غَرَقُ الدُّمُوعِ الْمُلَوَّنَةِ
أَنَا وَالصَّحْرَاءُ تَائِهَةٌ،
أَرْبَعُونَ عَامًا تَائِهَةٌ،
وَالتَّرَوِّي يَنْهَشُهَا.
أَبْحَثُ عَنْ أَوْلَادِ سَارَةَ،
عَاتَبْتُ الْجِينَاتِ:
لِمَاذَا فَرَّقَتْ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ أَبِينَا الثَّانِيَةِ؟
جَفَّتْ يَنَابِيعُنَا،
تَكَاثَرَ دَمْعُنَا فِي سِينَاءَ،
تَجَرَّحَتْ خُدُودُ أَطْفَالٍ
مِنْ نَبْعِ الْعُيُونِ،
وَجَفَّتْ مَلَامِحُ الِاحْمِرَارِ
فِي مَسَارَاتِهَا،
وَعَادَتْ أَوْرَاقُ الْخَرِيفِ
وَإِلَى التَّشَابُكِ.
تَسْتَقْطِبُ الْجِهَاتُ الْمَرْكَزَ،
تَتَجَمَّعُ الْقُوَّةُ،
مَخَارِجُ الْمُحِيطِ،
تَتَجَمَّعُ الْأَبَابِيلُ
لِتُهَاجِمَ رُكُودَ الْغِيَابِ
الَّذِي يَحْمِلُ النُّهُوضَ
مِنَ الْهُرُوبِ.
الْمُحِيطَاتُ تَوَقَّفَتْ
عِنْدَ مَعَابِرِهَا،
تَلَوَّنَتْ أُمْنِيَاتُ الْقَرَاصِنَةِ
بِأَلْوَانِ الْحِقْدِ،
وَتَجَمَّعَ الدَّمُ بِالْبَعْثِ،
سَتَعُودُ الْمُحِيطَاتُ
إِلَى غَرَقِهَا،
سَتَشْرُقُ شَمْسُهُمْ مِنْ غُرُوبِهَا،
وَتَغْرُبُ فِي جَحِيمِهَا مِنْ شَرْقِهَا.
ظُلْمَتُهَا تَلَوَّنَ فُجُورَهَا،
كَيْفَ لِي أَنْ أَعْرِفَ
رَبِيعَهَا مِنْ خَرِيفِهَا؟
وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْرِفَ
سُقُوطَهَا مِنْ صُعُودِهَا؟
وَكَيْفَ لِي أَنْ أَنَامَ
بَيْنَ جُفُونِهَا؟
كَيْفَ لِي أَنْ أَتَقَاسَمَ
عُيُوبَهَا؟
لَيْسَ لِي إِلَّا جُنُونُهَا،
وَبَقَايَا دُمُوعِهَا
فِي عُيُونِهَا المُنكَمِشَةِ الأهْدابِ،
وَكَيْفَ لِي أَنْ أَحْفَظَ
تَرَاتِيلَ رُمُوشِهَا؟
وَكَيْفَ لِي أَنْ أَنْدُبَ مَعَهَا
نَدْبَ كِيَانِهَا وَعُقُوقِهَا؟
سَأُرَتِّلُ مَعَ أَحْزَانِهَا
تَرَاتِيلَ الْفَرَحِ،
وَأَعُودُ الرَّحِيلَ مَعَ الْمَرَحِ.
أَنَا لَا أُعَاتِبُ شَمْسَ الْقَزَحِ،
وَلَا أَعُودُ مِنَ الْعَوْدَةِ.
مَشَافِي الْعَرَبِ،
كَيْفَ لِي أَنْ أَعْرِفَ
مَا لَا أَعْرِفُ،
وَالْجَهْلُ كَثِيفٌ؟
وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْرِفَ
مَا لَا أَعْرِفُ؟
كَيْفَ لِي؟ كَيْفَ لِي؟
تَفَرَّقَتِ الْجَنَازَةُ
بِدُونِ مُوَاسَاةٍ،
وَتَرَكَتْ أَحْزَانَهَا
فِي الْمَدْفَنِ،
نَسِيَتِ الْكَفَنَ فَوْقَ الشَّاهِدِ،
وَتَحَرَّكَتِ الْأَرْضُ
تَبْحَثُ عَنْ مَدْفَنِهَا!!
اِنْفَصَلَتِ الْأَنْهُرُ عَنِ الْجَرَيَانِ،
وَتَوَقَّفَتِ الْبُحَيْرَاتُ
عَنِ الِارْتِفَاعِ،
سَيَعُودُ الْجَفَافُ مِنَ الظَّمَأِ،
وَتَبْقَى الْيَنَابِيعُ بِدُونِ رَوَاءٍ.
سَأَتَوَارَى بِالصَّمْتِ
بَحْثًا عَنِ الْأَمَلِ،
وَنُوَّارِ الصَّبْرِ
عَلَى تُخُومِ السَّلَامَةِ،
سَيَغْدِرُنِي مِنَ الْخَلْفِ
نَاطُورُ الْمَعَابِرِ،
وَيَقْنُصُ رَفِيقَةَ دَرْبِي
مِنْ خَلْفِ الْخِيَانَةِ.
أَحْمِلُهَا بِدُونِ كَفَنٍ،
وَأَفْتَرِشُ الْهَوَاءَ الْمُغَبَّرَ،
يَعُودُنِي الْمُعَزُّونَ بِالْحُزْنِ،
وَهُمْ التَّمَاسِيحُ.
نَامَتِ الْأَسْمَاكُ،
أَغْرَقَتْنِي الدُّمُوعُ الْمُلَوَّنَةُ،
وَلَبِسْتُ الْحِدَادَ.
