السبت ٦ أيار (مايو) ٢٠١٧
بقلم
شمعتنا الستون
ها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينوفي رحم النسيان ـ لا نزال ـ ينهار علينا القدر بمنساتهنغنـِّي مواويل الأحزان في عامك الستينننشد روائع أم كلثومنتبخـَّـر بعطركوالذكريات تعلـِّـمنا كيف نسيناكتبقين معصوبة الجبينعلى شواطئ البحر المالح تستحمِّينوتصنعين لنفسك رباطات من حجرونخجل من أنفسنا أن نمدك بالحجر..!علـَّـنا وراء الحجر نستترننتظر المساء..ولا يأتي المساء..ها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستيننغار على نسائنا..ولا يمنعنا الحياء أن نغنـِّـي على عتبات البيوتلا يمنعنا الحياء أن نرقص في عامك الستين..يقتات داخلوا الرايات الحُمر من جسدكوعلى مرمى حجر.. يشتعل جسدكونحن نسبِّح بحمد الله ونقدِّس لهولا يمنعنا الحياء أن نصفـِّـق لكهبِّي بصحنكِ فأصبحيناولا تبقي خمور الخائنينا..!عجـِّـلي بعطرك الأحمروصُبِّـي علينا من مائك المالحفطوبى لنا.. طوبى لنا..في عامك الستين نحاول اختراق الزمنويأبى الزمن..فنـُردُّ على أعقابنا خاسئينونجتمع مثنى وثلاث ورباع لننشدك..لنعزف تقاسيم الهوى ولوعة الفراقفنتبارى من أجل أن يحمل بعضنا لواء النصرونخطط على إيقاع جروحاتك..فيحضننا الشتاء في أكواخناويحرمنا الصيف من جوائزنافنتباكى من جديد، ويقبِّـل بعضنا يد بعضفنتصافح من جديدفيقسمنا عدُّونا بعصًى من حديد..ها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستيندموع اليتامى معلقة بين الأمس والحينوأنفاس الثكالى عطشىتأبى أن تشرب من مائك المالحوالراحلون من غربتهم يتجمَّعون في ميعادينصرون ظلمهم..ينصبون خِـيمهم..يعقدون ألويتهم..ويستمتعون بقطف ورودكتلك الورود ذبلت، وما عادت تصلح للزرعأيدينا ما عادت تحرث الأرضجفـَّـت سواقيناأفسد الطوفان زرعنا..ذاك الطوفان..ذاك الطوفان..ولازلنا نرقب من بعيدعودة عمر أو صلاح الدينلازلنا نرقب من بعيدعودة التاريخيولي عنا التاريخ وجههنصحِّح أخطاءه ، ويصحِّح أخطاءنايملي علينا أساطيرهفنـُسعد لسماعها، ونزغرد مثل القواعد من النساء لهفتتقاذفها الآذان.. وتخشع لها القلوبوقرارات التاريخ تُملى علينا بكرة وأصيلافيهرع شيوخنا لتقنينهاويُستدعى أبناؤنا وأحفادنا لتسطيرهاذاك الطوفان..ما عدنا نعرف من أين يسقينا..ما عدنا نعرف من أين يُعرِّينا..ورغم أنوفنا قبلنا أن نستحمَّ من مائهونتبادل التهم..أيُّنا دخله أولاوها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينتنهضين.. تحاولين الخروج من الاحتقارالإحساس يطوِّق البشرفيرجع بنا التاريخ إلى الصفر..نحاول الخروج منه فيزجرناأيها الهاربون من النار ماذا تريدون؟مكانكم.. لا تنظروا للأماموفي أعالي الحذر ينزلق القدرممتطياً جواده الأشقرمعلناً بصوت صارخ:ما سلككم في سقر؟يصعد القرد والخنزير متكئاً عصاه فوق مصطبَّة التاريخويرسم أطفالا بلا رؤوس، بلا أعين، بلا أذانوتمشي على الأرصفة.. مخالبهحاملين كؤوس العلقموآخرون يهدوننا تلفازات..يوزِّعون علينا أشرطةفي هذه الأشرطة مجدكم..بهذه الأشرطة تنامون، تهدِّئون أعصابكممصاعب حياتكم تؤسفنااتَّكئوا على كراسيكم واشربوا هنيئاً..اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخاليهفنتباكى من جديد، ويقبِّل بعضنا يد بعضفنتصافح من جديد..ويَقْسِمنا القرد والخنزير بعصىً من حديد..ها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينمنمنمات الخلود يرسمها أبطالكيتلثمون، يصنعون من أجسادهم جسداً لكيشترون قبورهم.. وتقبضين أنتِ الثمنالثمن..لا أحد يعرف الثمن..ويترجل أبطالك فرادى وجماعاتيعصرون أنفاسهم، ونمتص نحن الرحيقويبدأ الحريق..حريق باركتيه أنتِ أولاً..وما باركناه..حريق اشتعل بدون كبريت..وما باركناه..اتكأنا مرة أخرى على قفانا فوق كراسيناوأشعلنا تلفازاتناوأدخلنا أشرطتنا المُهداة لنا..فكـُتب على شاشاتنا : لماذا الحريق؟اطفئوا الحريق..ضعوا المساحيق.. وانصرفواقولوا إن هذا ظلمأين الحقوق؟ونخرج مبحوحي الأصوات:لا نريد حريقاًاطفئوا الحريقويأبى أبطالك أن يخمدوا الحريقفنـُلطم على وجوهنا في الطريق..!وتصفعنا الرياحتدخل أتربتها من كل بابونستعد ليوم العقاب..ها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينأبناؤنا يقرأون كل موسم قصتكيكتبون في كراريسهم عن هجرتكيتجرَّعون بدلا عنا كؤوس المرارهْيسألني ابني عن حرقتكفأخجل من نفسي من شدة الحرارهْ..!وفي غفلة من سؤال ابنيأدخل حجرتي وأغلق على نفسي البابأدخل المفتاح في جيبيكي لا يزعجني ابني..وهكذا يفعل جاري وجارتيفندخل من جديد أكواخناويحرمنا الشتاء دفء العائله..نشعل تلفازاتنا فرادىنقلـِّـب قنواتها في عزِّالليلنقفز من على أسرَّتنا نرقص..وفي الصباح نتبادل الأكاذيبنتعاطى التهم..نتربص بأنفسنا..وإلى أن يحين الوقتنقرأ الفاتحة والمعوذتينوفي عيدك الستين نظلُّ نتراشق بالغزلونشرب في عيدك الستين الممنوعاتونأكل الحلويات..نعقد الصفقات.. ونصلي مع الإمام جماعاتوها أنتِ لازلتِ.. لازلتِها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينلا أثر.. لا مطر.. لا قدرولا خبر..تقتلنا الذكرياتولا خبر..نتعذب بالآهاتولا خبر..لا مصانع الغد تأتينا بالخبروفي لمح البصريأتينا الخبر !إنكم في خطركفـُّـوا أيديكم عن تصحيح التاريخطهـِّـروا ألسنتكم من الأدعية على حاشية سليمانحافظوا على الصلوات الخمسوقوموا لله في عرسمن مدَّ يده إليك ليصفعكمُدَّ إليه خدَّك الأيمن لِـيَـ...ومن سرقك في عقر داركادعُ له بالنوبة والهدايهْومن بال عليك علانيهْانزع ثوبك واغسله..وهكذا يتعلم أبناؤنا كيف هي الحضارهْوهكذا يتعلم أبناؤنا أنْ لا علاقة لهم بالحجارهْ..هذه أرضنا.. لا غنى لنا عنهاهذه أرضنا.. كيف تقبلون أن ننسلخ منها؟هذه أرضنا.. حياتنا.. موتنا..بعثنا.. نشورنا.. حسابنا فيهاها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينلن نقبل بشيء غير ما نريدلا نريد حضارتكموجوهنا محطمة الفكـَّـينأحلامنا لم تعد تسع أذهانناأفكارنا خرجت من صلبها مطلـَّـقة بالثلاث..ارجعوا عنا.. لا مقام لكم بأرضناعشرات السنين تتشدَّقون علينا بالكلماتوتعلنون الحرب علينا بالدباباتوالمدافع والطائراتارجعوا عنا فلا مقام لكم بيننالا الهيكل المزعوم بأرضنالا تدغدغوا أسماعنا بسليمانفقد لعنكم ابنه وابن ابنه..جرَّدكم الله من كل شيءقضى عليكم بحكم الجلاءاللعنة فيكم..في أعقابكم..لا مناص لكم منهالن ترجعوا عن غيِّكملا المسيح ولا محمد تريدون..ولا موسى تنتهونفجرهْ.. كفرهْ.. سحرهْفي جنح الليل تتسللون..تدخلون بيوتاً غير بيوتكمولا تستأذنون..عبدان الصليب تحالفونتتجمَّعون.. تتضاحكونوفي أرض السراب تعجـِّـلون بأرواح أبطال حبيبتيإلى الجنهْ..وفوق أرض السراب يعجـِّـل أبطال حبيبتي بأرواحكمإلى النار..وأنتم وهم.. صعاليك يتبعكم العارتمشون في ظلـِّـه..تتمسَّحون بعطره..تتحرَّكون بأمره..ها أنتِ حبيبتي تطفئين شمعتك الستينها أنتِ حبيبتي في عامك الستين.. لازلتِولا تزالين معلـَّـقة بين السماء والأرضتلبسين السواد تحت ظل الحصارها أنتِ يا حبيبتي.. لازلتِولا تزالين تطعميننا من جسدك المعلولتطعميننا اللحم والخبز والفول..تقبـِّـليننا في سويداء قلوبناوتشفقين علينا من لسعات الحصارتنتظرين عمرنا لنفكَّ عنك الحصاروننتظر نحن المساءولا يأتي المساء..لا ندري بعد عامك الستين أين تصبحينهل سنطفئ شمعتك السبعين..؟الثمانين..؟التسعين..؟المائه..؟وإلى أن يحين الوقتنبقى نتفرَّج على ميلادك الستينمعذره..شمعتك الستين!ويطوِّقنا الحنينونتعوَّذ بالله من عمر الستينوعمر ما بعد الستين..