الأحد ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
قراءة نقدية في رواية :
بقلم جمال غلاب

كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك للروائي عمارة لخوص

المهاجرون وسياط الجلد لبريتور المدينة وبريتور الأجانب.

يقول الروائي " عمارة لخوص" على لسان الأستاذ الجامعي "أنطونيوماريني" ـ أليســـت الذ ئبة هي رمز روما .أنا لا أثق أبدا في أبناء الذئبة، لأنهم حيوانات مفترسة. إن الحيلة الخبيثة هي وسيلتهم المفضلة في إستغلال عرق الآخرين....ـ*وقصد تقريب فهم النص الروائي المعنون ب : ـ كيف ترضع من الذ ئبة دون أن تعضك ـ لمبدعه "عمارة لخوص ". أعرض ما أشاراليه الاستاذ : ـ"نصر حامد أبوزيد " في تعليقه بأن النص الروائي يتضمن جملة من الرموز .. وفي تعليق ثان على النص الروائي للاستاذ" كمال الرياحي" بقوله ـ.....رواية ترضع الفلســـــــفة والأد ب والتاريخ وعــــلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والسياسة..... ـ

وتأسيسا على ما سلف ذكره، من اشارات خاطفة ازاء معالم النص الروائي سوف أطرح جملة من الأسئلة : لماذا أختار الروائي ـ عمارة لخوص ايطاليا مسرحا لوقائع أحداث أبطال نصه ؟ ولماذا تعمد الروائي ترك العنان لصدام الثقافات بد ل الاستعاضة عنه بحوار الثقافات ؟ ولماذا ذ ئبة ايطاليا ـ روما ـ ترفض كل ما هوآت من بعيد والآخر ؟ ومتى كانت الهجرة والمهاجرين عامل سلبي لد ول والشعوب المستضيفة ؟ مثل هذه الأسئلة وأسئلة أخرى على امتداد النص قد يستحيل التطرق اليها في هذه العجالة ؟ ونظرا قيمتها الفنية فانني أجتهد في إسحضار ما خفي منها أثناء قراءتي المتأ نية والصابرة؟

والحق أن الاجابة على السؤال الأول الذي كنا قدر طرحناه في المقدمة كان القصد منه البحث في أبعاد تسميةالذ ئبة ؟ لأنه عندما يذكر اسم ايطاليا فانه يرد الى أسماعنا بمعاني ومفاهيم مختلفة ؟ الذئبة ايطاليا تعني عند الدهماء والسواد الأعظم من الناس المكر والدهاء والمراوغة وكل ما ينطوي عليه الخبث ؟ وتعني عند كل ما هووافد اليها والغريب عنها الرفع من درجة اليقظة والفطنة الى أعلى المستويات ؟...

وتعني عند الاثروبولوجيين البدايات الأولى ليس لتأسيس للعنصرية وانما لتقنين لها من خلال الألواح الاثنى عشر وظهور ما يسمى بريتور المدينة وبريتور الاجا نب والمقصود ببريتور المدينة أنه وضعت قوانين مرنة آنذاك للسكان الأصليين للذ ئبة، فيها الكثير من الحقوق في حين أن الأجانب المهاجرين أسند مصيرهم الى سلطة بريتور الاجانب عرضة لسياط الجلد والاستعباد والقهر والحرمان من أدنى الحقوق ؟ . وهنا لابد من فتح قوس لإدراج ردة فعل لمثقف فرنسي أعتبره من المثقفين الأحرار ردا على ما أقدم عليه الرئيس الفرنسي ساركوزي عند خلقه لوزارة المهاجرين وترقية الهوية في طاقم الحكومة الفرنسية ـ ان ما اقدم عليه السيد ساركوزي يتنافى مع قيم الأمة الفرنسية وانه اهانة للشعب الفرنسي ولتاريخها ـ خلق منصب وزراة المهاجرين بالحكومة الفرنسية يشي بحنين خفي لبريتور الاجانب في عهد الأمبرطورية الرومانية ؟

لكن مهلا..الروائي " عمارة خلوص " أراد الإطالالة على واقع الذ ئبة "روما" في القرن والواحد والعشرين من خلال نصه الروائي ـ كيف ترضع من الذ ئبة دون أن تعضك ـ ؟ ترى كيف وجدها ؟ ولماذا توصل الى هذه النتيجة ؟ ومن الذي فرض مثل هذا الواقع ـ كيف ترضع من الذئبة ولا تعضك ـ بـــل ما ذا أضافت الشرائع السماوية مثل الديانة المسيحية والديانة الاسلامية لثقافة الذ ئبة "روما" ؟

يرحل بنا الروائي ـ عمارة لخوص ـ من خلال نصه عبر عوالم وجدان شخوص نصه الروائي. بارويز منصور صمدي من "إيران". واقبال أمير الله من "البنغلاداش" وماريا كريسستينا غونزاليز من "البيرو" ـ أمريكا الآتينية ـ وأحمد الذي عصفت به سنوات الجمر والمذابح الفردية والجماعية في نهاية القرن العشرين من" الجزائر" وأخرون جمعتهم الفاقة والاضطهاد في بلدانهم حول ضرع الذ ئبة وهم يعلمون أن الذئبة "روما"ليست بالضرع الذي يحلب ولا بالظهر الذي يركب على غرار ما يجري في بلدانهم وبمباركة من أنظمتهم لصندوق النقد الدولي والشركات المتعددة الجنسيات وما أفرزته من بطالة وفقر مدقع والتنفس لكل أنواع البؤس... ؟؟؟.

يعطي الروائي الفرصة لشخوص نصه الروائي الفرصة للبوح بما تكنه صدرهم.بطريقة فنية راقية. وبأسلوب مشوق ولغة بسيطة خالـــــــــــــــية من التعقيد ومشحونة بالفكر والايحاءات..؟؟؟. فهوأي الروائي يحاول تقديم شخوص نصه على شكل صندوق سحري صندوق داخل صندوق فكلما فتحت صدوقا تدفعك الرغبة لفتح الصندوق الذي يليه.

يقدم الروائي شخــــوصه كأي كائنات تد ب ولا أقول تحيى بين مطرقة حرمانهم من محيط د فء الأهل والأقارب والأصدقاء في فيافي مسقط رؤوسهم والغربة المرهقة وهوما عبرت عنه المبدعة المهاجرة " سهيلة بورزق ". ـ.بفقدان الذات الأخرى ـ... ووسندان العنصرية والتيه المسيج بين المنافي والتهميش... معاناة لخصتها "ماريا كريستنيا غونزاليز"ا مهاجرة من البيرو بقولها ـ من عادة النساء الفرح الشديد عندما يحملن أما أنا فأبكي كثيرا من شدة الخوف من ضياع العمل، الخوف من الفقر الخوف من المستقبل الخوف من الشرطة الخوف من كل شيء أنا أبكي دائما على السلالم.. ـ حتى أميدوـ أحمد الجزائري ـ الذي كان يعطف عليها وعلى كل من يعرفهم من المهاجرين أختفى بسبب جريمة لم يرتكبها وبالتالي سوف أسمي الذي في بطني بإسمه " أميدو" تضيف ماريا كريستينا بقولها ـ السنيور أميدو "أحمد الجزائري " هوالوحيد الذي كان يعطف علي ويقف الى جانبي في أوقات المحن ـ

يفضل" أحمد" أو" أميدو" كما يحلوللاطاليين تسميته في المهجر أن لا يذكره أحد بماضيه فهو عندما اقترن بالسيدة الايطالية " ستيفا نيا مسارو" إشترط عليها بقوله ـ حبيبتي ذاكرتي كالمصعد المعطل بل الماضي كالبركان النائم ساعيد يني على تجنب إيقاظه الفظيع وحممه الجهنمية ـ هل يعني أن " أ ميدوـ "يريد أن يعيش حاضره ومستقبله وفقط ؟ ولماذا أي مهاجر يتألم كثيرا من ماضيه ؟ آ لأنه جرح يشخب دمه باستمرار ويستحيل أن تبرأ علله ؟

أميدو" من المترجم بوزارة العدل الجزائرية والحالم الى أعلى المناصب وبالزواج من "البهجة" والتي يعني بها الجزائر التي اغتصبها الإرهاب.... يتحول الى مهاجر مشرد في ايطاليا يقتا ت من بيع السمك ـ يقول " أحمد أوأميد و" : أنا أعمل في بيع السمك منذ سنوات، لا أجد فروقا بين حياة السمك وحياة المهاجرين. هناك مثل يردده الإيطاليون كثيرا : ( الضيف مثل السمك بعد ثلاثة أيام يتعفن ) والمهاجر هوضيف ليس أقل ولا أكثر، وكما أن السمك يؤكل طازجا ويرمى في المزبلة اذا فقد لونه الأصلي ..

انه مفهوم الهجرة في ثقافة الغرب ؟ ولكن في العرف الثقافي " لبرويز وأمير الله وأحمد" أن الضيف عندما ينزل ضيفا عند أي كان لا يسأل الا بعد ثلاثة أيام وهذا بعد أن يكرم وتقدم له كل التسهيلات والمسعدات ؟ وحضارة الشخوص السالفة الذكر ـ العربية والاسلامية ـ لم يحدث أنها تنكرت للمهاجر ولا تضايقت منه ولا أساءت معاملته بل أن أغلبية فصول التاريخ لثقافتهم أعتبرت عنصر الهجرة من عناصرالنما الثراء للحياة البشرية ؟. ويواصل الروائي في أدائه الرائع في خلق النقاش بين الثقافتين ـ الغربية والشرقية ـ غير أنه يصطدم هوالآخر في كل وقا ئع روايته بأنه ما يجري بين الثقا فتين هو صدام وليس حوار.

و" الذئبة روما " في عيون المبدعين والشعراء واستنتاجاتهم أنها تنكرت حتى لأبناء جلدتها من العمالقة من أمثال " دانتي الألجيري " صاحب رائعة " الكوميديا الالهية والأمبراطورية المسيحية ". الذي نفي بمعية زملائه ـ1302ـ وطيلة نفيه عاش " دانتي " حياة مليئة بالضيق والعوز. ومات " دانتي " ودفن في " رافينا" وما يثير الدهشة أن المد يتة التي دفن بها ما زالت الى يومنا هذا ترفض إعادة رفاته الى مسقط رأسه " فلورنسا " وخلاصة الخلاصات أن حكاية المهاجر في القرن والواحد والعشرين ليست كسائر الحكايات فنحن اذا ما حاولنا النظر اليها من بعيد تبدولنا متماسكة بالحريات وحقوق الانسان وتنقل الاشخاص. لكن عندما نقتربنا منها من خلال هذا النص الروائي ـ كيف ترضع من الذ ئبة دون أن تعضك ـ فان حقيقة هذه الحكاية تتداعى والذي يحدث دائما هوتكريس العنصرية ورفض الآخر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى