الأربعاء ٢٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤

متى يرحل الماضي

دارين المساعد

يقلب المارة تراب الأرض بين أقدامهم في الشارع القديم. محاصرون ضمن الحارة الشعبية حيث تجاري تعابيرهم رتابة الأيام. يسعى بين أيديهم طفل في السابعة، بملامح المتوسل وخطوات التائه.

اخترقت الحشود وخطوتُ فوق كل بائع افترش الأرض وصولا له. هذا لأن انتهاك حقوق الطفل يؤلمني، لقد أنقذت الكثير، لكنهم يتزايدون . هكذا كنت أردد وكل دائرة حول نفسي تعيدني طفلاً . افتش عنه و اغرق في شعور التوسل للملاحظة.

صوتي يختنق وسط الزحام وجدال البيع والشراء، لا أحد يراني. حتى لمسني من يدي، ثم شدّ كمّي يرجو شراء بضاعته.
نزلت الى مستوى عينيه وبلغته بخطورتها و بقدرتي على المساعدة. فهم أنني أرغب بشرائها فتهلل وجهه ولكنني بعد إيماءة رفض حازم عرفته بنفسي وقصصت قصتي من طفل مشرّد الى شرطي في مكافحة المخدرات. تفحص وجهي بعينيه البنية ثم تحسس ذقني بيده الملوثة. قربته وبجملة وعود زرعت الأمان في نفسه. شعرت بالانتماء لرائحة الضياع التي تفوح منه. احتضنته وملئت صدري من قوته وصبره. كان هادئاً مطيعاً . طلبته عنوانه و اجاب برفع بضاعته مرة اخرى يريد بيعها. ساءني اصراره ونهرته. وضع يده في صدره ومن جيبٍ جانبي مرقوع اعطاني قطعة نقود خشبية مصنوعة يدويا، عرفتها لمّا أخرجت مثلها من جيبي. أنها ذاكرتي ! تجترّ كل ما يؤلمني وتمثله حياَ أمامي فهمت أن الماضي لا يغادرنا بالنسيان ويرحل للأبد بالتقبل والتشافي.

دارين المساعد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى