
هزمنا إسرائيل سينمائياً
ما نشاهده في نشرات الاخبار من اجتياح إسرائيلي متكرر للأراضي الفلسطينية وقتل العشرات كل يوم جعلني لا أتصور أنه من الممكن أن يكون هناك وقت للسينما لدى الفلسطينيين، ولذلك حرصت على مشاهدة الفيلم الفلسطيني (القدس في يوم آخر) في أكثر من حفلة من حفلات مهرجان القاهرة السينمائي، وأكثر ما أعجبني هو الرومانسية الجميلة التي غلفت اللغة السينمائية الغاضبة للمخرج هاني أبو أسعد وظل السؤال الذي يطاردني وأنا في طريقي للحديث معه، هل هناك وقت للرومانسية في ظل مقاومة الاحتلال والعمليات الاستشهادية؟ وفاجأتني إجابته:
– ولماذا لا وقت للرومانسية، الجزء الأهم من المقاومة هو عدم السماح للاحتلال بقتل الحياة، وأنا لم أقدم في فيلمي رومانسية بحتة، ولكن أنا عرضت ليوم كامل في حياة فتاة فلسطينية تعيش تحت الاحتلال من خلال قصة عاطفية تتسلل اليك وتتعاطف مع أبطالها وتشعر بمعاناتهم، المذابح الكل يعرفها من خلال نشرات الأخبار، والفن وخاصة السينما ليست للصراخ والخطاب المباشر ولكن للتاريخ والقصة العاطفية في الفيلم تجلب جمهوراً كبيراً تعرض له القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر وهذه وظيفة السينما.
– لماذا تنطق العربية بصعوبة وكيف جاء عملك في المجال السينمائي وهل أنت من عرب 1948، أم من فلسطينيي الداخل؟
– بداية أنا أرفض الجزء الأخير من سؤالك لأن التقسيم للفلسطينيين ما بين عرب 1948، وعرب 1967، وعرب 2003، هو هدف إسرائيلي لتشتيت الشعب الفلسطيني الواحد، وأنا من الناصرة ولدت عام 1961، والدي (حسن أبو أسعد) رحمه الله كان يعمل في مجال المقاولات ووالدتي (سهيلة) كانت ربة منزل وعدم نطقي العربية باللهجة العامية البسيطة ربما يرجع الى وجودي في هولندا لمدة 15 عاماً على فترات الأولى من 1989 – 1981 والثانية من 1998 – 1993. ولكن أنا حالياً أعيش في فلسطين ومنذ سنوات ولن أغادرها.
أما بالنسبة للسينما فأنا أحببتها فعملت بها فأنا مهندس طيران وعملت في هذا المجال لمدة عامين من 87 – 89 ولكن وجدت أن الهندسة تقوم على معاملة واحدة 1+1=2 وهذه المعادلة ثابتة في كل أنحاء العالم، ولأنني بطبيعتي أعشق المغامرة وأعشق الخيال فقد اتجهت للإخراج السينمائي وأنا عشقت السينما منذ كنت طفلاً، ففي مدينتنا الناصرة كانت هناك سينما (ديانا) تقدم كل أحد فيلمين في تذكرة واحدة أجنبي (كاوبوي) ومصري. وعشقت من خلال مشاهدتي الأبطال المصريين فريد شوقي ورشدي أباظة وتوفيق الدقن ومحمود المليجي وهند رستم وميرفت أمين. لذلك عندما شعرت بقسوة الواقع وضيق مجال الهندسة هربت الى عالم السينما الرحب الواسع الذي كان يساعدني وأنا طفل على الهروب لمدة 4 ساعات من الواقع الصعب في ظل الاحتلال الاسرائيلي.
– ماذا عن تجربتك الأولى وما أهم التجارب في مشوارك السينمائي؟
– أنا لي أربع تجارب سينمائية في مشواري فيلمان قصيران هما (بيت من ورق) و (الـ 13) وفيلمان روائيان (بنت الـ 14) و (القدس في يوم آخر) وكانت تجربتي الأولى هي فيلم (بيت من ورق) الذي يتناول قصة ولد فلسطيني هدمت السلطات الاسرائيلية بيته فأصبح حلمه بناء بيت جديد حتى ولو من ورق وقد نال هذا الفيلم الجائزة الثالثة من مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1992. أما فيلمي القصير الثاني (الـ 13) فهو لا يتعرض للمقاومة الفلسطينية ويحكي قصة خيالية لشاب يستيقظ فلا يجد سوى نفسه في كل العالم. وأيضاً فيلمي الروائي الأول بعيداً عن الهم الفلسطيني ويتناول قصة زواج شاب وفتاة هولنديين في شكل كوميدي، وأنا أعتبر فيلمي الروائي الأخير (القدس في يوم آخر) هو العمل الأهم حتى الآن في مشواري وهذا الفيلم يحمل عنواناً آخر هو (زواج رانا) وهو يدور حول شابة فلسطينية يخيرها والدها بين الزواج من بين مجموعة رجال اختارهم هو بنفسه على أساس المهنة والعائلة والثراء، وبين أن تكمل دراستها في مصر، وذلك لإبعادها عن حبيبها الفلسطيني الذي يعمل في فرقة مسرحية . وبعد أن حدد لها والدها مهلة لتختار تنتهي في الساعة الرابعة من يوم الخميس تجاهد الفتاة للبحث عن حبيبها لتتزوج منه ومن خلال رحلة البحث عن حبيبها نستعرض ممارسات الاحتلال الاسرائيلي والحواجز الداخلية والخارجية ومشكلة القدس بالتحديد ومشكلة الفتاة كبنت عربية فلسطينية.
(ورفض بشدة أن يتحدث عن نهاية الفيلم وألح علي بألا أكتبها ضمن الحوار حتى يستمتع الجمهور بالفيلم عند عرضه تجارياً.
– متى وأين سيعرض فيلمك تجارياً؟
– في ديسمبر المقبل سيعرض في دور السينما بهولندا وفرنسا وألمانيا واليابان وسبق عرضه في فلسطين ولاقى نجاحاً كبيراً كما لاقى حفاوة وحصل على جوائز في المهرجانات السينمائية التي اشترك فيها.
– ما المهرجانات التي شارك فيها فيلمك وماذا عن الجوائز؟
– الفيلم شارك في مهرجان كان حيث عرض في افتتاح أسبوع النقاد وشارك في مهرجان السينما العربية في باريس ومهرجان مونتريال ومهرجان واشنطن ومهرجان ريو دي جانيرو بالبرازيل ومهرجان قرطاج الأخير ومهرجان بيروت السينما العربية ومهرجان مراكش حيث فازت البطلة (كلارا خوري) بجائزة أحسن ممثلة وهذه هي الجائزة الوحيدة التي نالها الفيلم حتى الآن.
– ما سر تهافت المهرجانات السينمائية على عرض فيلمك؟
– من الصعب أن أتحدث عن فيلمي ولكن ربما لأن الجميع يريد أن يعرف أكثر عن الشعب الفلسطيني.
– من هم أبطال فيلمك وماذا عن القصة؟
– أبطال الفيلم هم (كلارا خوري) و (خليفة ناطور) و (إسماعيل الدباغ) وجميعهم قدموا في هذا الفيلم تجربتهم الأولى في السينما ولكن لهم تجارب مسرحية سابقة وكلهم فلسطينيون وللفيلم إنتاج فلسطيني من قبل وزارة الثقافة وتنفيذ الإنتاج فلسطيني – هولندي مشترك والقصة كتبتها الفلسطينية (ليانة بدر) وكتب السيناريو المصري (إيهاب لمعي).
– لماذا اخترت اسمين للفيلم (زواج رانا) و (القدس في يوم آخر)؟
– أنا اخترت اسماً واحداً (القدس في يوم آخر) ولكن الموزعين الفرنسيين أصروا على تغيير الاسم لاعتقادهم أن الاسم الجديد (زواج رانا) يجلب جمهوراً أكثر وأنا أحب كلا الاسمين، فرانا بطلة الفيلم ومحور الأحداث.
– هل لأنك عشت غالبية سنوات عمرك في الخارج (15 سنة) كنت حريصاً على تقديم فيلم يفهمه الخارج أكثر من الداخل العربي المهموم بالمذابح التي يرتكبها الاسرائيليون أكثر من الرومانسية وقصص الزواج؟
– الداخل الفلسطيني والجمهور العربي تقبل الفيلم كثيراً، والجمهور الخارجي تقبله أكثر ومعنى ذلك ان هناك جزءاً الجميع يوافقني عليه وهو تقديم جزء من الحياة الفلسطينية من خلال قصة عاطفية.
– هل الفيلم يصنف ضمن أفلام إزكاء روح المقاومة أم يصنف كتسجيل سينمائي لمشاعر؟
– كلاهما فاستمرار الحياة جزء لا يتجزأ من المقاومة، ووظيفة السينما هي تربية الأمل.
– ما الأفلام التي تناولت النضال الفلسطيني وأعجبتك؟
– فيلم (المخدوعون) السوري، و (الليل) و (أحلام المدينة) لمحمد ملص وأفلام تسجيلية لـ "جان شمعون"، ولم يعجبني الفيلم المصري (أصحاب ولاّ بيزنس) رغم وجود نية طيبة من صناعه، فالفيلم لم أشعر فيه بالصدق في تناول للقضية الفلسطينية وتنفيذه سيء.
– أشعر أنك غربي الثقافة أكثر منك عربي الهوية؟
– شعورك خاطئ.
– أنت مع أم ضد العمليات الاستشهادية؟
– العمليات الاستشهادية هي رد الفعل الطبيعي للاحتلال كما لا توجد استراتيجية مقاومة.
– هل في خططك السينمائية تناول حياة استشهادي في فيلم؟
– نعم وأتمنى.
– ماذا عن فيلمك القادم؟
– سأبدأ في تصويره العام القادم ويتناول المأزق في النضال الفلسطيني بمعنى أننا موجودون في ظل احتلال وعنف ولكن ليست هناك استراتيجية للنضال والمقاومة مما يخلق بلبلة بين الشعب الفلسطيني.
- هل لك تحفظات على القيادات الفلسطينية الحالية وما وجهة نظرك فيما يجب أن تكون عليه استراتيجية المقاومة؟
– أنا لست سياسياً حتى أحدد استراتيجية نضال ولكن عندي تحفظ على طريقة النضال.
– التمويل الغربي لأفلامك هل يؤثر على اختيارك للموضوعات؟
– لا، إطلاقاً ولا حتى بحرف واحد.
– كيف ترى إمكانية مواجهة آلة الإعلام الغربي المسيطر عليها من قبل اليهود؟
– هذا السؤال يطرح على القيادات السياسية والإعلامية العربية فهذه مهمتهم أما الفنانين فدورهم تقديم أعمال صادقة تعالج مشاكل سياسية واجتماعية.
– لماذا اخترت المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج ولم تختر مهرجان القاهرة؟
– هذا اختيار المهرجان وليس اختياري وكنت أتمنى أن أكون في مسابقة القاهرة.
– هل تشاهد السينما الإسرائيلية وهل تقبل التعاون معهم؟
– نعم أشاهد السينما الاسرائيلية ولديهم أفلام جيدة وتعجبني سينما المخرج (آسي ديان) وهو ابن موشي ديان ولكن لا أقبل أن يشاركني أحد الإخراج ولا أرفض تعاوناً إذا كان طبقاً لشروطي الكاملة.
– في الصراع السينمائي الفلسطيني الإسرائيلي في تقديرك لمن كان الانتصار؟
– الانتصار كان للسينما الفلسطينية فرغم إمكاناتنا الضعيفة إلا أننا استطعنا أن نهزم الاسرائيليين سينمائياً بأفلامنا البسيطة الصادقة التي تكسب الجمهور في المهرجانات الدولية وتفضح الممارسات العدوانية الاسرائيلية.
– هل ستستمر في سينما المقاومة أم ترغب في تقديم سينما تجارية؟
– أتمنى العمل في كليهما معاً رغم أنه من الصعب التوفيق.
– كيف ترى موجة أفلام الكوميديا التي تسيطر على السوق السينمائية المصرية؟
– هذه سينما تجارية أنا بعيد عنها ولكن أشاهدها .
أشرف صادق
عن الاهرام العربي