الخميس ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠٢٤
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

علم اجتماع القبح

يمثل القبح، في شبكة التفاعلات البشرية المعقدة، جانبًا فريدًا ومثيرًا للقلق في السلوك الاجتماعي، حيث يتم تعريف القبح على أنه الميل إلى الانخراط في أعمال حاقدة أو خبيثة أو لئيمة، ويمكن أن يظهر في أشكال مختلفة، بدءًا من الأفعال العلنية مثل الإساءة اللفظية والاستبعاد الاجتماعي إلى السلوكيات الأكثر سرية مثل نشر الشائعات أو الانخراط في الغيبة والنميمة.

وقد ساهم العديد من علماء الاجتماع بشكل كبير في فهم هذه السلوكيات الاجتماعية السلبية. يقدم عمل جوفمان حول التفاعلات الاجتماعية وعرض الذات، لا سيما في "عرض الذات في الحياة اليومية" (1956) و"طقوس التفاعل" (1967)، رؤى حول كيفية إدارة الأفراد لسلوكياتهم الاجتماعية، بما في ذلك القبح، للتأثير على الآخرين. وتقدم دراسات بيكر حول الانحراف، وخاصة في كتابه "الغرباء: دراسات في علم اجتماع الانحراف" (1963)، إطارًا لفهم كيفية تصنيف سلوكيات معينة، بما في ذلك القبح، على أنها منحرفة. وتُعتبر نظريات بورديو حول السلطة ورأس المال الاجتماعي والعنف الرمزي، كما تمت مناقشتها في أعمال مثل "التمييز: نقد اجتماعي لحكم الذوق" (1979) و"منطق الممارسة" (1980)، حاسمة لفهم كيف يمكن للقبح أن يعمل كأداة للحفاظ على التسلسل الهرمي الاجتماعي وممارسة النفوذ. ويقدم استكشاف جوديث بتلر للأداءية والمعايير، خاصة في "مشكلة النوع الاجتماعي" (1990) و"الخطاب المثير: سياسة الأداء" (1997)، نظرة ثاقبة حول كيفية تنفيذ السلوكيات الاجتماعية، بما في ذلك القبح، وتنظيمها ضمن السياقات المجتمعية. إن عملها في أفعال الكلام وقوة اللغة له أهمية خاصة في فهم القبح اللفظي. ويوفر عمل زيمباردو في تجربة سجن ستانفورد (1971) فهمًا عميقًا لكيفية قيام العوامل الظرفية والسياقات المؤسسية بأن تؤدي إلى السلوك القبيح والمسيء. وتسلط تحليلات فوكو للسلطة والانضباط والمراقبة، خاصة في كتابه "الانضباط والمعاقبة" (1975)، الضوء على كيف يمكن أن يكون القبح شكلاً من أشكال السيطرة والسلطة الاجتماعية. وتعتبر مفاهيمه عن الآليات التأديبية والنظرة حاسمة لفهم كيفية تنظيم القبح وإدامته داخل المؤسسات.

ويرتبط القبح بجوانب مجتمعية عديدة؛ فمن الناحية الاجتماعية، فإن القبح ليس مجرد انعكاس لعيوب في الشخصية الفردية ولكنه متجذر بعمق في البنى الاجتماعية الأوسع، والأعراف الثقافية، والجوانب المختلفة المرتبطة بالسلطة. وغالبًا ما تكون هذه السلوكيات بمثابة أدوات للحفاظ على السلطة والتفاوض بشأنها داخل الفئات الاجتماعية، مما يسمح للأفراد بتقويض المنافسين، وتعزيز مواقعهم، وإظهار التفوق.

كما تلعب الأعراف والقيم الثقافية أيضًا دورًا مهمًا في تشكيل مدى انتشار وأشكال القبح. ففي المجتمعات التي تعطي الأولوية للمنافسة والنجاح الفردي، مثل الاقتصادات الرأسمالية، قد يكون القبح أكثر انتشارًا حيث يشعر الأفراد بأنهم مجبرون على التفوق على الآخرين والفوز في المنافسات المختلفة. وعلى العكس من ذلك، في الثقافات الأكثر جماعية حيث يتم التركيز على الانسجام والتماسك الجماعي، قد يكون القبح أقل تسامحًا أو يظهر بطرق أكثر دقة وأقل عدوانية بشكل علني. إن فهم هذه الأسس الثقافية أمر بالغ الأهمية لتطوير نظرية اجتماعية شاملة للقبح.

وتسلط عملية التنشئة الاجتماعية الضوء أيضًا على كيفية تعلم الأفراد وإدامة السلوكيات السيئة. فمنذ سن مبكرة، يتم تنشئة الأشخاص اجتماعيًا وفقًا للمعايير الثقافية والاجتماعية الخاصة بهم، بما في ذلك كيفية التعامل مع الصراع والمنافسة. فالأطفال الذين يلاحظون ويشعرون بالقبح، سواء في المنزل أو المدرسة أو من خلال وسائل الإعلام، قد يستوعبون هذه السلوكيات كطرق مقبولة للتفاعل مع الآخرين. وبمرور الوقت، تصبح هذه السلوكيات المكتسبة متأصلة، مما يساهم في إدامة القبح عبر الأجيال. ويدرس علماء الاجتماع هذه الأنماط للكشف عن الآليات التي يتم من خلالها انتقال القبح واستدامته داخل المجتمعات.

جانب آخر مهم من علم اجتماع القبح هو تأثيره على التماسك الاجتماعي ورفاهية الفرد. فالتعرض المستمر للقبح يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة، وتقويض العلاقات، وخلق بيئات معادية. ففي أماكن العمل، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي ثقافة القبح إلى انخفاض الإنتاجية، وزيادة معدل دوران الموظفين، ومشاكل الصحة العقلية بين الموظفين. وبالمثل، في البيئات التعليمية، يمكن أن يعيق القبح التعلم، ويعزز الاستبعاد، ويؤثر سلبًا على احترام الطلاب لذاتهم وأدائهم الأكاديمي. ومن خلال دراسة هذه النتائج، يسلط علماء الاجتماع الضوء على التكاليف الاجتماعية الأوسع للتسامح مع السلوكيات السيئة وإدامتها.

ولمعالجة مسألة القبح، يدعو علماء الاجتماع إلى التدخلات على المستويين الفردي والبنيوي. على المستوى الفردي، يمكن أن يساعد تعزيز التعاطف والذكاء العاطفي ومهارات حل النزاعات الأشخاص على التعامل مع التفاعلات الاجتماعية بشكل أكثر إيجابية. ومن الناحية البنيوية، فإن تعزيز البيئات الشاملة والداعمة، سواء في المدارس أو أماكن العمل أو الفضاء عبر الإنترنت، يمكن أن يخفف من انتشار القبح. ويمكن للسياسات والممارسات التي تعزز العدالة والاحترام والمجتمع أن تخلق ظروفًا تقل فيها احتمالية ازدهار القبح.

في الختام، يكشف علم اجتماع القبح عن التفاعل المعقد بين السلوك الفردي، والبنى الاجتماعية، والأعراف الثقافية. ومن خلال فهم القبح كظاهرة مبنية اجتماعيًا ومستمرة، يمكن لعلماء الاجتماع معالجة أسبابها الجذرية بشكل أفضل والعمل على تعزيز مجتمعات أكثر انسجامًا وإنصافًا. إن دراسة القبح لا تلقي الضوء على الجوانب المظلمة للتفاعل البشري فحسب، بل تؤكد أيضًا على إمكانية التغيير الإيجابي من خلال السياسات والتدخلات الاجتماعية المستنيرة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى