"كَشَرَة" الأردنيين
يؤخذ على المواطن الأردني بأنه "لا يضحك للرغيف السخن" وغالباً ما تكون "روحه في مناخيره" وقد يكون في أغلب أوقاته في صراع شديد مع "ذباب وجهه" فيما لو "داس" احدهم على طرفه ، أو قام بالضغط على زر الانفجار الجاهز والذي يكون في حده "الأحمر القرمزي" في كثير من الأحيان. فلو قدر لك أن تركب إحدى وسائل النقل العامة صباح أي يوم من أيام الشهر مثلا لك أن تنظر في وجوه الركاب لتستمتع بمشاهدة "الكَشَرَة" الأردنية الأصيلة ، تلك "الكَشَرَة" التي لا تبددها "أغاني" الصباح التي تدعو للتفاؤل و"الحياة حلوة" و"الدنيا جنينة واحنا أزهارها" و "غسل وجهك يا قمر بالصابونة والحجر" ولا يمكن أن تنال منها المقاطع المضحكة التي يطلقها عادل إمام أو غيره من نجوم الكوميديا في "اسكتشات" الإذاعة التي "يفترض" أن تضفي على نهار المستمع جوا من المرح والسعادة والإقبال على الحياة بكل تفاؤل.
يكون المواطن الأردني "واصلة معاه" في كثير من المواقف كبداية موسم الدراسة والطلبات التي لا تنتهي ومواسم الأعياد ورمضان وأوقات مراجعة الدوائر الحكومية وغير الحكومية وبعد قبض الراتب بيومين . بالإضافة إلى وقوفه بطابور البنك والمخبز ومحل الغاز والدخول الى الإستاد أو الملعب لحضور مباراة رياضية أو عند الركوب في إحدى وسائل المواصلات كالباصات أو سيارات السرفيس مثلا. فينصح عزيزي القارئ بالابتعاد عنه عدة خطوات إذا أردت أن "تحتك" به في إحدى هذه الأوقات وأن تتخذ كافة وسائل الحماية الضرورية فيما لو "انفجر" ذلك الشخص في وجهك "البارد" حينما تطلب منه "أي طلب" لا يستسيغه.
في أواخر ثمانينات العقد الماضي حصلت على تذكرة دخول "مجانية" لإحدى المسرحيات المصرية الكوميدية (غراميات بسبوسة) في القصر الثقافي وبما أنني من محبي "اللي ببلاش كثر منه" ذهبت إلى المسرح لأشاهد تلك المسرحية الكوميدية ممنيا النفس بمشاهدة ممتعة وجمهور غفير سوف "يكَسَّرْ" الصالة وتوقعت أن أسمع صدى الضحك عند وصولي مشارف المدينة الرياضية خصوصا وأنني تأخرت في الوصول. ولكنني تفاجأت بأنه لا حس ولا خبر حتى اعتقدت بأنني أخطأت العنوان . فقد كان عدد الحاضرين "الذين سبقوني" لا يتجاوز العشرين شخصا فقط!! قلت في نفسي لا باس لعل الناس تأخروا مثلي في الحضور فهي فرصة للترفيه عن النفس والتخلص من الضغوط النفسية وتخفيف أثقال الحياة التي تنوء بها أكتافنا. ولكن ،،،،،،،عبث. كانت المسرحية ممتعة ولكن كبار نجوم الكوميديا المصريين لم ينجحوا في إقناع العينة الصغيرة الموجودة من الشعب الأردني بالضحك ولو كمجاملة لتاريخ نجوم كبار مثل محمد رضا الحافل في السينما والمسرح المصريين. ولم تجد توسلات القائمين على المسرحية في إقناع اغلب الحاضرين بالبقاء ومشاهدة الفصل الأخير من المسرحية حيث لم يتبق من المشاهدين "محبي الكوميديا المصرية" أكثر من خمسة أو ستة أشخاص إن لم تخني ذاكرتي حضروا خاتمة المسرحية.
كل هذه الذكريات مرت من أمامي وأنا أقرأ عن تايلندي يعمل كموظف أمن في أحد مصارف بانكوك يدعى "ثونغ أن نالارد" حيث قام بإطلاق النار على "أساي تيا" وهي إحدى المراجعات للبنك فأصابها في عظمة الترقوة كما أصابت "رصاصة" طائشة خائبة "فخذ" إحدى موظفات المصرف . والسبب أن المراجعة تجاوزت موظف الأمن في طابور المصرف!. وعلى الرغم من "تراجيدية" الموقف إلا أنه أصابني بالسعادة كوني وجدت من هو أكثر مني "نكداً" و "وكَشَرَة" و "روحه في مناخيره".
لذلك أطالب كل شعوب العالم والمهتمين في أمور "الكَشَرَة" و"الجكر" وتفرعاتهما برفع هذه الصفة الملصقة بشعبنا الطيب المسالم زورا وبهتانا و"إلصاقها" بشعب تايلند الصديق فهو يستحقها عن "جدارة" و"استحقاق".