وما زالت الحكاية مستمرة.....
في صباح يوم الاحد الموافق 21\4\2002 توجه إدريس من بيته في مثلث سعير الشيوخ. وركب سيارته كالعادة حتى مفرق بيت عينون حيث السواتر الترابية والحواجز الاسمنتية يترجل من سيارته ويمشي مسافة ثلاثمائة متر ليقطع السواتر الترابية ومر بجانب ثلاث مجنزرات، وكل مجنزرة حولها أربعة جنود،مصوبين أسلحتهم نحو المارة يدققون في هوياتهم بحثا عن أسماء مطلوبين لهم.
مشى ومعه مجموعة من بنات مدرسة بيت عينون ليستأنسوا به من الجنود، فدقق الجنود في هويته وتركوه يتجه إلى الجهة القبلية من الشارع باتجاه الخليل.
انطلقت السيارة مسرعة – تشبه حركة التراكتور- تخض البطون، وتضرب الرؤوس بسقف السيارة وإذا بحاجز متنقل للجيش، لمحه السائق من بعيد، فغير مجرى السير، وجاء عبر طريق ترابي وعر وبين البيوت ووصل المدرسة – مدرسة ربيحة الديجاني، التي يزورها يوما في الأسبوع كمرشد للتعليم الجامع، تعليم جميع الطلاب بما فيهم ذوى الحاجات الخاصة وسار الدوام بنظام ورتابة وبعد انقضاء الحصة الرابعة ارتفع أذان الظهر فتوضأ والمدير والسكرتير ومعلم التربية الاسلامية لقيام صلاة الظهر وفي نهاية الركعة انطلق وابل من الرصاص تجاه المدرسة فسلم عن اليمين والشمال وأسرع إلى الصفوف الثلاثة الأولى لإخراج الطلبة باتجاه منزل مجاور لابعادهم عن طلقات الرصاص، استمر القصف ثلاث ساعات بشكل متواصل وتم اخلاء جميع طلاب الطابقين الثاني والثالث ما عدا طلبة شعبتي الصف الأول حيث تم حجزهم في غرفة أرضية مع معلميهم، فهرع الأهالي وعلامات الخوف والفزع في عيونهم تحت وابل الرصاص من الرشاشات الثقيلة من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي من العمارة المقابلة للمدرسة – عمارة اسعد الجعبري – حيث النقطة العسكرية الدائمة على سطحها وكذلك القصف المستمر من المجنزرة التي تقف على الشارع الالتفافي شارع رقم 60 بالاتجاه الشمالي للمدرسة، تم اخلاء المدرسة وإبعاد الطلبة إلى المنازل المجاورة فلم تقع اصابات بين الطلبة ولكن حدثت أضرار جسيمة في مبنى المدرسة فتكسر الزجاج والأثاث وفي الساعة الثالثة عاد إدريس مشيا على الأقدام وبطرق ترابية مسافة 2كم ونتيجة فرض منع التجول على مدينة الخليل، وصل مفرق بيت عينون وإذا بالنقطة العسكرية تمنع أي شخص من عبور الشارع الالتفافي وحجز الناس على طرفي الشارع، فمشى من الجهة الشرقية للشارع باتجاه مفرق الدوارة ومجموعة من المارة والشيوخ الطاعنين في السن من بين كروم العنب، وتم قطع الشارع بسرعة وتحت وابل من الرصاص فوقع شيخ كبير السن على الأرض ولكن سيارته في الجهة الغربية على عين بيت عينون فاستأجر سيارة لكي توصله إلى عين بيت عينون حيث تقف سيارته.
وصل سيارته الأودي الحمراء وإذا بزجاجها الخلفي والغمازات مكسرة وزجاج جميع السيارات الواقفة من قبل جنود الاحتلال فقال في نفسه داهية في المال ولا في العيال. وبعد أذان العصر كان على موعد مع سيارة المطبعة لاستلام كتاب طبعة جديدة من إصدارات مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي في سعير، فاستأجر سيارة مرسيدس شاحنة ونقل فيها نسخ الكتاب وإذا بجيب عسكري يقف بجانبهم ويطلق النار على عجلات الشاحنة ويعطبها جميعا ما الأمر ... وما العمل؟؟! .
توجه إدريس وسائق الشاحنة إلى أقرب محل كاوتشوك لشراء عجلات مستعملة وتركيبها، وما أن وصلا مقر مركز السنابل في مفرق سعير – الشيوخ لانزال الكتب وخزنها وإذا بمواجهات بين شبان الانتفاضة وجنود الاحتلال، فرد الجنود بإطلاق النار بشكل عشوائي، فأصابوا السخان الشمسي بعدة طلقات عمدا ، فتدفقت المياه على سطح البناء.
فتوجه إدريس إلى أقرب محل أدوات صحية واشترى ثلاث خزنات وبرفقة الموسرجي تم تركيبها.
وفي اليوم التالي توجه إلى الارتباط لاخذ تصريح للسماح له لدخول القدس لمراجعة ابنه البكر إبن الثلاثة عشر عاما، وتم تأجيله عدة مرات إلى أن بعث الطبيب المعالج رسالة بالفاكس لمراجعة العيادة الطبية.
ذهب وابنه إلى مركز الدكتور نافذ النوباني في الشيخ جراح، واتصل مدير المركز بالبروفسور هاندل أخصائي الحوض والعمود الفقري في مستشفى "شعاريا تصيدق" وأكد على الموعد ودفع سبعمائة شيكل بدل الكشف الطبي، وكشف الطبيب على ابنه وطلب عمل فحوصات- فحص الرنين المغناطيسي وهذا ممكن عمله في مستشفى الجامعة الأردنية في عمان.
خرج وابنه من عيادة الدكتور إلى الشارع العام، وتم تفتيشه من قبل حرس الحدود، لم تقبل أي سيارة أن تقلهما، فجاء باص ايجد فصعد الركاب وصعد ابنه درج الباص فصار صراخ وبكاء وهتاف داخل الباص – لم يميز منهما الا (لو رتسية عفريم) فأخذ أمن الباص يدفعه بقوة وابنه لانزاله من الباص وكذلك أمن المحطة يسحبونه بقوة، لإنزالهما من الباص تحت المسبات والشتائم وعبارات التجريح والصراخ والعويل، فما الأمر... وما العمل... موعد التصريح على وشك الانتهاء وهو الساعة السابعة مساء.
فرجع إلى عيادة الطبيب وطلب له سيارة إسعاف لكي تنقله وابنه إلى مفرق بيت عينون وترجلا على الشارع باتجاه سعير وإذا بسيارة مستوطن تتجه نحوهما، فانشغل تفكيره وخيم شبح الموت، فعرض جسده باتجاه سيارة المستوطن ووضع ابنه خلفه فإذا استشهد يعيش ابنه وينقل الذكرى ولكن سرعان ما تلاشى شبح الموت فإذا بالمستوطن ينزل عاملا كان يشتغل معه ويخرج مسرعا.
تشاهد إدريس بلا اله الا الله وقرأ المعوذتين ووصل البيت ، وفي اليوم التالي أخذ ابنه إلى مستشفى المقاصد حيث استغرقت الطريق من سعير إلى القدس عبر تفوح جورة الشمعة مراح رباح ، واد النار، أبوديس ثلاث ساعات بالتنقل من سيارة إلى سيارة عبر طريق وعرة وتم عمل الفحص فلم يظهر الفحص شيئا وعاد وابنه إلى البيت.
وفي اليوم التالي حدثته زوجته التي نامت وهي تقرأ القرآن وتصلي صلاة الاستخارة – أنها حلمت بأن سبب مشكلة ابنها بقعة حمراء في أسفل رجله، وبعد تناول الفطور ذهب إلى مكان عمله في مديرية التربية وفي جلسة مع رئيس قسم النشاطات تجاذبا أطراف الحديث، وروى له قصة الذهاب إلى القدس وهنا استوضح رئيس قسم النشاطات عن أعراض الحالة والألم فقال أن هذه الاعراض حصلت معه وهو في السعودية والسبب شيئا ما في أسفل القدم.
وبعد انتهاء الدوام والعودة إلى البيت حدث زوجته عن نصيحة رئيس قسم النشاطات وتزامنت مع حملتها الليلة الفائته، وهنا تم الكشف عن أخمص قدم الولد ، وإذا ببقعة حمراء ، فنبشها برأس إبرة، فوقف الولد يصرخ تحركت رجله، واذا بالطفل يمشي طبيعيا بعد أن تمت مراجعة معظم أطباء العظام في الخليل وبيت لحم ورام الله والقدس.
تعجز الكلمات عن وصف مشاعر الألم والأمل والحب والخوف والانفعالات التي رافقت بعض المشاعد التي ما زالت الحكاية مستمرة، حواجز وسواتر ومجنزرات على طريق العمل ذهابا وإيابا.
مشاركة منتدى
22 شباط (فبراير) 2006, 17:47, بقلم ابو الوديع
اشكر الدكتور ادريس جرادات على هذه القصة واتمنى له دوام التقدم والنجاح وانا من المطلعين على مجلة السنابل فكل التقدير له والله يعطيه العافية لانها قصة مميزة وايضا اشكره على انتقاء عنوان القصة