نحو حراك جامعي فعال؟!
من اجل حاضر الأمة ومستقبلها، ومن اجل استعادة مفهوم الانتماء للأرض والوطن وتفعيله في سبيل نهضة شاملة تستوحي رؤيتها من نسائم الربيع العربي القادم، أصبح لزاما علينا جميعا وبخاصة طبقة الأكاديميين والمفكرين والعقلاء والمصلحين أن نسعى إلى تحريك المياه الآسنة التي وقع في مستنقعها التعليم العالي في بلادنا.
لا بد من فعل أكاديمي جاد ومجدد وجديد، وليس من الحكمة أبدا أن نقف جميعا أو بعضنا وقفة المتفرج أو الشامت أو المستكين إزاء ما يحدث للتعليم العالي في بلادنا من انحدار وتقهقر وتردي حتى أصبحت الجامعات أضحوكة للعالم لكثرة ما دهاها من المشاكل ومظاهر العجز المزمن.
وفي هذا السياق لا بد من فعل وطني وعربي حقيقي وفعال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يصبح النظام التربوي العربي أشلاء ممزقة، وقبل أن يصبح عبئا ثقيلا على المجتمع بدلا من أن يكون أمل الأمة، وحصن الوطن من التلف الفكري والتردي العقلي.
يقبع الأكاديميون عادة في أبراج عاجية، ويحشرون حراكهم في مكاتبهم وفي قاعات الدروس، وبهذا فهم ينغلقون عن هموم المجتمع بحجة أنهم يتقيدون فقط بما ورد في المنهاج أو الكتب المقررة. لكنهم الآن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتحرك الايجابي للقيام بدور مختلف وجديد من اجل صنع حراك أكاديمي وجامعي يهدف إلى إصلاح ما تلف من أنسجة التعليم العالي.
لا يليق بنا أن نرى تعليمنا العالي في ذيل القائمة، ولا يشرفنا أن تصبح جامعاتنا أسيرة لفيروسات العنف وبكتيريا الجهل التي تكاد أن تستوطن في عقولنا قبل ساحاتنا. من يعيد مبدأ المساواة بين الطلبة ومن يوقف ممارسات التمييز بينهم أثناء التعامل معهم؟ ومن يمنع أشكال التجاوز والظلم التي تقع على الطلبة وعلى الأساتذة وعلى الموظفين في الجامعات؟
لماذا تبقى الجامعات جزرا معزولة لا تعرف إحداها عن الأخرى شيئا حتى في المدينة الواحدة؟ ولماذا تسود النظرة المحلية والجهوية والطائفية في جامعات العرب لدرجة أن الناس باتوا يعتقدون أن هذه الجامعة أو تلك صارت واجهات عشائرية ملكا لهم وحكرا عليهم بدل أن تكون ذخرا للوطن بكافة؟
لماذا صار حلم أستاذ الجامعة أن يهاجر إلى أي مكان في هذا العالم الرحب لعله يلقى شيئا من الاحترام وبعضا من الكرامة، وقليل من المال يقيه شر الفاقة والعوز؟ والى متى تبقى الجامعات حيرى إزاء تيارات العولمة وما يرافقها من زلازل سياسية وبراكين فكرية تثور بين أرجلنا ولا ندري ماذا نحن فاعلون؟
نريد للتعليم العالي أن يكون صونا لهوية الأمة، وحافظا لكنوزها الحضارية التي باتت تتطاير بفعل زوابع العولمة وتدخل غيرنا من الأمم التي صارت تتداعى علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، ونحن نيام مشغولون بإنهاء مناهج سخيفة، وامتحانات محسوبة وتافهة. ونريد معاصرة مبنية على أصالة وليس انسياقا وراء كل ما يلمع هنا وهناك، ظنا منا أن كل ما يلمع ذهبا!
نريد لجامعاتنا أن تكون منابر علم وتفكير من اجل الحرية والتعقل والتنوير ونشر الديمقراطية لا أن تنكفئ على نفسها لتظل دكاكين تبيع شهادات لا تساوي حبرا كتبت به. نريد قاعات للدرس تتحرر من الكتب المقررة البالية والكراريس والملخصات والتصاوير، لنستبدل بها حواضن لتشكيل عقل عربي جديد لا يخاف، ولا يجبن، ولا ينافق، ولا يستسلم لمطامع شخصية.
نريد عملا جامعيا عربيا مشتركا وحقيقيا بعيد عن بهرج المؤتمرات الشكلية الزائفة، والتصريحات التي لا تقنع غير الساذجين والمنافقين من حواشي أصحاب العطوفات. نريد جامعات تؤمن بالعقل وتسعى لواقع يحترم الناس، ويقدر العلماء، ويترك مجالا للتنوع والتميز والحوار بين كل التيارات والثقافات بعيدا عن التعصب والجاهلية والتحيز.
ليس من شك أن جامعاتنا وقعت في فخ الفساد، والترهل، والمتاجرة، وقبضة رأس المال. لكنها لا يجوز أن تبقى على كبوتها بهذا الشكل. لقد آن الأوان أن يهب كل منا لمكافحة مظاهر العهر الأكاديمي في بلادنا. لقد جاء الوقت لكي يقول كل منا قولة الحق، لمجابهة غول التخلف، ووقف الفاسدين والفاسدات ممن تربعوا بدون وجه حق على عروش التعليم العالي وعاثوا فسادا دونما حسيب أو رقيب.
جاء الوقت لحراك جامعي قوي وفاعل يعيد للجامعات هيبتها المفقودة، ويعيد لأستاذ الجامعة كرامته، ويعيد للموظفين حقوقهم المكتسبة، وللطلبة دورهم الحقيقي في ريادة المستقبل، ويعيد للحرم الجامعي حرمته. انك لا تجني من الشوك العسل، وانك لا تطلب الدبس من مؤخرة النمس!!