ما علاقة الأسماك بالأمر؟
قصة: إدوارد وورتيس (آفى)
كل يوم في الساعة الثالثة بعد الظهر، كانت السيدة ماركهام تنتظر ابنها ويلي ليخرج من المدرسة. كانا يسيران إلى المنزل معًا. وإذا سُئلت عن سبب قيامها بذلك، كانت تجيب: "يجب على الآباء مراقبة أطفالهم."
عند مغادرة ساحة المدرسة، كانت السيدة ماركهام تسأل دائمًا: "كيف كانت المدرسة؟"
كان ويلي يبدأ في الحديث ثم يتوقف. لم يكن متأكدًا من أن والدته تستمع إليه. بدت وكأنها منشغلة بأفكارها الخاصة. كانت كذلك منذ أن هجرهم والده قبل ستة أشهر. لم يعرف أحد إلى أين ذهب. كان لدى ويلي شعور بأن والدته تائهة أيضًا، مما جعله يشعر بالوحدة.
في أحد أيام الإثنين بعد الظهر، وبينما كانا يقتربان من المبنى الذي يعيشان فيه، شدته فجأة وقالت:
"لا تنظر في ذلك الاتجاه."
"أي اتجاه؟"
"إلى ذلك الرجل هناك."
اختلس ويلي نظرة من فوق كتفه. كان هناك رجل، لم يسبق له أن رآه من قبل، يجلس على صندوق حليب بلاستيكي أحمر قرب الرصيف. كان شعره الرمادي المتشابك يتدلى كستارة بالية على وجهه المتسخ. كان حذاؤه ممزقا. وُضعت يداه الخشنتان على ركبتيه، وكانت إحداهما ممدودة وراحتها للأعلى. لم يبدو أن أحدًا يعيره أي اهتمام. كان ويلي متأكدًا من أنه لم يرَ شخصًا وحيدًا بهذا الشكل من قبل. بدا وكأنه قطعة علكة ملقاة على الرصيف.
سأل ويلي والدته بصوت منخفض.
"ماذا به؟"
بينما كانت تحرص على النظر إلى لأمام، قالت السيدة ماركهام:
"إنه مريض."
وسحبته مضيفة:
"لا تحدق . إنه تصرف غير مهذب."
"أي نوع من المرض؟"
بينما كانت السيدة ماركهام تبحث عن إجابة، بدأت تمشي بسرعة أكبر. وقالت:
"إنه تعيس."
"ماذا يفعل؟"
"هيا، يا ويلي، أنت تعرف تمامًا. إنه يتسول."
"هل تعتقدين أن أحدًا أعطاه شيئًا؟"
"لا أعلم. والآن، هيا، لا تنظر."
"لماذا لا تعطينه شيئًا؟"
"ليس لدينا ما يمكننا الاستغناء عنه."
عندما وصلا إلى المنزل، أخرجت السيدة ماركهام صندوق كرتون أبيض من الثلاجة يحتوي على كعكة. باستخدام إبهامها كمعيار، قطعت بعناية قطعة من الكعكة بسمك نصف بوصة وأعطتها لويلي على طبق نظيف. كان الطبق موضوعًا على بساط بلاستيكي مزين بصور ورود تحمل قطرات ندى تشبه الألماس. كما أعطته كوبًا من الحليب ومنشفة مطوية. كانت تتحرك ببطء.
قال ويلي: "هل يمكنني الحصول على قطعة أكبر من الكعكة؟"
أخذت السيدة ماركهام صندوق الكعكة ومررت ظفرها الوردي المشذب على لوحة البياناات الغذائية. وقالت: "قطعة بسُمك نصف بوصة هي الحصة، والحصة تحتوي على المتطلبات الصحية التالية. هل تريد أن تعرفها؟"
"لا."
"المعلومات موجودة على الصندوق، لذا يمكنك أن تثق بما هو مكتوب. العلماء يدرسون الناس ثم يكتبون هذه الأمور. إذا كنت ذكيًا بما يكفي، يمكنك أن تصبح عالمًا. مثل هؤلاء."
نقرت السيدة ماركهام على الصندوق، ثم أضافت:
"إنهم يتقاضون أجرًا جيدًا."
أكل ويلي كعكته وشرب الحليب. وعندما انتهى، حرص على تنظيف فتات الكعكة عن وجهه ومسح أثر الحليب عن شفتيه باستخدام المنشفة. كانت والدته تحب أن يكون أنيقًا.
قالت والدته:
"والآن، اذهب وأتمم واجباتك المنزلية. بعناية. أنت في الصف السادس، وهذا مهم."
جمع ويلي كتبه التي كانت موضوعة على الكرسي الثالث الفارغ. وعند مدخل المطبخ توقف ونظر إلى والدته. كانت تنظر بحزن إلى صندوق الكعكة، لكنه لم يعتقد أنها كانت تراه. لقد جعلته تعاستها يفكر في الرجل المتسول في الشارع.
سأل فجأة:
ما نوع التعاسة التي تظنين أنه يعاني منها؟"
"من تقصد؟"
"ذلك الرجل."
بدت السيدة ماركهام مرتبكة.
"الرجل الذي يتسول. الذي كان في الشارع."
قالت:
"آه، قد يكون أي شيء"
ثم أضافت بصوت غامض:
"يمكن للإنسان أن يكون تعيسًا لأسباب كثيرة."
وعند ذلك استدارت لتنظر من النافذة، وكما لو كانت الإجابة هناك.
"هل التعاسة مرض يمكن علاجه؟"
"أتمنى لو أنك لا تسأل مثل هذه الأسئلة."
"لماذا؟"
بعد لحظة، قالت
"الأسئلة التي لا إجابات لها لا ينبغي طرحها."
"هل يمكنني الخروج؟"
"الواجب المنزلي أولاً."
استدار ويلي ليذهب مجددًا.
وفجأة قالت السيدة ماركهام:
"المال. المال يمكن أن يعالج الكثير من التعاسة. لهذا كان هناك ذلك الرجل يتسول. قال لي بائع ذات مرة: ’ربما لا تستطيعين شراء السعادة، لكن يمكنك استئجار الكثير منها.’ يجب أن تتذكر ذلك."
"كم لدينا من المال؟"
"ليس ما يكفي."
" هل هذا هو السبب في أنك تعيسة؟"
"ويلي، قم بواجبك."
بدأ ويلي في طرح سؤال آخر، لكنه واثق أنه لن يحصل على إجابة. غادر المطبخ.
كانت الشقة تتكون من ثلاث غرف. الجدران مطلية بلون أخضر نعناعي. مشى ويلي عبر الممر نحو غرفته التي كانت في الجهة الأمامية من المبنى. من خلال التسلق إلى حافة النافذة والضغط على الزجاج، تمكن من رؤية الرصيف على بُعد خمسة طوابق أدناه. كان الرجل لا يزال هناك.
كانت الساعة تقارب الخامسة عندما ذهب ليخبر والدته أنه انتهى من واجباته المدرسية. وجدها في غرفتها المظلمة، نائمة. منذ أن بدأت العمل في وردية الليل في متجر صغير قبل أسبوعين، كانت تأخذ قيلولة في فترة ما بعد الظهر.
وقف ويلي عند عتبة الباب لفترة، على أمل أن تستيقظ والدته. وعندما لم تفعل، ذهب إلى الغرفة الأمامية ونظر إلى الشارع مرة أخرى. لم يتحرك الرجل المتسول.
عاد ويلي إلى غرفة والدته.
قال بصوت خافت:
"سأخرج."
انتظر ويلي فترة معقولة حتى تستيقظ والدته. وعندما لم تفعل، تأكد من أن مفاتيحه في جيبه، ثم غادر الشقة.
وقف ويلي خارج باب المبنى، محاولًا إبقاء عينيه على الرجل. بدا وكأن الرجل لم يتحرك على الإطلاق. تساءل ويلي كيف يمكن لشخص أن يظل ساكنًا طوال هذه المدة في برودة هواء أكتوبر. هل كان الثبات جزءًا من مرضه؟
قضى ويلي عشرين دقيقة يراقب الرجل، دون أن يلاحظ أي من المارة وجوده. تساءل إن كانوا قد رأوه فعلًا. لم يمد أحد يد العون، ولم يضع أحد نقودًا في يده المفتوحة.
مرت سيدة تقود كلبًا مربوطًا بحبل. انجذب الكلب نحو الرجل الجالس على الصندوق، وهو يهز ذيله بحماسة. جذبت السيدة الكلب بعيدًا قائلة: "إلى جانبي!"
ركض الكلب إلى جانب السيدة، واضعًا ذيله بين ساقيه. لكنه التفت مجددًا لينظر إلى الرجل المتسول.
ابتسم ويلي وهو يتذكر كيف فعل الكلب تمامًا ما فعله عندما طلبت منه أمه ألا يحدق.
أخرج ويلي قطعة نقود من النيكل من جيبه. وجدها دافئة وملساء. تساءل كم من السعادة يمكن استئجارها بنيكل واحد.
قبض ويلي على قطعة النيكل بين أصابعه وهو يتقدم بخطى بطيئة نحو الرجل. وعندما وقف أمامه، توقف فجأة وقد اجتاحه شعور بالارتباك. لم يرفع الرجل عينيه عن الأرض، وبقي في مكانه بلا حراك، تفوح منه رائحة كريهة.
مد ويلي يده وقال:
"تفضل."
ثم أسقط العملة في يد الرجل اليمنى المفتوحة.
قبض الرجل أصابعه على العملة وقال بصوت خافت:
"باركك الله."
ثم رفع عينيه بسرعة خاطفة نحو ويلي، مثل وميض أضواء السيارة الأمامية، قبل أن يخفضهما مجددًا.
تردد ويلي للحظة قبل أن يعود إلى غرفته. وقف عند نافذته وألقى نظرة على الشارع، وخُيّل إليه أنه رأى العملة في يد الرجل، لكنه لم يكن واثقًا.
بعد العشاء، بدأت السيدة ماركهام تستعد للخروج إلى عملها الليلي. قبّلت ويلي وقالت كعادتها:
"إذا واجهت مشكلة عادية، اتصل بالسيدة ميرفي في الطابق الأسفل. ما رقمها؟"
أجاب ويلي:
"274-8676"
"وإذا كانت المشكلة كبيرة، فاتصل بالجدة."
"369-6754."
"أما إذا كانت مشكلة خاصة جدًا، فاتصل بي."
"962-6743."
"وفي حالات الطوارئ، الشرطة."
"911."
"لا تنسَ تجهيز ملابسك للصباح."
"سأفعل."
"ولا تفتح الباب لأي أحد."
"لن أفعل."
"ولا تشاهد التلفاز بعد التاسعة."
"أعلم."
"لكن يمكنك القراءة حتى وقت متأخر."
ابتسم ويلي قائلاً:
"أنتِ من سيتأخر الآن."
ردت بابتسامة:
"أنا ذاهبة."
ثم خرجت متجهة إلى عملها.
بعد أن غادرت، وقف ويلي لفترة طويلة في الردهة. بدا الشقة الخاوية كأنها كهف عميق تحت الأرض. في ذلك اليوم، أخبرت معلمة الصف ويلي وزملاءه عن نوع من الأسماك يعيش في الكهوف. هذه الأسماك لا تستطيع الرؤية، إذ إنها بلا عيون. قالت المعلمة إن العيش في الكهف المظلم هو ما جعلها على هذه الحال.
رفع ويلي يده وسأل:
"إذا أرادت الخروج من الكهف، هل تستطيع؟"
"أعتقد ذلك."
"هل سيعود إليها نظرها إذا خرجت؟"
ابتسمت المعلمة وقالت:
"سؤال جيد"
لكنها لم تقدم إجابة.
قبل أن يذهب إلى السرير، ألقى ويلي نظرة أخرى من النافذة. عبر بقعة الضوء التي ألقاها عمود الإنارة، رأى الرجل.
فى صباح الثلاثاء، عندما ذهب ويلي إلى المدرسة، كان الرجل قد اختفى. لكنه عندما عاد من المدرسة مع والدته، كان الرجل هناك مجددًا.
همست والدته بإلحاح:
"أرجوك، لا تنظر إليه."
أثناء تناوله وجبته الخفيفة، قال ويلي:
"لماذا لا يجب أن أنظر؟"
"عمّ تتحدث؟"
" ذلك الرجل. في الشارع. المتسول."
"قلت لك. إنه مريض. من الأفضل أن تتصرف كأنك لم تره. عندما يكون الناس في تلك الحالة، فإنهم لا يرغبون أن ينظر إليهم أحد."
"لماذا لا يرغبون ؟"
فكرت السيدة ماركهام قليلاً ثم قالت:
"يشعر الناس بالخجل من كونهم تعساء."
نظر ويلي إلى والدته بتمعن:
"هل أنتِ متأكدة أنه تعيس؟"
أجابت:
"ليس عليك أن تسأل إذا كان الناس تعساء. هم يخبرونك بذلك طوال الوقت."
"كيف؟"
"من خلال مظهرهم."
"هل هذا جزء من المرض؟"
" أوه، ويلي، لا أعرف. هكذا هم فقط."
تأمل ويلي قطعة الكعك الصغيرة التي أعطته إياها والدته. قبل عام، كان والداه يبدوان سعيدين تماماً. بالنسبة لويلي، كان العالم يبدو سهلاً ومليئاً بالنور. ثم فقد والده وظيفته. حاول العثور على أخرى لكنه لم ينجح. جلس لساعات طويلة في غرف مظلمة. أحياناً كان يشرب. وبدأ والداه في الشجار كثيراً. وفي يوم من الأيام، اختفى والده.
لمدة أسبوعين، بقيت والدته في الظلام. وكانت تبكي.
نظر ويلي إلى والدته وقال:
"أنتِ تعيسة."
ثم أضاف:
"هل تشعرين بالخجل؟"
تنهدت السيدة ماركهام وأغمضت عينيها.
"أتمنى لو أنك لا تسأل هذا."
"لماذا؟"
"لأنه يؤلمني."
"لكن هل تشعرين بالخجل؟"
أصر ويلي. لقد شعر أن من الضروري أن يعرف؛ حتى يتمكن من فعل شيء.
لم تجب إلا بهز رأسها.
قال ويلي:
"هل تعتقدين أن أبي قد يعود؟"
ترددت قليلاً قبل أن تجيب:
"نعم، أعتقد ذلك."
تساءل ويلي إذا كان هذا ما تعتقده حقًا.
سأل ويلي:
"هل تعتقدين أن أبي تعيس؟"
"من أين تأتي بمثل هذه الأسئلة؟"
"هي في عقلي."
"هناك الكثير في العقل لا يستحق الاهتمام."
"الأسماك التي تعيش في الكهوف ليس لها عيون."
"ماذا تعني؟"
"قالت معلمتي إن ذلك بسبب الظلام. ينسى السمك كيف يرى، لذلك يفقد عيونه."
"أشك في أنها قالت ذلك."
"لقد قالت."
"ويلي، لديك خيال واسع جدًا."
بعد أن غادرت والدته إلى عملها، وقف ويلي وهو يحدق في الشارع من نافذة شقته. كان الرجل هناك، ما زال في مكانه. فكر ويلي في النزول للقائه، لكنه تذكر أنه لا يُسمح له بالخروج عندما تعمل والدته في الليل. لذا قرر أن يتحدث إليه في اليوم التالي.
في ظهيرة ذلك اليوم، يوم الأربعاء، وقف ويلي أمام الرجل وقال:
"ليس لدي مال، ولكن هل يمكنني التحدث إليك؟"
رفع الرجل وجهه. كان وجهه متسخًا و يبدو على عينيه علامات الإرهاق الشديد، وكان في حاجة إلى حلاقة.
قال ويلي:
قالت أمي إنك تعيس. هل هذا صحيح؟"
أجاب الرجل:
"ربما."
"ماذا الذي يجعلك تعيسا؟"
ضيق الرجل عينيه وأمعن النظر في ويلي، ثم قال:
"لماذا ترغب في معرفة ذلك؟"
أجاب ويلي بهزة من كتفيه.
مرر الرجل لسانه على شفتيه، وتحركت تفاحة آدم فى عنقه. ثم قال بصوت خافت:
"للإنسان الحق في الصمت"
ثم أغلق عينيه.
ظل ويلي واقفًا على الرصيف لبضع لحظات قبل أن يعود إلى شقته. وعندما دخل، نظر من النافذة. كان الرجل لا يزال في مكانه. في تلك اللحظة، شعر ويلي وكأن الرجل كان يراقب المبنى والطابق الذي يعيش فيه.
في اليوم التالي، يوم الخميس، وبعد أن وضع قطعة نقود في يد الرجل هذه المرة، قال:
"لم أرَ شخصًا يبدو تعيسا مثلك. لذلك أعتقد أنك تعرف الكثير عن التعاسة."
تنهد الرجل وقال:
"ربما."
رد ويلي:
"وأنا بحاجة إلى إيجاد علاج له."
"علاج؟"
"علاج للتعاسة."
زفر الرجل في صمت ثم قال:
"لماذا؟"
" أمي تعيسة."
"لماذا؟"
"أبي رحل."
"لماذا رحل؟"
"أعتقد لأنه كان تعيسا. والآن أمي تعيسة أيضًا، طوال الوقت. فإذا وجدت علاجًا للتعاسة، سيكون أمرًا جيدًا، أليس كذلك؟"
" ربما. بالمناسبة، هل لديك شيء لتأكله؟"
هزّ ويلي رأسه وقال:
"هل ترغب في قطعة كعك؟"
"أي نوع؟"
"لا أعرف، كعك."
"يعود ذلك إلى نوع الكعك."
في يوم الجمعة، قال ويلي للرجل:
"لقد اكتشفت ما نوع الكعك."
"أحقًا؟"
"كعك الباوند، لكنني لا أعرف لماذا يُسمى هكذا."
"طالما أنه كعك، فلا بأس."
سكت الاثنان للحظات، ثم قال ويلي:
"في المدرسة قالت معلمتي إن هناك أسماكًا تعيش في الكهوف، والكهوف مظلمة جدًا حتى أن الأسماك بلا عيون. ما رأيك؟ هل تصدق ذلك؟"
"بالطبع."
"أتصدق؟ لماذا؟"
"لأنك قلت ذلك."
"أتعني أنك تصدق لمجرد أن أحدا قال ذلك؟"
"ليس أي أحد. إنه أنت."
شعر ويلي بالحيرة وقال:
"لكن ربما لا يكون هذا صحيحًا."
أطلق الرجل تنهيدة:
"مهلاً، هل تصدق ذلك؟"
أومأ ويلي برأسه.
قال الرجل:
"إذن، أنت لست شخصًا عاديًا. لديك عينان، تستطيع أن ترى. أنت لست سمكة."
"آه."
ابتسم ويلي سعيدًا.
سأله الرجل:
"ما اسمك؟"
أجاب ويلي:
"ويلي."
قال الرجل:
"هذا اسم طفل. ما اسمك عندما تكبر؟"
رد ويلي:
"ويليام."
قال الرجل:
"وهذا يعني شيئًا آخر."
"ماذا يعني؟"
قال الرجل:
"سأخذ بعضًا من هذا الكعك."
تفاجأ ويلي وقال:
"أحقًا؟"
أجاب الرجل:
"لقد قلت ذلك، أليس كذلك؟"
شعر ويلي فجأة بحماسة شديدة، وكأن الرجل قد منحَه هدية. لم يكن ويلي متأكدًا تمامًا ما هي تلك الهدية، لكنّه كان يدرك أنها شيء مهم، وكان يشعر بالسعادة لامتلاكها. لحظة من الزمن، ظل يحدق في الرجل، يلاحظ خطوط وجهه، وانحناء شفتيه، والندبة الصغيرة على جانب ذقنه، ولون عينيه اللتين اكتشف أنهما زرقاوان.
"سأحضر لك الكعكة!"
صاح ويلي، وركض عائدًا إلى الشقة. أمسك بالعلبة من الثلاجة مع سكين، ثم أسرع بالخروج مرة أخرى إلى الشارع.
قال وهو يفتح العلبة.
"سأقطع لك قطعة منها "
قال الرجل:
"هيه، هذه ليست كعكة باوند."
نظر ويلي إليه بقلق، ثم ردّ الرجل:
"لكن كما قلت لك، لا يهم."
وضع ويلي إبهامه على الكعكة ليتأكد من أنها بالحجم الصحيح، ثم قطع قطعة صغيرة باستخدام السكين، مُحددًا عرضها بدقة.
قبل أن يقطعها، قال الرجل فجأة:
"انتظر!"
رفع ويلي نظره وقال:
"ماذا؟"
"ماذا كنت تفعل بإصبعك؟"
"كنت أقيس الحجم. الجزء الصحيح. الشخص يجب أن يحصل على جزء واحد فقط."
"من أين تعلمت هذا؟"
"مكتوب على العلبة. يمكنك أن ترى بنفسك."
قدم العلبة إلى لرجل.
تفحص الرجل العلبة ثم أعادها إلى ويلي قائلاً:
"هذا مجرد كذب."
"كيف عرفت؟"
"ويليام، كيف يمكن لعلبة أن تحدد مقدار ما يحتاجه الشخص؟"
"لكن العلبة تقول ذلك. العلماء قالوا إنه تم قياسه، ولذلك هم يعرفون. ثم وضعوه هناك."
قال الرجل مجددًا:
"مجرد أكاذيب" .
بدأ ويلي يشعر أن هذا الرجل يعرف أشياء كثيرة. سأل :
"حسنًا، إذن، كم يجب أن أقطع؟"
قال الرجل:
"عليك أن تنظر إليّ، ثم إلى الكعكة، ثم عليك أن تقرر بنفسك."
"أوه."
نظر ويلي إلى الكعكة. كانت القطعة بعرض ثلاث بوصات تقريبًا. نظر ويلي إلى الرجل. بعد لحظة قطع الكعكة إلى قطعتين، كل منهما بعرض بوصة ونصف. أعطى قطعة للرجل واحتفظ بالأخرى في الصندوق.
"بارك الله فيك".
قالها الرجل وهو يأخذ القطعة ويضعها في يده اليسرى. بدأ في تمزيق قطع صغيرة باستخدام يده اليمنى ووضعها في فمه قطعة تلو الأخرى. كانت كل قطعة تمضغ بتأنٍ. بينما كان ويلي يراقب الرجل وهو يأكل.عندما انتهى الرجل، لعق الفتات عن أصابعه. قال الرجل:
"الآن سأعطيك شيئًا"
قال ويلي، متفاجئًا:
"ماذا؟"
"علاج التعاسة."
سأل ويلي، وعيناه مفتوحتان:
"أتعرفه؟"
أومأ الرجل برأسه.
"ما هو؟"
"هو هذا: ما يحتاجه الشخص دائمًا يكون أكثر مما يصرح به."
سأل ويلي:
"من هم؟"
أشار الرجل إلى علبة الكعك. وقال:
"الأشخاص الموجودون على العلبة".
كرر ويلي في ذهنه ما قاله الرجل، ثم أعطى الرجل القطعة الثانية من الكعكة.
أخذ الرجل القطعة قائلاً: "رجل طيب"، ثم تناولها.
ابتسم ويلي.
كان اليوم التالي هو السبت. لم يذهب ويلي إلى المدرسة. ظل طوال الصباح ينظر من نافذته بحثًا عن الرجل، لكن المطر كان يهطل ولم يظهر. تساءل ويلي عن مكانه، لكنه لم يستطع تخيله.
استيقظت والدة ويلي في منتصف النهار.جلس ويلي معها بينما كانت تتناول إفطارها. أعلن:
"لقد وجدت علاجًا للتعاسة."
"أحقا؟"
قالت والدته ذلك وهي تقرأ فاتورة من صاحب متجر البقالة.
"إنه: ’ما يحتاجه الشخص دائمًا أكثر مما يصرح به ."
وضعت والدته أوراقها جانبًا وقالت:
"هذا هراء. من أين سمعت هذا؟"
"من ذلك الرجل."
"أي رجل؟"
"في الشارع. الذي كان يتسول. قلتِ – أنت - إنه كان تعيسا، لذا سألته."
"ويلي، قلت لكِ أنني لا أريدك حتى أن تنظر إليه."
"إنه رجل طيب..."
"كيف عرفت ذلك؟"
"تحدثت إليه."
"متى؟ وكم مرة؟"
انكمش ويلي.:
"فقط فعلت، هذا كل شيء."
ويلي، أنا أمنعك من التحدث إليه. هل تفهمني؟ هل تفهم؟ أجبني!"
كانت نبرة صوتها حادة للغاية .
قال ويلي:
"حاضر"
لكنه كان قد قرر فى دخيلة نفسه أن يتحدث إلى الرجل مرة أخرى. كان بحاجة إلى أن يشرح له سبب عدم استطاعته التحدث إليه بعد الآن.
ولكن في يوم الأحد، لم يكن الرجل هناك. ولم يكن موجودًا في يوم الاثنين أيضًا.
قال ويلي لوالدته أثناء عودتهما من المدرسة.
"ذلك الرجل اختفى"
"رأيْتُ. لستُ عمياء."
"أين تعتقدين أنه ذهب؟"
"لا يهمني. لكن يجب أن تعلم، أنا من جعلته يرحل."
توقف ويلي فجأة:
"ماذا تعنين؟"
"اتصلت بالشرطة. لا نحتاج إلى إزعاج شخص مثله هنا؛يضايق الأطفال."
"لم يكن يضايقني."
"من المؤكد أنه كان يفعل."
"كيف تعرفين؟"
"ويلي، لدي عينان. أستطيع أن أرى."
حدق ويلي في والدته:
"لا، لا تستطيعين. أنتِ سمكة. تعيشين في كهف."
ردت السيدة ماركهام:
"سمكة؟ ما علاقة الأسماك بأي شيء؟ ويلي، لا تتحدث بالتفاهات."
" اسمي ليس ويلي. اسمي ويليام. وأعرف كيف أبقى سعيدًا. أعرف!"
كان يصرخ الآن.
"ما يحتاجه الشخص دائمًا أكثر مما يقول! دائمًا!"
ثم دَارَ على عقبيه ومشى عائدًا نحو المدرسة. عند الزاوية، نظر إلى الوراء. لمح والدته تتابعه. استمر في السير. واستمرت هي في متابعته.
(تمت)
الكاتب : إدوارد إيرفينج وورتيس / Edward Irving Wortis وُلد إدوارد إيرفينج وورتيس في 23 ديسمبر 1937 نيويورك؛ وهو ابن جوزيف (طبيب نفسي) وهيلين المعروف باسمه القلمي آفي، كاتب أمريكي متخصص ف الأدب الموجه للشباب والأطفال وكاتب زائر في المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة. التحق آفي بجامعة أنطيوخ، ثم جامعة ويسكونسن - ماديسون حيث حصل على شهادة البكالوريوس في عام 1959 والماجستير في عام 1962. حصل على درجة الماجستير في علوم المكتبات من جامعة كولومبيا في عام 1964. عندما كان طفلاً، كانت شقيقته التوأم إيميلي تناديه "آفي"، وهو الاسم الوحيد الذي يستخدمه الآن. وعلى الرغم من صراعه مع عسر الكتابة، قرر آفي التركيز على الكتابة كطالب في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية. نُشر أول كتاب له في عام 1970 ونشر منذ ذلك الحين أكثر من 80 كتابًا. تم تكريم آفي بميدالية نيوبيري عن كتابه "كريسبين: صليب الرصاص" وجائزة نيوبيري عن كتابه "لا شيء سوى الحقيقة".
كتب آفي 80 كتابًا، معظمها للأطفال والشباب. إلى جانب اعترافات شارلوت دويل الحقيقية، كتب كتبًا لفئات عمرية مختلفة وفي العديد من الأنواع المختلفة بما في ذلك الخيال التاريخي والخيال والروايات المصورة والكوميديا والألغاز وقصص الأشباح وحكايات المغامرات والخيال الواقعي والكتب المصورة.
بعد أن عاش في بروفيدنس، رود آيلاند في الثمانينيات والتسعينيات، يعيش آفي الآن في جبال روكي في كولورادو، مع زوجته ليندا كروز رايت.