الثلاثاء ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى معروفي

معروف الرصافي

أقول في إحدى قصائدي العمودية وأنا أتحدث عن الشاعر ـ الشاعر بوصفه إنسانا و واحدا من الناس ـ مخاطبا إياه هكذا:

آهِ لــو أنــصف الــزمان لــحرٍّ
كــنتَ أولــى بــأرفع الدرجاتِ
يــا أخــا الإلــهام الرقيقِ لتسلمْ
إنك الضوء في دجى الحالكاتِ

معروف الرصافي(1875 - 1945م) شاعر عراقي معروف، وهو من أوائل الشعراء الذين عرفتهم عن طريق المدرسة بقصيدته الشهيرة "الأرملة المرضعة" التي يقول في بدايتها:

لــقــيتها لــيتني مــا كــنت الــقاها
تــمشي وقد أثقل الأملاق ممشاها
أثــوابــها رثّـــةٌ والــرجل حــافية
والــدمع تــذرفه فــي الخدّ عيناها
بــكت من الفقر فاحمرّت مدامعها
واصفرّ كالورس من جوع محيّاها

ونحن في المدرسة كنا نحفظ الأبيات المقررة علينا منها، ونرددها أحيانا في مرح ظاهر مع أن القصيدة يخيم عليها جو الحزن والأسى.

معروف الرصافي كان يعيش في وقت من الأوقات العوز والفاقة ،وهو ما أشار إليه الأديب العراقي السيد مهدي القزاز في أحد أعداد مجلة "الأديب"البيروتية،فروى أن الرصافي صار يتوكأ على عصا من جريد النخل ،ويحدث أن قرأ المقال شخص كان يعيش في بغداد واسمه مظهر الشاوي ،فيقول الشاوي بأن شعر رأسه وقف واقشعر جلده ،وخجل من أن يعجز العراق عن إعاشة شاعر واحد من أبنائه في قيمة ومستوى الرصافي علما وشعرا وثقافة،المهم في الأمر هو أن أحدهم ويسمى مظهر الشاوي طلب شراء ثلاث كسوات عربية للرصافي وأن تصنع له عصا من الآبنوس مفضض ومطعّمة بالذهب ويكتب عليها:

هدية الشاوي لصديقه الرصافي

وخصص له راتبا شهريا ما دام على قيد الحياة، ولكن الرصافي مات ومظهرالشاوي في المعتقل.

وقد نظم الرصافي قصيدة مدح في الشاوي، والمدح لا عيب فيه إن كان صادقا لا تصنع فيه ولا نفاق، يقول الرصافي:

أمــظهر قــد أخرستني إذ شــملتني
بــعاطفة قــد ضــاق عنها التصور
عــلى حين كان الناس شتى قلوبهم
وكــــل لــــكــل كـــاره مــتــنكر
فــأطــلقت بــالإحسان حــرا مــقيدا
بــــه يــتــرامى جَـــده الــمــتعثر
فـــوالله لا أدري وإنـــي لــحــائر
بـــأي لــســان نــاطق لــك أشــكرُ
ســأشكرك الــشكر الذي أنت أهله
وإن كان شكري عن نوالك يقصر
وأجعل قرص الشمس عند طلوعها
عــلامــة شــكر كــل يــوم يــكرر
إذا ذر قــرص الشمس كل صبيحة
تــلا قــرنَها شــكر كوجهك مزهرُ

وقال في الحلة التي أهداها له:

أهــديت لــي حــلة غيظ الحسود بها
لأنــهــا تــحفة مــن أنــفس الــتحفِ
فــرحت أرفــل فــيها وهْــي ضافيةٌ
وأنــت ترفل في ضافٍ من الشرفِ
وصــار عــيشي بــما أوليتني رغدا
وكان من قبل رهن البؤس والشظَفِ

وقال في العصا:

أنـــا شــيخ وذي عــصاي َفــتيّةْ
قــد أتــتني مــن مــظهرٍ لي هديةْ
صــاغة الــصابئين قــد ألــبسوها
حــلــيةً ذات صــنــعة عــبــقريّةْ
وشــحــوهــا مــنــظــهرٍ بــكــلامٍ
مــعــرب عـــن مـــودة أخــوية
هي تحكي عصا ابن عمرانَ قدْرا
فــلــذا رأســهــا كـــرأس الــحيةْ
فــســأمشي بــهــا ســويــا قــويــا
بــعــدما كــنــت مــاشيا كــالحنيّةْ
وســتــبقى الــذكرى بــها لإخــاءٍ
مّــــوثــق بــالــوشــائج الأدبــيــة
شـــرف قـــد أفــاد فــيه إخــائي
لــكــريم مـــن أســـرة حــميرية

رحم الله معروف الرصافي، شربنا الشعر من يديه عذبا زلالا وتشربناه محبة وشغفا، وما تزال الأجيال واحدا تلو الآخر تهب إلى نبعه تروي ظمأها مرارا وتكرارا.

اللهم أعنا وكن لنا وليا ونصيرا.

على الهامش:
ونحن في مرحلة الدراسة الثانوية كنا في غرفة ومعنا الصديق وزير الثقافة السابق حسن عبيابة الذي كان يدرس معي آنذاك في نفس المستوى وفي نفس الحجرة، وحدث أن سألني أحد الإخوة الطلاب الخليجيين الجامعيين وكان محبا للشعر عن اسمي الكامل فقلت له اسمي الكامل هو:

مصطفى معروفي

فقال على الفور وما زلت أتذكر ذلك وبالحرف:
لا تخافي لا تخـــافي
إنه معروفْ الرصافي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى