أدب الأطفال والدرس التاريخي في المغرب
يُعد أدب الأطفال في المغرب مجالًا ناشئًا في النص، وقد بدأ في تكوين بنيته مؤخرًا بعد فترة طويلة من طرح نسخ مترجمة ومُعدَّلة من حكايات العالم وطبعاتها المبسطة في السوق. وقد أدى التحول التعليمي والثقافي الذي شهده المغرب بدءًا من تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب التركيز على الطفولة وحقوق الطفل ونموه، إلى ظهور جيل جديد من الكُتّاب الذين يعتبرون الأطفال قراءً حساسين يرغبون في أن يحترم النص ذكاءهم ويلبي رغباتهم العاطفية والفكرية. وقد شهد أدب الأطفال المغربي تحولًا، وهو الآن يطور نصوصًا أصيلة، مستوحاة من البيئة المغربية والذاكرة المشتركة للمجتمع، وتعيد سرد القصص والأحداث بطريقة مغربية. وقد أدى ذلك إلى تغيير كمي في موضوعات وأساليب ورسائل هذا النوع الأدبي. أدب الأطفال في السياق المغربي.
يؤلف الكُتّاب كتبًا لتعليم الأطفال عن العالم ومساعدتهم على بناء هويتهم. تؤدي هذه الكتب وظائفَ عديدة، منها غرس قيم العمل الجماعي والشجاعة والوطنية وقبول الآخر. كما تُقدّم شروحًا مُفصّلة للعلوم والتاريخ واللغة، مُمتعة للقراءة. كما تُعزّز تقدير الفن وتُحفّز الخيال على استكشاف العالم. كما تُوثّق هذه الكتب الطفل ببيئته وتاريخه وتراثه الثقافي. يُعدّ أدب الأطفال إحدى الطرق التي يكتسب من خلالها الأطفال مهارات التفكير النقدي مع الحفاظ على جذورهم الثقافية.
تتنوع أشكال الكتابة المغربية الموجهة للأطفال، من قصص ومسرحيات وكتب مصورة وشعر، إلا أن القصة هي الشكل الأدبي الأكثر انتشارًا، نظرًا لارتباطها بعالم الطفل. وقد حُددت جوانب هذه الكتابة على النحو التالي:
يمنحك الخيال مجالًا واسعًا من المعرفة والترفيه. وهو مبني على التقاليد الشعبية الزاخرة بالرموز والشخصيات والصور. يجب أن تكون اللغة المستخدمة بسيطة وموجزة، بعيدة عن التبسيط المفرط أو التعقيد. تتضمن القصة شخصيات يمكن للأطفال ربطها بشخصيات أخرى، مثل بطل طفل، وحيوانات ناطقة، ومخلوقات خيالية لطيفة. سيتمكن الأطفال من التماهي مع البيئة المحيطة، سواء كانت قرية أو مدرسة أو جبلًا أو بحرًا. تتغير نظرة الكُتّاب للأطفال، وهذا التنوع دليل على ذلك: فهم ليسوا مجرد متلقين، بل مشاركين في عملية الإبداع. يعكس أدب الأطفال في المغرب التجارب التاريخية للبلاد.
لم يُدرَج التاريخ كمادة دراسية في الكتب التي يقرأها أطفال المغرب خلال السنوات الماضية، وذلك لخوف المعلمين من تدريسه نظرًا لحساسيته، ولعدم معرفتهم بكيفية تبسيطه أو تقديمه دون تقديمه بشكل جيد. وقد بدأ بعض الكُتّاب بتحويل التاريخ من مادة مملة إلى مادة تُروى على شكل قصة، تُمكّن الطفل من رؤية الماضي بخيال واسع. هناك بعض الأمور التي يجب القيام بها لتحويل التاريخ إلى قصص يمكن للأطفال قراءتها.
فهمٌ كاملٌ لما يُفكّر فيه الأطفال. راوٍ ماهر، قادرٌ على تقديم قصصٍ مُسلّية، دون تحريفٍ للتاريخ. ليس واعظًا أو مُحاضرًا. على الطفل أن يعيش الحدث من خلال الشخصيات، لا أن يسمعه فقط. في هذا السياق، يُمكن اعتبار عمل عبد الحميد أبوزرة من أهم التجارب المغربية في توظيف التاريخ في أدب الأطفال.
يعد عبد الحميد أبوزرة رائدا في جعل التاريخ ممتعًا للأطفال من خلال السرد القصصي والخيال والتجربة الواقعية. يؤمن بمزيجٍ من المتعة والتعلم والابتكار. يؤمن بالتوازن بين الخيال والتجربة الواقعية، والمتعة والتعلم.
يُسهم التاريخ المحلي في ترسيخه لدى السكان، إذ غالبًا ما يُغفل في المدارس والذاكرة الجماعية، بما في ذلك حقائق تاريخية عن مقاومة منطقة معينة وشخصيات تاريخية منسية. تُصوَّر القصة كما لو كان طفل يعيشها، مما يجعلها أقرب إلى القارئ الصغير. القصة واقعية وخيالية في آنٍ واحد، وكلا الجانبين متوازنان جيدًا بحيث لا يطغى أي منهما على الآخر، مما يجعل القصة شيقة دون أن يفقد طابعها الوثائقي. يجب غرس القيم الوطنية كالانتماء والصمود والحرية دون اللجوء إلى الدعاية. تتجلى جميع هذه السمات في قصصه القصيرة، مثل:
سيعود الملك وسنحتفل بعيد الاستقلال.
معركة الفخفاخة وسر شقائق النعمان.
ثريا في سماء المجد.
كما يستغلون المناسبات الوطنية لبناء قصة خيالية تُساعد الأطفال على تعلم التاريخ بطريقة إنسانية.
تُعد هذه التجربة بالغة الأهمية، إذ تُقدم أفكارًا جديدة حول كيفية تدريس التاريخ للأطفال بدلًا من المواد المملة التي تُدرّس عادةً في المدارس. كما أنها تدعو إلى إحياء الذاكرة الوطنية من خلال قصص تُلامس الشباب. ومن الأمثلة الجيدة على الكتابة التعليمية الممتعة تلك التي تُصمّم جيدًا وتُضفي جوًا من المرح دون فصل بين الاثنين. وتُشير إلى إمكانية غرس الوعي التاريخي لدى الأطفال في سن مبكرة دون الحاجة إلى الكتابة كبالغين. وتُناقش العلاقة بين الطفل والماضي بشكل نقدي، وتُشير إلى كيفية تحويل التاريخ إلى رموز مُلهمة. وتُشجع هذه التجربة كتابًا مغاربة آخرين على تجارب أصيلة. ويُساهم تأثير أبوزرة مساهمة كبيرة في أدب الأطفال المغربي، ويفتقر فرع الخيال التاريخي للأطفال إلى دعم المؤسسات.
يتطور أدب الأطفال المغربي على يد كتّاب يجمعون بين الكتابة الإبداعية والهوية الوطنية والمعرفة التربوية. إن إدراج المحتوى التاريخي في أدب الأطفال يُمكّن الأطفال من إدراك ماضيهم وفهم حاضرهم بنظرة نقدية. نهج أبوزرة - اللعب بالحقائق التاريخية - مُبتكر، إذ يستخدم الخيال لخلق علاقات ممتعة وعميقة بين الأطفال وماضيهم. نهج أبوزرة ليس مجرد تجربة شخصية تستحق مزيدًا من البحث والموافقة من المؤسسات، لأنه يُوفر ذلك التوجه الواسع الذي يُمكن لأدب الأطفال المغربي من خلاله أن يتعمق ويتجه نحو المجتمع.
مراجع المقالة:
عبد الفتاح كيليطو، الطفل والقراءة في الثقافة العربية.
محمد أنقار، السرد والطفل في الأدب المغربي.
حسن نجمي، ثقافة الطفل في المغرب.
عبد الرحيم العطري، سوسيولوجيا الطفولة.
محمد الإدريسي، أدب الطفل العربي: قضايا ورؤى.
بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان.
عبد الله العروي، مفهوم التاريخ.
عبد الله حمودي، الهوية والذاكرة.
أحمد بوزفور، مقاربات في أدب الطفل.
المجلة المغربية لأدب الطفل – أعداد مختلفة.
دراسات منشورة في مجلة الثقافة المغربية و مجلة فصول حول تطور أدب الطفل.
القصص المنشورة للكاتب (2024–2025):
سيعود ملكنا وسنحتفل بالاستقلال
معركة فخفاخة وسر شقائق النعمان
ثريا في سماء المجد
