

قصيدة البتراء
بمثلِكِ الفخـرُ يـا بَتْــراءُ يفتخرُفَلْتَشْمَخي ! أنتِ أنتِ العزمُ والقَدَرُوأنـتِ سيـفُ الرّدَى في كلِّ نازلةٍفلتضربـي وتردِّي كيـدَ من غَدَرُوابتراءُ كمْ في كتـابِ المجـدِ من سُوَرٍقرأتُ عَنْـكِ رَوَاهـا البدوُ والحَضَرُمن " أمِّ قيـسٍ " أتاكِ القيسُ ممتَشَقاًوهي " الجدارةُ " تحمي ساحَها الجُدُرُومن روابٍ بها اليرمـوكُ قد عَشِقَتْأمواجَـه البِيْضَ سُمْرُ الحيِّ والسَّمَرُو" قلعـةُ الرّبَضِ " القعسـاءُ رابضةٌللوَثْـبِ تحفِـزُ إنّ الوَثْـبَ يُبْتَـدَرُقد جِئْـتُ والشِّعْـرُ يا بتـراءُ وقفتُهُفيها التّوَجُّـسُ إن لم تُجْتَـلَ الدُّرَرُوأنـتِ فيـكِ بيـانٌ من شـواردِهِعلى العِطَـاشِ كمـاءِ المُـزْنِ ينهمرُماذا أغنِّيكِ من شعري وذي "جَرِشٌ "ملاحـمٌ مَـدُّهـا يعلـو وينحـدرُدخلْتُهـا فسمعـتُ الصّخـرَ أنَّتَهُيشكـو من الضّيمِ هل ينضامُ مُقْتَدِرُكلاّ ، ولكنْ صروفُ الدّهرِ قاهـرةٌلا كانَ دهـرٌ به الأحرارُ قد قُهِرُواوأنتَ أردنُّ فيـكَ الجَمْـرُ متّقِـدٌفَضَـعْ عليـه يُواتِ المَلُّ والسِّدَرُواقدحْ شرارةَ حُـبٍّ يأتِ مشتعلاًقلبٌ كواهُ اللظى ممـا رَمَى الشّرَرُلديكَ ما أبـدعَ الأنبـاطُ من مثلٍمُنَىً كِبـارٌ كما تُبْنَى الرُّؤَى الكُبَرُفجـدّدِ العهـدَ للبتـراءِ إنّ لهـاروحـاً تجـدّدُها الأيـامُ والعُصُرُسمعتُ فيها حفيفَ الصّخْرِ ملتهفاًكما يَحُـفُّ هوىً بالرّيشـةِ الوَتَرُعَجِبْتُ والصّخرُ في بتراءَ معجزةٌعنهـا تَكَلَّمَ في أرْباضِهـا الحَجَرُوقـالَ لي : إنّ للبتـراءِ قِصّتَهـافقلتُ : حَدِّثْ فإنّي السّمْعُ والبَصَرُفقالَ : ما أنتَ والأسرارُ قلتُ له :بئـرٌ بغـورٍ عميـقٍ ليس يُسْتَبَرُتَلفّتَ الصّخْرُ حتى لا يَرَى أحَداًغيري ووشوشني فالسِّـرُّ مُسْتَتِرُوقد حَلَفْـتُ بأنـي لا أبوحُ بهفلستُ أُفْشِيهِ مهما طالَ بي العُمُرُو" ذو شراةٍ " دَرَى من قبلُ قصّتَهاإذْ كانَ رَبَّ الغرانيقِ الأُلَى ذُكِرُواويـومَ ولّى تولّـى السّـرُّ أجمعَهلم يَبْـقَ في الدّهرِ عينٌ منهُ أو أثرُإلاّ مدينــةُ بتــراءٍ وأعمدةٌشابَ الزّمانُ وما شابُوا وما كَبِرُوامُدَلَّهـونَ بِحُـبٍّ ليسَ يبرحُهُمْمُوَلَّهـونَ بخُلْـدٍ ليـسَ ينـدثرُوتلكَ بتراءْ قد دانَ الوجـودُ لهاأمامَها كلُّ أهْلِ الكِبْرِ قد صَغُروامدينــةُ الوردِ والألوانِ ما فتئتْيُضفـي عليها سنىً تاريخُها النَّضِرُشقائقٌ من نسيجِ الشّمسِ لُحْمَتُهاأمّـا سَـدَاها فمَمّا ينسِجُ القمرُقد طرّزتهـا يَدَا " عشتارَ " أرديةًغـلائـلاً لعـذارى زانها الخفرُبناتُ نَبْـطٍ وشعري بعضُه غَزَلُيليـقُ تسمعُـهُ غِزلانُـها العُفُرُهُنَّ الحِسانُ كَسَوْنَ العيدَ بهجتَهُغنّـتْ لهــنَّ قِيـانٌ أنجمٌ زُهُرُيُبْدينَ من روعةِ الإنشادِ ما قَبَسَتْعنـه فصاحتَـهُ لمـا نَمَتْ مُضَرُمثقّفاتٌ حفظنَ الشّعْـرَ من كُتُبٍشُبّـانُ بتـراءَ من إلهامِها سَطَروايَضْرِبْنَ بالدُّفِّ موسيقـى مُؤلّهةًبيـنَ المعابـدِ لم يحلُـمْ بها بَشَرُحتى غدا كل خَصْـرٍ في رشاقتِهِيهتـزُّ والخَصْرُ يحلو حينَ يُخْتَصَرُكمْ ساعـدٍ لفَّ من خَصْرٍ وطوَّقَهُلطفـاً وليناً وخَصْـرٍ باتَ ينتظرُوكمْ شِفـاهٍ محا التقبيلُ حُمْرَتَهاعلى شفـاهٍ رحيقَ التّوتِ تعتصِرُهي الحياةُ يُلبّي الصّبْـحُ دعوتَهاإذا دعتْـهُ كذاكَ الليلُ والسّهَرُوجَنّةُ الصخـرِِ في بتراءَ وارفةٌيا بؤْسَ قومٍ بها مرّوا وما شَعَرُواكأنّهم ما رأوا أشجـارَ رونقِهامُنَمْنَماً وعليهــا أينـعَ الثّمَرُوالحارساتُ على أبوابها وَقَفَتْوالرّمحُ والصّبحُ والهيجاءُ والظّفَرُوالخيـلُ والليـلُ أنداءٌ معطَّرةٌوالرّيحُ والشّيحُ غنَّى بوحُه العَطِرُفإنْ بكيْتُ علـى أعتابِها طَرَبـاًفإنّما بالنّدَى يبكي الضّحَى الزَّهَرُوإنْ شَكَـوْتُ على آمالِهـا ألماًفغيـرُ وِزْرِيَ للبتــراءِ لا أزِرُقُمْرِيّةُ الشّـدوِ فيها رُحْتُ أسألُهاهل من عبيدةَ أو من حارثٍ خبرُقالتْ نِعِمّا وغنّتْ فوق " خزنتِها "لحنـاً شجيّاً له الجُلْمـودُ ينفطرُكأنّما نَفْحَـةُ القَيْصُـومِ نغمتُهاأو العَـرَارِ سَقَـى أنساغَهُ المَطَرُوجدْتُ في حزنِها حزني وحرقتَهافي حرقتي ولدينا الوَجْـدُ مستعرُنبكي على الأهلِ مذْ بانُوا فوا أسفافهلْ يكونُ لِقــاءٌ بعدَما هجرواونحنُ صِنْوانِ حُبُّ الأرضِ يجمعُنابها ارتبطْنا وسـاوَى بيننا القَدَرُإني لألثمُ أرضـــاً داسَها قَدَمٌمن ربّةِ الخِصْبِ حيثُ الطّيبُ ينتشرُوالأرضُ مذْ أنشأتني طينـةٌ جُبِلَتْبالحُبّ كالأمِّ نِعْمَ الصّـدْرُ والدِّرَرُوالأرضُ لي فإذا ما القَسْـرُ جرّدَنيمنهــا أقولُ : بإنّ القَسْـرَ يُقْتَسَرُمن يأخذِ الناسَ بالسّيفِ الغريرِعلىحينٍ من الغَرِّ يأخذْ شخصَـهُ الغَرَرُولي من الأرضِ ما للطّفلِ من حُلُمٍلي الشقيقانِ منهـا البَحْـرُ والنّهَرُولي الأنيقانِ منهـا الطّلُّ والسَّحَرُولي الصديقانِ منها الشِّعْرُ والصُّوَرُولي الطريقانِ منها السّهْـلُ والوَعَرُولي الطليقانِ منهـا الظّبي والسَفَرُولي الرّشيقانِ منهـا البـازُ والنّمِرُولي البريقانِ منهـا الفِكْـرُ والعِبَرُولي العميقانِ منها الصّمْتُ والحذَرُولي الرفيقانِ منهـا السّهْمُ والوَتَرُولي الرقيقانِ منها الخَمْـرُ والأشَرُولي العشيقانِ وجهُ الحسْنِ والنّظَرُولي الليالي وليلَى ثمّ لِيْلِي وليْ وليْوالناسُ أجمعُ إنْ غابوا وإن حضرواأهـلي ورائيَ في بتـراءَ هل سمعواأهلي أمـاميَ في كنعانَ هل خَبَرُوافإن شربْــتُ حُمَيّا كأسِهِمْ ظَمَأًفقد عَرَانـيَ مـن بترائِهِـمْ سَكَرُفَصِحْتُ والوَجْـدُ لا يألو يحاصرنيحتى حَسِرْتُ وأعيا منطقي الحَصَرُردّوا صِبايَ جديـداً كي أحاسبَهُفإنّ عُمْـراً بـلا لُقيـاكُمو هَدَرُفإنْ شَقَقْتْ عليكم ثـوبَ عاطفتيفقد عَصَفْتُ فلا أُبقــي ولا أذَرُأنا حنيـنٌ أنـا شـوقٌ أنا أمَـلٌأنا جُــذورٌ أنا تُـرْبٌ أنا شَجَرُأنـا مَثَـارٌ ولي ثـارٌ سآخــذُهأنـا انفجـارٌ أنا نــارٌ أنا سَقَرُيا تقبـروني ! أناديكُـمْ أنا شَغَفٌألاّ أمـوتَ وأنتمْ نَسْلُ من غَبَرُواأريدُ خُلْـداً وما أشتــاقُ أعلنُهُفي غيِر بتـــراءَ لا أشتاقُ أنقبرُأمُّ الصّخـورِ وقد لانتْ ملامسُهاكما الحريــرِ فلا وَخْزٌ ولا إبَرُوهيَ السّكينـةُ أغفو في رفارفِهالا ضَجَّـةٌ في حَناياها ولا ضَجَرُهنـاكَ تحتَ ظلالٍ من شواهقِهاترتاحُ روحـي ولا مَنٌّ ولا كَدَرُعمّــانُ والحُبّ سِرُّ المرءِ يحفظُهُوربّما شَفَّ عنـه الشّطْحُ والهذَرُعمّـانُ قومي إلي بتراءَ وأعتذريعنّي وعنكِ وخيرُ القوم من عذروافلا يليـقُ عُقـوقُ الأمِّّ إنّ لهـافَضْـلاً عظيماً وللفجّار ما فَجَرُوافَلْنُنْجِـزِ الوعدَ في بَعْـثٍ تجدّدُهُروحُ الحضارةِ في إيصال ما بَتَرُواوَلْنَبْنِ من صَخْرةِ البتراءِ نهضةَ منشدّوا العزيمةَ في الجُلَّى وقد صبروافإَنّ من يبتنـي بالصّخـرِ نهضتَهُمُؤاخياً عزمَـهُ والصّـدقَ ينتصرُ
الأردن / فندق تايكي / عمّان 25/4/1997