلعون عالميًا ومتفوقون فكريًا. ويمكن أن يكون هذا الشكل من المواقف الفكرية أكثر من الترويج الذاتي من المساهمة في المناقشات ذات المغزى حول التقدم الاجتماعي. إن التركيز على هذه النظريات قد يتحول إلى شكل من أشكال الدعاية الفكرية، التي تعمل على رفع مكانة المثقفين بدلاً من معالجة الاحتياجات والقضايا الحقيقية للمجتمعات العربية.
الفشل في تطوير الفكر الأصيل
من خلال تبني الأطر الغربية بالجملة، قد يهمل المثقفون العرب تطوير النظريات والتقاليد الفكرية الأصيلة الأكثر ملاءمة للسياق المحلي. إن هذا الاعتماد على الفكر الغربي يمكن أن يخنق خلق تقليد فكري عربي إسلامي حقيقي يستمد من التاريخ والثقافة والديناميات الاجتماعية المحلية. وبدلاً من تطوير حلول محلية للمشاكل المحلية، قد يصبح المثقفون معتمدين بشكل مفرط على الأطر الخارجية التي لا تتناسب مع الحقائق الثقافية والتاريخية للعالم العربي.
ومن خلال التركيز على الجوانب السلبية، يتضح أن الانخراط في النظريات الغربية، على الرغم من أنه مفيد في سياقات معينة، يمكن أن يؤدي أيضًا إلى النخبوية الفكرية والسطحية والانفصال عن الواقع العربي الإسلامي المحلي. ومكن أن يعيق هذا النهج في نهاية المطاف تطوير خطاب هادف وذو صلة يعالج التحديات الفريدة التي تواجه المجتمعات العربية. وفي حين يسعى العديد من المثقفين إلى الانخراط في النظريات الغربية، مثل الحداثة وما بعد الحداثة، فإن هذا الانخراط غالباً ما يكشف عن انفصال مقلق عن حقائق المجتمعات العربية الإسلامية. وقد يؤدي التبني السطحي لهذه الأطر إلى وهم التعقيد والأهمية، مما يخفي القضايا الأساسية التي تؤرق مجتمعاتهم.
وبدلاً من أن تكون هذه النظريات بمثابة مسارات للتنوير، فإنها قد تعمل عن غير قصد على تعزيز التخلف المجتمعي القائم من خلال تحويل الانتباه عن السياقات الثقافية والتاريخية والاجتماعية الفريدة للعالم العربي. ويعزز هذا الاتجاه بيئة تزدهر فيها النخبوية الفكرية، مما يؤدي إلى تنفير الجماهير المحلية وخنق تطور الفكر الأصلي. وفي حين يكافح المثقفون العرب مع تعقيدات مجتمعاتهم، فمن الأهمية بمكان أن يعطوا الأولوية للانخراط الأصيل في واقعهم الثقافي، مستمدين من التاريخ والتقاليد المحلية بدلاً من الاعتماد فقط على المفاهيم الأجنبية.
في نهاية المطاف، يكمن التحدي في تجاوز قيود "التخلف"، سواء في أشكاله الحديثة أو ما بعد الحداثة، لتنمية خطاب فكري أصيل يعالج القضايا الملحة التي تواجه المجتمعات العربية. وهذا يتطلب إعادة تقييم نقدية لدور المثقفين، وحثهم على تبني نهج أكثر رسوخًا يعزز الارتباط الهادف بمجتمعاتهم ويساهم في تطوير تقاليد فكرية محلية مرنة.

صالح سليمان عبدالعظيم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى