لبحر الآلام بسمة
توضأ (خالد) وصلى ركعتين لله حمده فيها واستغفره ودعاه وتوكل عليه. دق الجيش على باب بيوت الحارة وأخرج كل من فيها من الشباب، بقيت أم (خالد) قلقة على ابنها الذي تم اعتقاله مع عشرات الشباب الآخرين.
مرت الأيام قاسية على (خالد) في التحقيق فألبسوه ملابس بنية واسعة، ووضعوا على عينيه ورأسه كيساً مضمخاً بالأوساخ وأمضى ساعات طويلة مقيد اليدين والأرجل إلى كرسي صغير، محروماً من النوم، كانت الجولات قاسية وقلب (خالد) معلق بالله والدعاء.
قال المحقق لـ(خالد):
– اسمي (إيتسيك) ويقولون لي (أبو الفهد).. اسمع يا (خالد) منذ اليوم سترى الموت بعينيك عشرات المرات وستتمناه ولن تموت ولكن هوّن على نفسك وعلينا واشرح لنا كيف قمتم بالعملية؟
تحلى (خالد) بقوة القلب والثقة وأجاب:
– أنا لا أعرف عن ماذا تتحدث، أنت أخذتني وأنا نائم من البيت وليس لي علاقة بشيء.
– إذًا أنت عنيد وستتعبنا وتتعب معنا.
أمر بحضور خمسة من الجنود مفتولي العضلات وألقوا بـ(خالد) على الأرض وهو مقيد والكيس يغطي رأسه.. جلس أحدهم على يديه والثاني على رجليه والثالث على صدره والرابع أغلق أنفه والأخير أخذ يضغط على خصيتيه بقوة، شعر (خالد) بضيق النفس لإغلاق أنفه فأتى المحقق وسكب على الكيس قنينة من الماء البارد، شعر المحقق بخطورة الموقف فأمر برفع الكيس عن وجهه لثوان وواصل معه التحقيق.
– ما رأيك يا (خالد)؟ الآن هل أنت مصر على موقفك؟
– ليس عندي ما أضيفه.. أنا كنت في بيتي ولا علاقة لي بشيء.
ردّ المحقق:
– إذن ستسجل نفسك بطلاً.. وهذا لن تحلم به.
أمر بإحضار حذاء من البلاستيك واستمر في ضربه على رأسه حتى شعر (خالد) بانفجار رأسه وسقوط شعره.
– ماذا قلت يا (خالد)؟
– ليس عندي ما أضيفه.
– جيد.. سنتركك تفكر.. خذوه واشبحوه جالساً على الكرسي دون نوم.
بقي (خالد) مشبوحًا ليلة كاملة وفي الصباح طلب أن يذهب للحمام فأخروه لساعات حتى حضور المحقق.
– هل فكرت طوال الليل يا (خالد)؟
– نعم فكرت.
– وهل سننتهي الآن؟
– أتمنى ذلك.
شعر (إيتسيك) بالنصر على (خالد) فسمح له بالذهاب للحمام حتى عاد.
– هيا اشرح لي بالتفصيل كيف قمتم بالعملية ومن معك؟
أجاب (خالد):
– عن أية عملية تتحدث؟ أنا أطلب أن تفرج عني لأنني كنت في بيتي يوم الاعتقال.
اشتاط (إيتسيك) غضباً ولطم (خالدًا) على وجهه لطمة قوية وأمر الجنود بالحضور ومعهم قطعة من صابون غسيل كبيرة وأجبر (خالدًا) أن يستحم بالماء البارد حتى يستهلكها كاملة.
انتهى (خالد) من عقوبته على مرأى الجنود مقيد اليدين والأرجل ثم عاد للتحقيق.
أمر (إيتسيك) بضغط القيود على يدي (خالد) لأيام حتى يفقد الشعور بهما، وبعد يوم جاء الممرض المناوب وسأل (خالدًا):
– هل تشعر بيديك ؟
أجاب (خالد) مع نظرة كبرياء:
– لا.
وخز الممرض يديه بإبرة فلم تحرك ساكناً، ثم تناول سيجارة مشعلة ووضعها على يديه دون جدوى، فأوصى بفك قيوده وأمر المحقق الجنود بذلك.
شعر (خالد) بالدوران ثم سقط على الأرض، أوصى الممرض المحقق بوقف التحقيق مع (خالد) لسوء حالته وفقدان ما يزيد عن عشر كيلو جرامات من وزنه وسقوط شعره وهزل جسمه وتدهور صحته.
وكلت العائلة محاميًا لمعرفة مكان (خالد) والدفاع عنه وتابعت قضية اعتقاله مع الصليب الأحمر وفي اليوم الثامن عشر تم تحرير (خالد) دون اعتراف. فقامت العائلة بنقل (خالد) إلى المستشفى حتى تعافى وعاد للبيت.