الاثنين ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٢

مسرحية استشراقية تشوّه صورة الفتاة العربية المقاومة

عرضت على مسرح تشلسي في لندن
مسرحية استشراقية تشوّه صورة الفتاة العربية المقاومة

عرضت في لندن خلال شهر نيسان (أبريل) الجاري مسرحية بعنوان عاطفة (Passion) تحكي قصة غرام شابة من أحد المخيمات الفلسطينية في أراضي السلطة الذاتية وقعت في حب صحافي أجنبي متمرس يكبرها سناً. وتحاول المسرحية التي كتبها طوني كريز، وعرضت في مسرح "تشلسي ثياتر" في "كينغز رود"، وصف العالمين المختلفين اللذين يعيش فيهما بطلاها بيل ، الصحافي الإنكليزي الذي يعلب دوره الممثل أندرو هول، وهناء الفتاة الفلسطينية التي تمثل شخصيتها كارينا فرناندير. والاثنان من الممثلين المعروفين نسبياً مسرحياً وسينمائياً.

وقد أخرج المسرحية مالكوم ساترلاند الذي حاول أن يظهر الفوارق الأخرى بين البطلين، فبالإضافة الى اختلاف إثنيتيهما كان بيل يكبرها سناً (هو في أربعيناته وهي في عشريناتها) مما يعني أنهما من جيلين مختلفين، كما أن بيل كان من المؤمنين بإمكان تحقيق السلام في فلسطين عبر التفاوض ويتطلع بشغف الى الموعد الذي أعطاه إياه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لإجراء مقابلة معه فيما كانت هي من مؤيدات المقاومة الفلسطينية والحل العسكري للأمور عبر العمليات الميدانية.

وتتمحور الرواية في المسرحية حول ما إذا كانت علاقتهما العاطفية وحبهما سيساعداهما في تجاوز الفوارق بينهما أو أنهما سيضحيان بهذه العلاقة بسبب الأيديولوجية.

وقد اعتبر النقاد الإنكليز الذين شاهدوا المسرحية (حتى أولئك منهم الذين يكتبون في الصحف البريطانية المنفتحة كالـ "غارديان" والـ "أندبندنت" وغيرهما) أن المسرحية نجت في تحقيق هذه الغاية وطرح الأسئلة الإنسانية المطلوبة. أما رؤيتنا لها فاختلفت الى حد ما. فمع أن أندرو هول نجح في دوره كالصحافي الأجنبي المتردد بين حبه لهناء وبين التزامه بالحرفية في عمله، إلا أن السيناريو المسرحي كان سياسياً أكثر مما يجب، فقلما يتحادث حبيبان متيمان ببعضهما على مدى لقاءاتهما الطويلة بشأن السياسة وحدها. فقد كان كل منهما يخاطب الآخر في المسرحية وكأنه يقرأ "مانيفستو" سياسياً لهذا الحزب أو ذاك مع خلفيات ووقائع تاريخية، وقليلاً ما سمعناهما يتبادلان الكلام الجميل عن الحب والشوق أو يقومان بأي مبادرات حميمة تجاه بعضهما.

والتحفظ الأكبر من المنظار العربي أيضاً، هو باتجاه شخصية الفتاة هناء. فهي تبدو وكأن الرغبة في العنف متأصلة في نفسهما منذ سنوات ولم تنطلق، ثم تتصاعد فقط لسبب مباشر، وإنها كانت تخدع بيل في ادعائها الاهتمام به كإنسان فقط في سبيل استخدامه لنقل قنبلة مغلفة كهدية يقدمها الى عرفات وتنفجر مودية بحياة عرفات وحياة حبيبها معاً. وتعترف خلال المسرحية بأنها تنتمي الى "خماس" (تقصد حماس، ولكن اللفظ اليهودي لاسم الحركة يستبدل الحاء بخاء) أي أن الممثلة لها جذور يهودية قوية في لفظها تضاف الى الميول الاستشراقية الصهيونية للمسرحية عموماً.

والمؤسف في الأمر هو أن الخلفيات السلبية لمثل هذه المسرحيات تمر أمام أعين النقاد الليبراليين البريطانيين على شاكلة مايكل بيلينغتون في "الغارديان" مرور الكرام.
ولو شاء الناقد أن يكون موضوعياً في شأن هذه المسرحية أو أي مسرحية تود معالجة القضية الفلسطينية بشكل إنساني فعلى الأقل عليه المطالبة بشخصيات وسيناريو أكثر واقعية إنسانية. فلو قالت الفتاة هناء أنها أصبحت متطرفة بعد مقتل شقيقها مؤخراً أو بعد تطور الأحداث بشكل أثر عليها عاطفياً كثيراً، لفهم ميلها الى الإرهاب بأنه نابع عن تراجيديا إنسانية، ولكنها قالت أن حادث أخيها تم منذ خمس سنوات، أي أن الشر متأصل في نفسها منذ زمن وهي تخبئه عن بيل حبيبها لأنها شريرة وليست مثلنا نحن جنس البشر، وهنا يرتبط الاستشراق بالعنصرية.

ويدعي الكاتب بأنه يطرح مفهوم المقاومة والإنسان المقاوم للبحث، ولكنه يخفق في تجاوز النمطية في طرحه للموضوع . فهو عبر عن موقف استشراقي منحاز في نظرته الى العرب لا يعتنقه سوى معتنقي مبادئ صموئيل هانتينغتون أو الذين يؤمنون بوجود سلم للحضارات الإنسانية والأخرى غير الإنسانية التي تنتمي إليها هناء المستعدة للتضحية بحبيبها (الذي لم تحبه بالفعل لأنها لا تدرك معنى الحب أصلاً) في سبيل هدف قومي انتقامي.
على أنه من الضروري تشجيع النشاطات المسرحية حول قضايا الشرق الأوسط والإنسان وأفضل السبل لذلك قد يكون في أن تنتج فرقة مسرحية عربية مسرحية ذات طابع إنساني أخلاقي تعبر فيها عن صورة أكثر إنسانية للعلاقات بين شعوب منطقة الشرق الأوسط.

لندن س م


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى