الخميس ٢٣ آب (أغسطس) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

في ليلة من جُمادَى

لمن البيت، وما المعنى:

في ليلة من جُمادَى ذاتِ أندية
ما يُبصر الكلبُ من ظلمائها الطُّنُبا

البيت للشاعر مُرّة بن مَحْكان السعدي (ت. 690 م) وهو من شعراء الدولة الأموية، ولقِّـب "أبا الأضياف" لكرمه، وقد قتله صاحب شُرَط مصعب بن الزبير.

وقبل هذا البيت ورد في قصيدته:

يا ربّةَ البيت قومي غيرَ صاغرة
ضمّي إليك رِحال القوم والقُـرُبا

يدعو الشاعر امرأته للاحتفاء بالأضياف، وذلك في ليلة جُمادية- أي في ليلة شتائية- وكان العرب يسمون شهور البرد جُمادَى، وإن لم يكن جمادى في الحقيقة، ذلك لأن الأسماء وضعت في الأصل مقسمة على عوارض الزمان والحر والبرد والريح والمطر.

اختار الشاعر جُمادى لشمول القحط وصعوبة الزمان على الفقراء، فكان الأغنياء يتخذون مجامع لتدبير أمر الفقراء، ولدحر الفاقة والمسكنة.

فقومي أيتها الزوجة عزيزة غير ذليلة، فاجمعي الرحال والأسلحة حفظًا لها، لأنهم نزلوا عندنا، ولا حاجة لهم بها، فهم في أمان. (كان عادة العربي وهو ضيف ألا يتخلى عن سلاحه خشية الغدر. قُرُب= جمع قراب، وهو ما يوضع به السيف بغمده).

أما قوله "ذات أندية"- أي في ليلة ذات أنداء وأمطار فقد جرى في جمع اللفظة خلاف المعروف، لأن جمع "الندى"- أنداء.

أما رأي المبرِّد فهو أن اللفظة جمع "نديّ" = المجلس.

وقد تكون "أندية" جمع "نادٍ" وهو المجلس، إذ كانوا يصطلون فيه عند شدة البرد. وقال غيره:

هو جمع (ندَى) كأنه جمع فَعَلاً على «فِعال»، ثم جمع «فِعال» على أفْعِلة. (ابن جنِّي، الخصائص. ج3، ص 53)

خص الكلب في البيت لأن العرب ضربت به المثل في حدة البصر، فقالوا "أبصر من كلب" :
يمضي الشاعر في وصف الليلة فيقول:

لا ينبح الكلبُ فيها غيرَ واحدةٍ
حتى يلُفَّ على خَيْشومه الذنَـبا

فالكلب ذُكر قبلاً أنه على شدة بصره وحدته ونفاذه - لا يبصر حتى طنب الخيمة- أي الحبال التي تربطها.

الليلة ظلماء زمهرير، ونداها نتف ثلج، حتى ان الكلب بعد أن رأى الضيوف لا ينبح فيها إلا نبحة واحدة، فسرعان ما يلف ذنبه على خشمه طلبًا لبعض الدفء، وذلك بعد ان فتح فاه بنبحه، فأحس بشدة البرد، فكف عن متابعة النباح وقيامه بدوره للحراسة، فالبرد قد تغلغل فيه بسبب نبحة واحدة فتح فمه فيها.

هذا هو شاعرنا الكريم ورغم الظلمة الحندس و صَـبارّة القُـرّ يذكرنا بموقفه من ضيفه:

أَقُولُ وَالضَّيْفُ مَخْشِيٌّ ذَمَامَتَهُ
عَلَى الْكَرِيمِ وَحَقُّ الضَّيْفِ قَدْ وَجَبَا

ملاحظة أو أكثر:

نُسب الشعر كذلك إلى شاعر يمني هو الحسن بن علي الهَـبَل (ت. 1668)، وقد ذكر ذلك في موسوعة الشعر العربي (على قرص)، ولكن ذلك غير صحيح بسبب ورود القصيدة في عدد من المصادر القديمة كالأغاني وحماسة أبي تمام و معجم الشعراء للمرزباني، ج1، ص 383.
ثم إن مرة بن مَحْكان يورد في قصيدته:

أنا ابن محكان أخوالي بنو مطرٍ
أُنمَى إليهم وكانوا معشرًا نُجُـبا

اسمه ورد في الاشتقاق لابن دَرَيد، ص 247 مِحْكان (بكسر الميم) وورد (مَحْكان) بالفتح في ذيل الأمالي لأبي علي القالي (ص 179) والشعر والشعراء، ج2، ص 686)- والأغاني- دار الفكر، ص 322.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى