قريبا من الجرمق
يقدم الشاعر المعروف عبد الكريم عبد الرحيم في روايته «قريباً من الجرمق» أنموذجاً وبرهاناً على قدرة مَن امتلك ناصية اللغة، ووقف فوق هرم قضية يؤمن بها، وتعيش نابضة في دمائه، على السباحة في جداول الكتابة الأدبية الإبداعية المتنوّعة، ويدلّل أيضاً على مسألة ذلك التقارب، الذي يكاد أن يكون نسيجياً بين الأجناس الأدبية نثراً وشعراً.
وكيف لا يسعى ويعمل الشاعر عبد الكريم على كتابة نزيف جوارحه، ويلامس بأوجاع كبده وروحه، حواري صفد، وجدران بيوتها، وهمسات ناسها، ويستغرق عاشقاً على سفوح الجرمق، وهو ابن صفد.. حملها، كما حملها كل من غادرها، صورة وذاكرة وملعب صبا، لا تكفّ عن النبض في صدره وصدورهم.
كتب صفد في كثير من قصائده، وها هو ذا يأتينا بدفق آخر، له إيقاع مختلف، يستنهض ذاكرته وذاكرات المورّثين ليضع أمامنا، وأمام العالم، مدينة صفد في رواية «قريباً من الجرمق».
يمضي بنا في رحلته الشاقّة الموشومة بذاكرة نديّة، في مدارات رواية بعيدة عن الصخب والصراخ، متجاوزة لغة الخطاب والمباشرة، وموغلة في عمق معاناتنا الإنسانية، يصحّ أن تكون في سجّل فلسطين، حيّة نابضة بالحياة، على الرغم من كل التغييب الذي تتعرّض له المدينة..
يقول لنا، إنها بكلّها، تبقى صفد التي نعرف، ويبقى جرمقها شامخاً وشاهداً.