كروم جدي وعرس الزيتون
كان جدي يملك الكثير من كروم الزيتون ورث بعضها من أبيه، ويقولون إنه، بعد أن أنهى خدمته العسكرية أيام العسمليّة، كان كلما اشترى أرضا سارع في زراعتها بأشجار الزيتون وبعض أشجار اللوز والتين والرمان.
وعندما يحين موسم قطف الزيتون بعد العاشر من أكتوبر في كل عام، وتحديدا، بعد أن يحتفل الإخوة المسيحيون في اللد والرملة بعيد الصليب، تنطلق النساء من عائلتنا إلى تلك الكروم منذ الصباح الباكر حاملة معها طعامها وشرابها وتشرع في قطف الثمار وجمعها في أكياس وهن يرددن الأهازيج ويقصصن بعض حكايات القرية وأخبار الناس ويستذكرن أحداث المجزرة الرهيبة، إلى أن يحين موعد الغداء فيفترشن الأرض ويتقاسمن الطعام في ظل زيتونة كبيرة. وكنا نحن الصغار حين نرجع من المدرسة نلقي بحقائبنا في بيوتنا ثم نتسابق باللحاق بأمهاتنا لنشاركهن في مراسم قطف الزيتون فيستقلبننا بالترحيب الحار وأغنيات من تأليفهن.
ولكننا نحن الصغار الذين كنا نمتلك مهارات القفز كالغزلان الفلسطينية كنا نملّ بسرعة ثم نهرب إلى إلى اللعب لنتسلق الأشجار أو نستكشف المناطق المجاورة إلى أن يقترب موعد مغيب الشمس فتُجمع جميع الثمار في كومة كبيرة ثم تقسم إلى خمسة حصص متساوية وفقا لعدد الأبناء الذكور الذين أنجبهم جدي. كنا نحن الصغار نستمتع أثناء عودتنا إلى البيوت إذ نجر متسابقين اغصان الزيتون التي تم التخلص منها إلى بيتنا لنجمعها في كومة لتكون وقودا للفرن أو لكوانين الشتاء القريب.
وفي المساء كنا نتشارك في اختيار حبات الزيتون الخضراء الكبيرة ونرصعها بخفة بأحجار مدورة خاصة تحتفظ بها أمهاتنا منذ زمن طويل. وكان أجمل ما في الأجمل في هذا الموسم هو ذلك اليوم الذي تنتهي النساء من قطف الثمار، ثم يُنقل ما تم جنيه إلى إحدى معاصر الزيتون في القرى المجاورة لقريتنا والواقعة في حدود الضفة الغربية كالزاوية ودير بلوط ومسحة وصرطة وبديا والتي كنا نتوق لزيارتها كل عام، حيث نتحلق العصارة الحجرية التي تدوس الثمار دون كلل او ملل ونتأمل الأماكن التي تنتقل إليها تلك الثمار إلى أن تتحول إلى زيت يسكب في الصفائح وإلى جفت يوضع في الأكياس. كان هذا عرس الزيتون. وتلك كانت كروم جدي وهي تشبهنا ونشبهها، وتشبه تراب الأرض التي نبتت أشجار الزيتون فيها.
رحم الله جدي.