قد قتل ابني يا صاحب الجلالة...
تحالف الوجع والمهانة والحزن. وأعلنوا اعتصامهم في أرجاء البيت القديم. فيما كانت الأخبار وحديث الناس وحركة الشارع تكرر كلمة «العفو الملكي»...
فتحت الخزانة المتهالكة. ودست أصابعها المرتجفة تحت الملابس المطوية بعناية. وسحبت صورته القديمة..لا يزال مبتسما كما عهدته دائما. وكما خرج ذلك الصباح الصيفي ثم عاد مسرعا الى البيت ليغير ملابسه على عجل ويحزم حذاءه الرياضي. ويرد على طلبها في أن لا يتأخر في العودة وهو يغلق الباب خلفه :"غير يسالي الماتش ونرجع ’الوالدة.."
لكنه لم يرجع منذ ذلك الصباح. عادت الى البيت بدلا عنه صرخات الاستغاثة من أصحابه. كانت تسمعهم يقولون "قتلو الجدارمي" ولكنها لم تعرف عمن كانوا يتحدثون..مر وقت طويل قبل أن تعرف أن القتيل هو بكرها. وأن القاتل هو جارها الذي كان يشبه كل الوحوش التي استوطنت الأحياء الشعبية ببذلاتها الرسمية..تغير الزمن كثيرا..كان أتفه عضو في أتفه جهاز أمني أول ما يفعله عندما يسكن حومة. أن يحاول زرع الرعب في سكانها...
عرفت فيما بعد أن ابنها تشاجر مع ابن "الجدارمي" فما كان من المنهزم إلا إن استنجد بأبيه الذي خرج كالثور الهائج وانقض على سعيد ذو الأربعة عشر ربيعا. وسدد له ضربات قاتلة على مرأى ومسمع الجميع..
قتل بعد ذلك وقتلت أمه الأرملة والوحيدة أكثر من مرة. كان الحكم مخففا. عشر سنوات خرجت باردة باهتة من فم القاضي. لم تطفئ النار التي كانت تستعر في قلبها..لم تمض سوى سنوات قليلة. لم تخلع بعد ثوب الحداد على بكرها الذي كانت تعده ليكون رجلها. حتى عاد "الجدارمي" من جديد إلى الحومة القديمة. سنوات عقوبته التافهة لم تنته بعد. لكنه حر طليق. لم تفهم ماذا يجري. هرعت الى الجيران تسألهم. لم يكن الجواب سرا "حصل القاتل على عفو ملكي" همست زوجته لجارتها "لقد أعظينا لفلان. المسؤول الكبير عشرة ملايين.و وفى بوعده"...
لا يمكنها أن تبيع البيت القديم وترحل قبل أن يبلغ أصغر يتيم في حجرها سن الرشد. أعادت صورته الى مكانها الأثير تحت ملابسها.أغلقت الخزانة. و سحبت تنهيدة عميقة. وهي تعتزم أن تذهب في الصباح الى المحامي لتسأله إن كانت تستطيع أن ترسل رسالة الى الرباط...