

قيامة المتنبي!
رأى الشاعر المتنبي في المنام وهو يُنشده ويُحاوره فيقول:
وكما تُؤَسْطِرُكَ الرَّوابيْ والسُّهُوبُلكَ صَهْوَةُ النَّشْوَى ورَجْوَى لا تَخِيْـبُلكَ مُهْـرَتِيْ ومُهَنَّدِيْ ولـيَ اصطبارُكَ، يا سَـلِيْبَ الدَّارِ، والرَّأيُ الصَّلِيْبُلا ، لا تَسَـلْ عَـنِّيْ فـإنِّيْ ذاك إنْجَـدَّ الزَّمانُ وسَطْوَتِيْ العَجَبُ العَجِيْبُإنِّيْ التقيتُـكَ هاهـنا يومـًا فَهَـلاَّقُـلْتَ ليْ : ماذا جَرَى؟ ولِمَ الهُـرُوْبُ؟قد كُنْتَ بارقَ صَحْـوَتِيْ إنْ أَمْحَلَتْوجَـلاءَ أيَّــامٍ عَلَيَّ دمـًا تَصُـوْبُنَعـلاكَ أفـلاكُ المَجَـرَّةِ تلتقـيوعلى خُـطَى قدمَيـكَ تَنْتَقِلُ الدُّرُوْبُلِـمَ هذه الآفـاقُ ثَكْـلَى؟ والقُرَىمَنْكُـوْبَـةٌ؟ والبَدْرُ ثَغـْرٌ لا يُجِيْـبُ؟وتَلَـبُّبِيْ بالحَـرْبِ مِرْجَلُـها دَمِـيْأَيْـنَ الأُلـَى دارُوا بِها دَهْرًا تَجُـوْبُ؟إيْـهٍ، وأينَ الخَـيْلُ تَقْذِفُ بالبُطُـوْلَـةِ في فُروجِ الأرضِ نَهْداهـا وَجِيْبُ؟لولا رَحِـيْقُ العُـرْبِ في أحداقِكُـمْمـا قُلْتُ بيـنكُمُ على الدُّنيـا عَرِيْبُ!لا وَجْهَ ثَمَّ، ولا لِسـانَ، وليس مَـنْيُلْقِـيْ على شِـيَةِ الغَرابَـةِ: يا غَرِيْبُ!مُلْقًـى على كَـفِّ القِيامـةِ ظامِـئًايُرْوِيْ النُّسُـوْرَ نَجِيْعَهُ وهُوَ السَّـغُوْبُ!فحَمَـلْتُ قافِـيَةً أُعـالِجُ في فَـمِيْخَجَـلِيْ مِنَ الآتـِيْ على الماضِيْ يَلُوْبُوالشِّعْرُ أشْجـَارٌ ؛ فكَمْ مِنْ شاعِـرٍمـا قـالَ شِـعرًا غُـصْنَهُ مِنْهُ رَطِيْبُولرُبَّـما يَهْـذِيْ بِـهِ مَنْ ليـس فيتِمْثَـالِـهِ أبَـدًا نَـدًى مِنْهُ وطِـيْبُكالحُـبِّ: أهونُـهُ قُشَـعْـرِيْراتُهُ،ومَـداهُ ما حَـرَقَ الفُـؤادَ بِـهِ حَبِيْبُيـا أيُّهـا ذا الطَّيـِّبُ المـتنبِّئُ الــماضيْ مَضَى ونَدَاكَ حاضُرُكَ الجَدِيْبُاسْمَعْ ، أبا كُلِّ الطُّـيُوْبِ، لقد نَـزَافي أُمِّ ضَيْعَـتِنا السَّبـَنْتَى والنَّخِيْـبُوتَطـايَرَتْ إبِـلِيْ وهَـامَ وراءَهـامِنْ أهـلِ داريْ كُلُّ أَرْعَـنَ لا يَثُـوْبُبِأَحِـزَّةِ الثَّلَـبُوْتِ حُـزَّ تُراثُـنا ،وعَفَا لَبِيْدُ ، وأَرْعَدَتْ مُـزُنٌ ضُـرُوْبُوتَقَطَّعـَتْ مِنْ آلِ نُـعْمٍ نِـعْمَـةٌ ،وتَسـاقَطَ العُشـَّاقُ ، وانْتُهِكَ الكَثِيْبُوعلى ثـَرانا أَمْطَرَتْ سُحُـبُ الهَوانِ وأنبتَـتْـنا ليس نُـشْرِقُ أو نَغِـيْبُمـا عـادَ في رأسٍ أَذًى مِنْ نَخْـوَةٍ،ما عـادَ في عَـيْنٍ قَذًى، وخَلَتْ قُلُوْبُوتَرَهَّـبَ الثَّـاوونَ في أسـلافِهِـمْواسْتَرْهَـبَ الغـاويـنَ رَبُّهُمُ القَشِيْبُأ ولم تَكُـنْ في (شِـعْبِ بَوَّانٍ) علىمَرْأَى المصائِرِ، يا فَتَى، تَرعَى شَـعُوْبُ؟!ارْجِـعْ فليسَ لنا بشِـعْرِكَ هـا هناأُذُنٌ ، وماتَ الشِّعْرَ ، وانْتَحَرَ الخَطِيْبُ!أَطْفِـئْ قَوافِيَـكَ التي أشْـعَلْتَـهـامُدُنـًا ، وهاكَ قناةَ شَـعْوَذَةٍ تَنُـوْبُ!اكْـتُبْ رِوايَتَكَ العَجِيْبَـةَ إنْ تَشَـأفبِحِبْرِهـا يَتَلَـوَّنُ الحُـلُمُ الكَـئِيْـبُدَوِّنْ بها ما شِـئْتَ مِـنْ مَلْهـاتِـنافبـها تَرُوْحُ قَـوافِلٌ (وبـنا) تَـؤُوْبُيَتَحَدَّقُ الأُدَبـاءُ في حَـدَقِ السُّـهَاكَـيْ لا تُرَى أسماؤُهُمْ فتُرَى ثُـقُوْبُأو فلتَكُنْ أُنْثـاكَ خَمْـرَ مُسَلْسَـلٍخَـدَرًا تُتَلْفِـزُ حاضِرًا خَطِرًا يَطِيْـبُتَسْـقِيْ العُيُوْنَ عُيُوْنُـها في مَهْمَـهٍمِنْ سُـكَّرِ الآثـامِ فـيهِ تُـقًى نَذُوْبُصُـغْ مِنْ ريـاحِ الشَّـرْقِ أُغنيـةًولكنْ لا غِـناكَ شَجَا ولا فينا طَـرُوْبُذُبِـحَ البَيـانُ، وأُحرقتْ خَيلُ القوافي ، قيـلَ: قاتلـةٌ ، وفارسُها رَهِيْبُ!لا شِعـْرَ في الشِّعْـرِ، ولا النَّثْرُ بـِهِ،وتَحَرْبَـأَ المَوْهُـوْبُ فـينا والكَذُوْبُأُفٍّ لكُمْ ! قـامَ المُغَـنِّي مُغْضَـبًا،ومَضَى يَلُوْكُ حُروفَـهُ، ورَنَـا الرقيبُ!أَسَـفًا على تَصْـهَالِ أحلامـي التيدلّهتُهـا بشَـبابِ أُنثـى لا تَشِـيْبُ!أسـفي على أسـفي علـيكُمْ أُمَّـةًلا تَسـتحقُّ مدامعـي! فبما أجـيبُ؟!
– رؤية المتنبي من قِبَل الشاعر حقيقة. ومن رؤياه استيقظ وهو يذكر مطلع النصّ، على الأقل، وقوافيَه البائيّة.
– يبدو أن المتنبي نسي عَروض الخليل حين أنشدني في المنام! لأنه لم يَرِد قطّ للبحر الكامل التامّ ضربٌ مرفّل، بيد أن بناء القصيدة الموسيقيَّ- الذي لا أعرف له نظيرًا في الشِّعر العربي- سَلَك مع أبي الطيّب، واستمزجتُه منه!