

من وحي فلسطين... شعر وقضية
احتلت القضية الفلسطينية موقعا مهما في الأدب العربي الحديث والمعاصر، لما تمثله من أهمية بالنسبة للشعراء والكتّاب والأدباء، ففلسطين محور الصراع العربي- الصهيوني، وكانت قدسها وما تزال مفخرة للأدباء والشعراء، يتغنون بها ويتزاحمون بإعلان انتمائهم إليها.
لذلك رأينا الشعراء يتجهون نحوها مؤمنين بدورهم الريادي في دفع وحث الجماهير العربية لتسجيل موقف إزاء ما يحصل على أرضها، وكذلك ايمانا منهم بعدالة قضيتها وبحتمية انتصارها في يوم من الأيام على العدو الصهيوني.
لم تكن نكبة الـ48 سببا لتوجه انظار الشعراء نحو فلسطين، بل سبقتها محاولات عدة، جاءت كردة فعل جرّاء محاولة تهويد قدسها وطرد سكانها ولاسيما بعد ما يسمى بوعد بلفور وقرار التقسيم الباطل.
شكلت القضية دافعا قويا للكثير من شعراء العرب فمنهم من أفرد لها القصائد الطوال، وغيرهم من حركته المناسبات والأحداث الأليمة للكتابة عنها، لكن هذه القصائد- بكل الاحوال- نتجت عن مشاعر صادقة وشفافة.
يعتبر الشاعر عمر أبو ريشة من الشعراء الوطنيين الذين سجلوا مواقف ضد المحتل الفرنسي في بلده سوريا، ومن الشعراء الذين هزّتهم نكبة العرب في فلسطين، وأثّر فيه سقوطها صريعة بيد الغاصب، لا لذنب اقترفته، وإنما لأنها رمز العروبة والإسلام، ففجر غضبه من خلال قصيدة" هكذا تقتحم القدس" ساخطا ومستهزءا بكل الأنظمة التي كانت السبب في هوانها وذلها، فالكل غير عابئ بها، أليست الحسناء الشقراء والكأس أنفع!
صـاح يـا عبد فرف الطيبواستعر الكأس وضج المضجعبــدوي أورق الـصخر لـهوجـرى بـالسلسبيل الـبلقعفـإذا الـنخوة والـكبر علىتـرف الأيـام جـرح موجعهـانت الـخيل على فرسانهاوانـطوت تلك السيوف القطعوالـخيام الـشم مالت وهوتوعـوت فـيها الرياح الأربعقال يا حسناء ما شئت اطلبيفـكـلانا بـالـغوالي مـولعأخـتك الـشقراء مـدت كفهافـاكتسى مـن كل نجم إصبعفـانتقي أكـرم مـا يهفو لهمـعصم غـض وجـيد أتـلعوتـلاشى الـطيب من مخدعهوتــولاه الـسبات الـممتعوالـذليل الـعبد دون الباب لايـغمض الطرف ولا يضطجعوالـبطولات عـلى غـربتهافـي مـغانينا جـياع خـشعهـكذا تـقتحم الـقدس علىغـاصبيها هـكذا تـسترجع
فيما يسخر عمر أبو ريشة من الوضع العربي، يدعو الشاعر المصري علي محمود طه في قصيدته الشهيرة" فلسطين" لشحذ الهمم ودعوة الشباب العربي إلى النضال ضد العدو الصهيوني، وهذا النضال لن يكون إلا بالسيف. في هذه القصيدة حرّك الشاعر الشعوب العربية، وبخاصة بعد أن أصبحت نشيدا للثوار، فما نزال إلى الآن نسمعها بضمائرنا كلما مرت أزمة ومصيبة، وما أكثر أزمات هذه الأمة!
أَخِي، جَاوَزَ الظَّالِمُونَ المَـدَىفَحَقَّ الجِهَادُ، وَحَقَّ الفِـدَاأَنَتْرُكُهُمْ يَغْصِبُونَ العُرُوبَــةَمَجْدَ الأُبُوَّةِ وَالسُّــؤْدَدَا ؟وَلَيْسُوا بِغَيْرِ صَلِيلِ السُّيُـوفِيُجِيبُونَ صَوْتَاً لَنَا أَوْ صَدَىفَجَرِّدْ حُسَامَكَ مِنْ غِمْــدِهِفَلَيْسَ لَـهُ، بَعْدُ، أَنْ يُغْمَـدَاأَخِي، أَيُّهَـــا العَرَبِيُّ الأَبِيُّأَرَى اليَوْمَ مَوْعِدَنَا لاَ الغَـدَاأَخِي، قُمْ إِلِى قِبْلَةِ المَشْرِقَيْـن ِلِنَحْمِي الكَنِيسَةَ وَالمَسْجِـدَافِلَسْطِينُ يَفْدِي حِمَاكِ الشَّبَابُوَجَلَّ الفِدَائِيُّ وَالمُفْتَــدَىفِلَسْطِينُ تَحْمِيكِ مِنَّا الصُّـدُورُفَإِمَّا الحَيَاةُ وَإِمَّــا الرَّدَى
أما لشاعرة الحداثة العراقية "نازك الملائكة" قصة مختلفة مع فلسطين وقراها، قصة مليئة بالصور الشعرية الجميلة تتجلى في قصيدة" مرايا الشمس".
في هذه القصيدة تتمنى الشاعرة أن يعود الوضع لما كان عليه في السابق، فتعود حرة في روابي فلسطين، لأنها بذرت أسلحتها فيها- الايمان بهذه القضية- فنبتت وكان نصرا، فعادت فلسطين عربية... ولكن لو أن الشاعرة ما تزال على قيد الحياة لصدمت مما يحصل الآن لشعب فلسطين وقضيته.
وبأدمعي حدّدت أرصفة الشوارع في(الخليل)ورشفت من حزني جرارا من عبيرياقناطرايا شوارعاإني سأبذر فيك أسلحتي وأنتظر الحصادوتخونني الأيامتسقط من خلال أصابعي حتى الفصولكيف الوصول ؟وتعود خارطتي الحبيبةملك قلبيتحت هدبيلايجوب سفوحها غيري أنا،غير الأغاني، والعروبة، والرياحوأحسّ خارطتي ترفرف كوكبا، في لانهايات المدى النائيوينبت لي جناح...أجل، هل كانت الشاعرة لتتمنى أن يكون ليدها جناح!!!!
لم يكن نزار قباني شاعر المرأة فقط، وإنما كان شاعر العروبة، فقد تأثر كثيرا بالأحداث التي أصابت الأمة العربية فكتب لفلسطين والقدس وبيروت وبغداد...الخ، وقد أفرد دواوين شعرية لقصائده السياسية، فاحتلت فلسطين جزءا كبيرا، منها هذه القصيدة التي يحفظها الصغير والكبير في العالم العربي.
ياقدس يا منارة الشرائعياطفلة جميلة محروقة الأصابعحزينة عيناك يامدينة البتولياواحة ظليلة مرّ بها الرسولحزينة مآذن الجوامعحزينة حجارة الشوارع..من يغسل الدماء عن حجارة الجدران ؟من ينقذ الانجيل ؟من ينقذ القرآن..
كثيرون هم الشعراء العرب الذين كتبوا عن فلسطين، ولكننا لن نحيط بأعمالهم في صفحات قليلة، فشعرهم كثير، ومدادهم أكبر، لقد استطاعوا أن يعبّروا عن وجدان كل مواطن عربي يبحث عن حريته المفقودة، وأن ينقلوا بقصائدهم وجع الأمة العربية.