الخميس ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم جمال غلاب

قراءة نقدية في قصة اسم الحلم

للأدبية زهور ونيسي

تتضمن قصة " اسم الحلم "، عنصرين مهمين. واقع الإحتمال، والواقع بالذات. تناولتهما القاصة بالتحليل، والدراسة ،والنقد، على ضوء ما استفادت به من العلوم الانسانية الخرى.
وتحديدا منذ توصلت اليه أبحاث الأنثروبولوجيا ….

إن الواقع الذي رسمته وصورته وألهمت به الأديبة ـ زهور ونيسي ـ، في نصها القصصي المعنون ب ـ اسم الحلم ـ ، هونتاج نهر، من الأفكار المتعفنة والقذرة، الذي مازال ينتقل من فرد الى آخر. بوسائل الرموز، والألفاظ، والمحاكاة. ولتغيير هذا الواقع من وجهة نظر القاصة. يتطلب تجفيف منابع هذا النهر من خلال النشء الصاعد، وما تحمله المدرسة من مضمون تربوي ناجع، بإمكانه‘ احداث القطيعة مع الماضي العاجز الى التخلف الاجتماعي والثقافي والحضاري ….

القاصة في في تحليلها، واستنباطها ، ونقدها ومقارنتها. نجدها تلخص، واقعنا، في قضية حقوق الإنسان، على مستوى مملكة الأسرة. حيث تصور لنا الرجل ازاءها متسلطا، ودكتاتوريا جائرا، في ادارة شؤون الأسرة، والحقيقة، التي لا يختلف فيها اثنان. إن حقوق الإنسان: هي قبل كل شيء ثقافة تدخل في بناء شخصية الفرد منذ نعومة أظافره، إضافة الى ما تضيفه البيئة الإجتماعية ، من عناصر مكملة لهذا البناء. لكن هل هذه البيئة الإجتماعية التي من المفترض اكون نظيفة توفرت للفرد الجزائري أوالعربي؟. لذلك اذما نوفر مثل هذا النوع من التصرفات والسلوكات ، التي يطاردها التطور، ويضيق من مساحتها. ماهو الا إمتدادا. لما كان يعانيه الفرد الجزائري من قمع واذلال طيلة فترة الاستدمار التي عايشها … فهومثلا اذا ما صدرت منه مثل هذه التصرفات المشحونة بالعنف. فهي لا تتعدى حدود اثبات الوجود المفقود خارج الأسرة.

ومثل هذا الاسنتناج الذي انتهت اليه القاصة. له ما يؤكده في علم النفس الاجتماعي. والشاهد على ذلك : هوما توصلت اليه أبحاث " ديكارت " في كتابه نهج المقال. حيث يفسر هذه الظاهرة بقوله " من خلال أسفاري ، تيقنت من أن كل هؤلاء الذين لهم اتجاهات، وأساليب. تختلف اختلافا كثيرا عن اتجاهاتي، وأساليبي. ليسوا من أجل ذلك الإختلاف. برابرة، أو متوحشين. بل إن لهم منطقهم، الذي يتفوق على منطقي. إن الشخص نفسه الذي ينشأ، منذ نعومة أظافره، ين الألمان، سوف يكون مختلفا تماما اذا ما نشأ عينه بين اليابانيين، أوبين آكلي لحوم البشر خلاصة ما سلف ذكره يحدد يوضوح دور البيئة الإقليمية في بناء، وتكوين شخصية الفرد ـ.

وهنا السؤال يطرح نفسه. هل البيئة الاجتماعية التي تناولتها القاصة، في نصها القصصي هي بعينها امتدادا للبيئة الاجتماعية الجزائرية قيل الاحتلال ؟. وهل اذا قارناها بالبيئة الاجتماعية الفرنسية نحصل على وجه للشبه؟. أم أن السلوكات الي عددنها القاصة في نصها هي نتاج لسياسة استدمارية عكست تلك السلوك المتخلف ؟. كذلك القاصة تبدومحقة الى حد النخاع لكل ما رصدته من بيئتنا الاجتماعية، من ظلم اجنماعي ، نتيجة للإنغلاق على على قناعات فردية آنية معادية لروح الجماعة. تصفها بقولها " تضمن مصالح كثيرة فردية آنية معادية لروح الجماعة، عن المصالح الفردية تعتبرها القاصة
انتهاكا فاضحا لحقوق الانسان وتفسرها ب ": حقوق أخذت منطرف أفراد. دون مراعاة للشروط ، والإلتزامات التي تضمن للآخرين حقوقهم ".

ولعرض هذا الواقع. تعنمد القاصة، في بنائها الفني لنصها القصصي، على طربقة اللوحات، وهي طريقة راقية تساعدعلى رسم وتصوير، حركات شخوص النص القصصي. وبخاصة اذا كانت كل جزئية م جزئيات المشهد مشحونا بالرمز والمحاكاة. ويعتمد في تفسيره، على التدرج تصاعديا للوصول الى المعنى الذي تنشده القاصة. بحكم أن كل مشهد من المشاهد الأربعة يشتمل على طلسم مغلق، يصعب استكناهه، وعلى أحجية يستعصي تفسيرها. وهومت يتطلب من القارىء ثقافة واسعة لإكتشاف معاني مضمون النص القصصي، ومخفيات دلالاته .

اللوحات كما سنرى لاحقا. تعتمد فيها القاصة، على إ ثارة قضية إجتماعية. نجدها تتكرر في كل اللوحات. لكن الفنيات التي توظفها القاصة في خلق الصراع. بين شخوص نصها القصصي لإثبات الذات. ينتج عنها بروز مواقف متعددة ومختلفة. وهو ما يضفي عل النص القصصي براعة فائقة، في مجال البناء الفني، والخيالي وتالجمالي . بحيث. نستخلص ، في الأخير أن هناك مشكلة تتعلق، بتعداد الزواج، والى جانبها عقد ثانوية تحكي تفاصيل إ نعكاساته عن الأطفال . وهذه بعض العينات.

اللوحة الأولى " تحكي فيها القاصة معاناة وردة: الأمهات الأربعة. أبي يبدولي ضعيفا دا، وهو بجانب نسائه. ….. كثيرا ما تخيلت انساء، في كفة من الحلبة، وأبي في كفة … الواقع عكس ذلك تماما.. نظرة، نهرة، من والدي ليعود كل شيء الى نصابه. تنكسر النظرات، ويتعثر اللسان، وتجمد الحركة عند الجميع. الصغار والكبار وبينهن أمي "

تساؤلات كثيرة تثير القلق، والحيرة، في نفسية،وخيال وردة إزاء هذا الوضع الغير عاد في الفروق الشاسعة بين الرجل ، والمرأة ، وفي هيمنة الأول على الثانية. ورضاء هذه الأخيرة بالأمر الواقع. فما علة ذلك ياتر ى ؟. تتدخل القاصة بنظرتها الثاقبة مرجعة مثل هذا الواقع اى العرف الذي درجت عليه المرأة. منذ نعومة أظافرها، والمتمثل في الوصول الى الهدف . تصضيف القاصة متسائلة: وهل الهدف عند هؤلاء سوى الرجل، ورضا الرجل . ذلك الملك المتوج دائما ، في كل الأحوال . صراع مع الجهل . انه السيد أما الحاجة فتأتي في الدرجة الثاني ’.

وفي اللوحة الثانية. " يتكرر نفس المشهد مع الطفل سعيد . هذا الأخير تفضل والدنه الظفر بانسانيتها وحريتها. على أن تعيش مع الضرة. وتفضل البقاء معلقة، بدون طلاق، على الرضوخ ، الى ألمرالواقع، ومع ذلك ، تبقى مطاردة بإضطهاد زوجها لها الذي يريد افتكاك طفلها منها، ومع ذلك لا تكل ولا تمل، ونستمر في صمودها لتحقيق قيمة ـ المعنى ـ. لحياتها والا ما ما معنى كما يقول ـ البيركاموـ أن يكون الانسان انسانا إن ذلك يعني أن يقيم . حتى النهاية، في مجابهة يائسة بين طرح السؤال وصمت العالم ـ

الللوحة الثالثة " يتكررالمشهد نفسه مع الطفلة فاطمة لكن في هذا المشهد. تتطرق القاصة فيه، الى مساوىء التمزق الأسري. وما ينتج عنه، من معاناة . فالطفلة فاطمة. حرمت /ن حنان أبيها ، ولتحويل هذا الشوق، الى كره. تتعمد الأم زرع الحقد في خيال، ونفسية طفلتها بقولها " انك لوكنت ذكرا لسأل عنك وأهتم بك "

اللوحة الرابعة " ووفي هذا المشهد تشير القاصة، الى نقطة في غاية الأهمية، في مجال البحث، عن الأسباب المقنعة لمبررات واهية، لا تستند، الى أي دليل علمي. أو شرعي ، والمتمثلة، في الإ حساس الخاطىء، الذي عادة ما يراوض الرجل كإ عتبار إنجاب البنات مرده للمرأة . متناسيا هذا الرجل ما أوصت به الشرائع السماوية. وما أكدته البحوث العلمية. كون أن الظاهرة ربانية، ولا دخل للمرأة فيها. فحسب ما يفيد به النص القصصي أنه للحد من إنجاب البنات تتشبثب بعض العقليات من أسرنا بخرافية إطلاق اسم " حدة " للدلالة على التوقف من انجاب البنات. لكن إ سم ـ حدة ـ كثيرا ما سبب لصاحبته من المعاناة. فهي دائما محل سخرية بين أترابها.

والحق أن القصصي من خلال اللوحات السالفة الذكر. وعرض بها من تخلف إجتماعي، الذي تنطوي تحته ظاهرة تعداد الزواج. لا تعود أسبابه لهذا ألخير، وانما الى سرء التقدير. فظاهرة تعداد الزواج لها ضوابطها، وشروطها ، ومبرراتها، وقدرات يجب توفرها بالشخص. واذما تحققت هذه المعييرعلى هذه الظاهرة. كألتراضي، والعلاقات الإنسانية المتبادلة بين الأطراف المعنية بذلك كان النجاح حليفه.

وفي هذا السياق يحضرني مثلا من رواية معنونة بـ ـ رجل وثلاث نساء للروائية الجزائرية " فاطمة العقون ". حيث تعرضت فيها الى ظاهرة تعدد الزوجات بإيجابية تثير فينا الكثير من الإ ندهاش . الحتدثة بإ يجاز وتبعا لشخوص النص الروائي أن ـ صافية ـ زوجة " لزهاري ". لما تيقنت من عدم الانجاب خطبت لزوجها "سالمة ". ولما أيضا لم يتم الإنجاب مع أعاد " لزهاري " الكرة للزواج مع " حورية ". وبالفعل بقي الثلاث يجمعهن الاخترام المتبادل والعلاقات الانسانية السامية.

وقد علق على هذه الظاهرة الناقد الجزائري ـ الدكتور أحمد منور ـ بقوله: هناك نوع من البطولة. يتمثل، في قدرة البطلات على البذل، والعطاء الى أقصى الحدود، والاستعداد الدائم للتضحية ، بأي شيء، في سبيل إ سعاد من إستأثر بحبهن، حتى ولو كانت تلك التضحية، على حساب سعادتهن.

إن البيئة الإجتماعية الملوثة للأسرة، نتيجة ترسبات الجهل والمية بها. كانت تثير الكثير من التذمر، والضيق ، والقلق لدى شخوص النص القصصي، ولتغيير ، هذا الواقع المزري ، القاصة تعلق آمالا كبيرة، على المدرسة لتجحقيق حلمها المنمثل في النشء الذي يتردد عليها. نعم حلم القاصة هوتعيير ما يحتويه النهر من أقكار بالية بأفكار تتجاوب، م‘ متطلبات العصر، وتحديات عصر الكومبيوتر، والانترنت، وغزوالفضاء، وعدم الإلتفات الى الوراء جيدا... الى العهود المظلمة العاجزة الى التخلف الاجتماعي والحضاري.

والحق ثانيا، أن خلق ، وتجسيد مثل هذه البيئة الإ جتماعية النظيفة التي تنادي بها القاصة. ليست بالأمر العسير. ما دامت إمكانية تحقيقها متوفرة، والمتمثلة أساسا ، في المدرسة، وهونفس التأسيس الذي نادى اليه العالم النفساني " وطسن " بقوله ـ أعطوني مجموعة من الأطفال الأصحاء، سليمي البنية، وأنا كفيل أن أخرج منهم الطبيب، والمحامي، والفنان، والتاجر، ورئيس العمل.. بصرف النظرعن استعداداتهم، وميولهم، وقدراتهم ، وأعمال آبائهم وأصولهم الوراثية، وليس شيء اسمه وراثة والقدرات، والمهاهرات، أوالمزاج أوالتكوين العقلي ـ

ختاما النص القصصي كما اتضحى معنا تناول بيئتنا الاجتماعية بالدراسة التحليل والنقد. ولم يكتف بهذا فقط. بل أكد لنا حقيقة ، في غاية الأ همية. مفادها أن تخلفنا ليس قدرا محتوما لأنه لم يكن من صنعنا ، بل امتدت اليه أيدي سيبقى التاريخ يلعنها الى يوم القيامة . بسبب ما اقترفته، من فساد وتخريب لنسيجنا الاجتماعي.

الحقيقة الثانية التي ابرزتها القاصة وركزت عليها بصدق، وايجابية هي تشديد ها على فهمنا فهما دقيقا لواقعنا. وبغية الانتقال الى تجسيد إحتمال الواقع الذي نريده ونطمح اليه. وهذا لا يتأتى ال عبر سلكنا لطريق واحد ، وهوتجفيف نهر الأفكار البالية الذي مازال ينتقل من فرد الى الى آخر، بوسائل الرموز والألفاظ ، القاصة أيضا تشير تلكميحا وتصريحا ، الى غاية من المدرسة. حيث ترى فيها كل عوامل الخلاص والنجاة. لحلق وتجسيد بيئة اجتماعية نظيفة. تحقق التجاوب، والتناغم مع حضارات الأمم الأخرى لذلك. فهي أيضا تبدو مرغمة، الى أبعد الحدود، وبخاصة حينما تلح على الإستثمار في الانسان.

الحقيقة الثالثة، وليست ألأخيرة . القاصة تبدو من خلال تناولها للواقع بالذات، وواقع الإحتمال. أنها من أنصار البيئة . وليست من أنصار الوراثة. خاصة عند تطرقها الى دراسة محددات البنائية ، أوالتكوينية لشخصية الفرد. فهل ذوي العمامات الصغيرة، والعمامات الكبيرة. يتفطنون الى حقيقة أت التربية مشاعة بين كل أفراد المجتمع. وليست حكرا على جهة معينة لخلق البيئة الاجتماعية التي تريدها القاصة وتطمح اليها.

للأدبية زهور ونيسي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى